الحب في الله بين عباده المؤمنين
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحباب! تعالوا بنا لنعاهد الله من اليوم، ونعاهد رسول الله من الساعة أن نتحاب في الله، وأن ننسى المسميات، وأن ننبذ الأحقاد جانبًا، وأن يعانق بعضنا بعضًا، وأن نرجع إلى هذا الرباط القوي والمتين، هذا الرباط الذي ضيعناه؛ إنه رباط الحب في الله.
أيها الأحباب! اتركوا الخلافات والمسميات والأفكار على اختلافها، ولكن تعالوا بنا نتحد ونتفق ونجتمع ونعتصم، نضع أيدينا جميعًا في يد كل من يدعو إلى الله جل وعلا أيًا كانت جماعته، وأيًا كانت طريقته بشرط أنه يدعو من كتاب الله ومن سنة رسول الله ﷺ، طالما هذا هو منهجه وطريقه، فلا تختلفوا ولا تتحاقدوا ولا تتنابذوا، واجتمعوا واعتصموا، هيا بنا نجرب الحب في الله والبغض في الله، فمن أحب لله وأبغض لله، وترك لله، وأعطى لله ومنع لله، فهذا هو الذي قد استكمل الإيمان، كما قال سيد المؤمنين محمد ﷺ.
أيها الأحباب! اعلموا جميعًا أن الناس يختلفون، وأن الناس يتفرقون ويجتمعون، وأن الناس يتفاوتون في العقول والأذهان، ويتقاربون ويتنافرون، فلا يغرنكم الشيطان ولا يبذر بيننا بذور الفتن والأحقاد والأهواء.
والله الذي لا إله غيره، لقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ﵁ قال: دخل علينا أبو بكر الصديق يومًا وقد شمر عن ثيابه حتى ظهرت ركبته وهو يجري، فقال أبو بكر: (يا رسول الله! قال: ماذا تريد يا أبا بكر؟ قال: يا رسول الله! لقد كان بيني وبين أخي عمر بن الخطاب شيئًا -أي: شيئًا من الخلاف، وعدم اتحاد الرأي، وعدم الألفة في أمر من الأمور- فندمت على هذا الخلاف، وذهبت إلى عمر بن الخطاب، وسألته أن يغفر لي فأبى) لله درك يا صديق! أبو بكر الصديق يذهب لـ عمر، ويسأله أن يغفر له زلته وخطأه واختلافه معه في الرأي، يقول أبو بكر: فذهبت إليه يا رسول الله، وقلت له: يا عمر! لقد ندمت على ما بيننا، وأسألك أن تغفر لي، فأبى عمر، فحزن النبي ﷺ، وقال: (يغفر الله لك يا أبا بكر، يغفر الله لك يا أبا بكر، يغفر الله لك يا أبا بكر) ثلاث مرات، دعاء من النبي ﷺ فندم عمر بن الخطاب وجاء مسرعًا - هذا هو الحب! لا جفاء؛ لأن المؤمن الصادق لا يحقد أبدًا، ولا يبغض أخًا له في الله أبدًا، ولا يغتاب أخًا له في الله أبدًا، هذا هو المؤمن الصادق في إيمانه وفي حبه لله ولرسول الله ﷺ فندم عمر بن الخطاب، وذهب مسرعًا إلى أبي بكر في بيته فلم يجده، فجاء مسرعًا إلى رسول الله فوجد النبي وقد تغير وجهه ولونه، فقال: يا رسول الله! أما كنت قد ظلمت مرتين، سامحني يا رسول الله، فغضب النبي ﷺ وقال: (ويلكم يا عمر! لقد كذبتموني فصدقني أبو بكر، وواساني بنفسه وماله، فهلا تتركوا لي صاحبي؟!).
أبو بكر وعمر الصحابيان العظيمان الجليلان يختلفان، ولكن سرعان ما يعود الود، وترجع الألفة، ويرجع الحب! إن الحب في الله يزيل كل خلاف، إن الحب في الله يزيل كل بغض، إن الحب في الله يزيل كل حقد، فتعالوا بنا نجرب الحب في الله، نجرب التجمع والاعتصام والألفة والوحدة؛ لأن فيها النصر لديننا، والعز لكتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ.
فيا أيها الأحباب! يقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران:١٠٣]، فأتلفوا أيها الأحباب، ولا تتخالفوا وتتفرقوا، واعملوا بأن الطريق إلى الله واضح وبين، هو الكتاب وسنة النبي ﷺ: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي).
وأختم موضوعي بحديث العرباض بن سارية ﵁ الذي خرجه الإمام الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، قال ﵁: (وعظنا رسول الله ﷺ موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، حتى قلنا: كأنها موعظة مودع، فأوصنا يا رسول الله، فقال ﷺ: أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم من بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا -فرق وجماعات ومسميات ومناهج وأفكار ومبادئ وطواغيت! كل يدعو لمنهجه، وكل يدعو لمبدئه، وكل يدعو لفلسفته- فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
أسأل الله سبحانه أن ينجيني وإياكم من فتن الشيطان وأهوائه، وأن يثبتني وإياكم على طريق الرحمن، وعلى طريق النبي ﵊.
اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا المقام العظيم وفي هذا الجمع الطيب ذنبًا إلا غفرته، ولا مريضًا بيننا إلا شفيته، ولا دينًا على أحد منا في الدنيا ولا في الآخرة إلا أديته، ولا همًا إلا فرجته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، اللهم ثبتنا على طريق الإيمان، اللهم ثبتنا على طريق الرحمن، اللهم ثبتنا على طريق نبيك ﵊.
2 / 7