Lessons by Sheikh Saeed bin Misfir
دروس للشيخ سعيد بن مسفر
Nau'ikan
عرض الدعوة على الناس
المعلم الثاني من معالم الدعوة إلى الله ﷿ بعد الإخلاص: عرض الدعوة بالذهاب إلى الناس، وعدم الانتظار حتى يأتيك الناس، فإن الأنبياء والدعاة إلى الله، أرسلهم الله ﷿ إلى الناس ولم يرسل الناس إليهم، وظيفة الأنبياء أنهم رسل، أي: مرسلون من عند الله يذهبون إلى الناس، لم يكلف الله الناس بالذهاب إلى الأنبياء، وإنما كلف الله الأنبياء بالرسالات وحملها إلى الناس، وورثة الأنبياء هم العلماء والدعاة، المطلوب منهم أن يحملوا الدعوة، وأن يعرضوها على الناس، ويذهبوا بها إلى الناس، وألا ينتظروا حتى يسألهم الناس، أو يأتي إليهم الناس في بيوتهم أو في أماكنهم، وخاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه يقول الله فيه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧] أي: أرسلناك لتذهب أنت رحمة، فهل هو: لفئة معينة، لقبيلة معينة، لجنسية معينة؟ لا.
بل هو للعالمين، وكل ما سوى الله عالم، رحمة للأرض، رحمة للسماء، رحمة للحيتان في البحر، رحمة للدواب في البر، رحمة للطير في السماء، رحمة لكل شيء.
في يوم من الأيام جاءت إليه صلوات الله وسلامه عليه حمامة وجلست فوقه ﷺ تبكي تهطل عيونها بالدمع، فقال للصحابة وهم لا يدرون: (من فجع هذه بفرخيها؟ قال أحد الصحابة: أنا، قال: ردها، قال: ولمَ؟ قال: إنها جاءت تشكي تقول: إنه سرق عليها فرخها) انظروا رحمة النبي ﷺ بالطير.
ومر في يوم من الأيام في البادية على قوم قد نصبوا لهم خباءً، وقد اصطادوا لهم غزالًا -ظبيًا- وجلسوا يوقدون النار، يريدون أن يذبحوا الظبي ويتعشوا به، فلما رآها هزت رأسها، وكأنها تشتكي إلى النبي ﷺ، فقال لهم: (أتدرون ماذا تقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها تقول: إنها خرجت من جحرها وتركت أولادها وهم جائعون -وإنها الآن لا يهمها أن تذبحوها هي ميتة ميتة لكن يهمها الذي وراءها من الصغار- قالوا: وما تريد يا رسول الله؟! قال: أطلقوها لتذهب ترضع أولادها وترجع إليكم، قالوا: من يضمن أنها ترجع؟ -الظبية إذا انفكت لا ترجع- قال: أنا أضمن، قالوا: قبلنا ضمانك يا رسول الله! فأطلقوها، وجلس معهم النبي ﷺ، وذهبت إلى الجبل تعدو إلى أن دخلت الجحر وأرضعت أولادها وجاءت، فلما جاءت ووقفت قالوا: هي لله ورسوله) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، رحمة للعالمين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧].
والله يقول للأمم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الملك:٨ - ٩] (ألم يأتكم)؟ هذه فيها دليل على أن الدعاة هم الذين يذهبون إلى الناس، ويعرضون دعوتهم على الناس ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾ [الملك:٨] أي: قد أتاكم، ويقول ﷿ في آية أخرى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام:١٢٢] كان ميتًا بالكفر والمعاصي، وأحياه الله بالإيمان والدين ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام:١٢٢] جعل الله له نورًا -أي: دينًا يمشي به في الناس، يوزعه على الناس، يهدي به الناس إلى الله جل وعلا، هذا دليل على أن الداعية من مهمات دعوته: أن ينتقل بها، وأن يسلك بها من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ومن دكان إلى دكان، أينما حل فدعوته معه، يوزع النور، ولا يحتقر شيئًا: (لا تحقرن من المعروف شيئًا) يمكن أن تقول كلمة لا تحسب لها حسابًا ولا تحتمل أنها تؤثر لكن يمكن أن يفتح الله بها قلب هذا الفاسق، كلمة بسيطة، تراه على منكر، أو تأتي وقت صلاة وهو ليس في المسجد فتقول له: كذا وكذا، يمكن أن تؤثر هذه الكلمة فيه؛ لأن الله يقول: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم:٢٤ - ٢٥] والداعية مثله كمثل السحابة، السحابة تحمل المطر، ويرسلها الله ﷿ فيقع منها الغيث، وهذا الغيث يقع على كل مكان، لا يخص أناسًا دون أناس، ولا يمنع منه شيء، تجد المطر أحيانًا ينزل على البحر، رغم أن البحر لا يستفيد من المطر، ما رأيكم إذا نزل المطر على البحر هل يستفيد البحر من المطر؟ لا.
لكن ينزل بأمر ربه، فينزل في البحر، وأحيانًا يقع على الجبال وقممها، رغم أنها لا تستفيد كثيرًا ولا يثبت الماء في رءوس الجبال، ويقع في صحاري قاحلة، ورمال وكثبان وليس فيها مراعي ولا أناس ولا أي شيء، ومع هذا ينزل.
وكذلك -أيها الإخوة- الداعية إلى الله مثل السحاب يطوف الأرض كلها، لا يخص مكانًا دون مكان، فلا يقول: أنا لا أتكلم إلا في المسجد! لا.
تكلم في المسجد والمدرسة والشارع والسيارة، وتكلم في المجلس الذي تجلس فيه مع الناس، وتكلم مع أنسابك، وتكلم مع إخوانك، المهم أينما حل نفع، يوزع البضاعة المجانية، ويهدي عباد الله إلى الله، مثله كمثل السحاب، الذي يمشي وينزل الخير على من يريد وعلى من لا يريد، قد تقول: لا فائدة، ولكن ما يدريك يا أخي! ما يدريك، هل الفائدة بيدك؟ الفائدة عند الله، كلمة تقولها يجعل الله فيها فائدة، وأقل شيء أنك بلَّغت وبرَّأت ذمتك: ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف:١٦٤].
1 / 5