Lessons by Sheikh Muhammad Al-Mukhtar Al-Shanqiti

Muhammad Ibn Muhammad Al-Mukhtar Al-Shinqiti d. Unknown
110

Lessons by Sheikh Muhammad Al-Mukhtar Al-Shanqiti

دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي

Nau'ikan

غربة الأحكام والأخلاق والآداب ثم للمسلمين غربة في أخلاقهم، وآدابهم وأحكامهم، فأول غربة وقعت للمسلمين، غربة العقيدة، ثم بعدها غربة الأحكام، فتجد الإنسان يصلي كيف يشاء، ولربما تأتي تنصح الرجل فتقول له: يا أخي! ما هذا الفعل الذي تفعله في صلاتك؟! فيقول: ليس هذا من شأنك، دعني أصلي كيف أشاء، غربة الأحكام ابتدأت بالصلاة التي هي عماد الدين، فهو يخرج إلى المسجد متى شاء، ويحضر الجماعة إن شاء وإن لم يشأ لم يحضر. وكذلك أيضًا يُخل بطهوره وبغسله، وباستنجائه، وبغير ذلك مما أوجب الله ﷿ عليه أن يحفظه، وهي أمانة حمَّلها الله ﷿ العبد. ثم غربته في زكاته، فيحرمها الفقراء، والعجيب أنك قد تجده يزكي، ولكن يزكي كيف يشاء، لا كما أمر الله ﷿، فتجده يعطي الزكاة لمن هب ودب، فإذا قلت له: يا أخي! ما هذا الذي تفعل؟ قال لك: أفعل ما أشاء، هذا مالي، وأنا حرٌ فيه. وإذا قلت له: لا يجوز، ادفعها إلى الفقير أو إلى المسكين. يقول: لا، هذا مالي، وأفعل به ما أشاء. فأصبح في غربةٍ من أحكامه، في غربة من صيامه من حجه من معاملاته البيع والشراء الحلال: ما حل في يده، والحرام: ما لم يحل في تلك اليد يتبايع كيف يشاء إذا جئته في أي مسألة من الأحكام تقول له: افعل كذا، أو لا تفعل، أو العلماء يقولون: لا يجوز أو كذا. يقول: لا، افعل ما أشاء، ولا تحجِّر عليَّ واسعًا. إذًا المشكلة الرئيسية في قضايا المسلمين: الغربة؛ غربة العقيدة، وغربة الأحكام، وغربة الآداب. الإسلام فيه الآداب الكريمة، والأخلاق العظيمة، التي ملكت بها القلوب، ومن أعظمها وأجلها وأساسها، الأمانة، ابحث عن مؤمنٍ أمين، قلَّ أن تجد، أو مسلم أمين، قل أن تجد، حتى أخبر النبي ﷺ (أنه تقبض الأمانة من القلوب -نسأل الله السلامة والعافية- ولا يبقى إلا أثرها، كجمرٍ دحرجته على قدمك). فإذًا قبضت الأمانة من المسلمين -إلا من رحم الله- فتجده يدخل في وظيفته، يتساهل في ساعات العمل يتساهل في أخذ الرشوة يتساهل في أخذ حقوق الناس يؤخر هذا يعد هذا ويخلف ساعات العمل عنده للقيل والقال والزيارات، وكأن مكتب عمله بيته، أو مكانه، يفعل فيه ما يشاء، لماذا؟! غربة، لا يوجد دين يحكم المسلم في أخلاقه، وفي تعامله؛ ولذلك لما أخل المسلم بالأمانة، حقر حتى في عين عدوه، فترى المسلمين ضائعةً أماناتهم، مفرطين في حقوق الناس، لا يبالون بمشاعر الناس، قد يأتي الكبير الشائب الذي وصى النبي ﷺ باحترامه وإجلاله، فيأتيه ذاك المتسمي بالإسلام، لا يرحم شيبته، ولا يرحم ضعفه، فيرفع عليه صوته، ويجهل عليه في الكلام، ويعده الوعود الكاذبة، ويمنيه الأماني الباطلة، أين الدين؟! إذًا: لما آل حال المسلمين إلى هذا، أصبحت أمور المسلمين إلى وبال، وساء بهم الحال، ولا فرق بينهم وبين أعدائهم، بل إنك قد تجد بعض الأعداء في بعض الأمور، يفوقون المسلمين، فتجد بعض المسلمين يعامل الكفار، فتقول له: لماذا تعاملهم؟ يقول: هؤلاء إذا وعدوا وفَّوا، وإذا قالوا صدقوا. سبحان الله! نحن أحق بهذا منهم، أثر عن عمر بن الخطاب ﵁، أنه لما أتي بكنوز كسرى، ووضعت في مسجد النبي ﷺ، غطيت، حتى إن المسجد تلألأ من كثرة الكنوز والأموال: ذهب وجواهر ونفائس؛ تلألأ المسجد في شدة الظلام من كثرة الأموال، فلما دخل عمر إلى صلاة الفجر، ورأى ذلك، بكى، قالوا: يا أمير المؤمنين! ما يبكيك في يومٍ أعز الله فيه الإسلام والمسلمين؟ قال: [إن أناسًا أدوا هذا لأمناء]. كان الصحابي يسير على بعيره في الفلوات، معه كنوز كسرى، وهو في الفلاة يستطيع أن يسرقها، ويستطيع أن ينقص منها، أو أن يذهب بها يمينًا أو يسارًا، أو يدفنها في مكان، لكن يذكر قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَ﴾ [آل عمران:١٦١] فيخاف الله ﷿. إذًا كان الإسلام عقيدة، وحكمًا من ناحية الأحكام، وأدبًا من ناحية التعامل والتعاشر، والمسلم بهذه الثلاث الأمور: عقيدة، أحكام، آداب. فإذًا: لا ننظر إلى أي واقع للمسلمين أو مشاكل لهم إلا من خلال هذه الثلاثة الأمور: العقيدة، الأحكام، الآداب. وأي مجتمع نريد أن ننظر فيه، أو أي مجتمع نريد أن نقيمه، وهو يتسمى بالإسلام أيًا كان، في أي زمان أو في أي مكان، ينبغي أن ينظر إلى هذه الأسس الثلاثة، أين هو من عقيدته، وأحكامه، وآدابه؟ انظر إلى كثيرٍ من بلاد المسلمين، تدخل إلى بعض مساجده؛ فتجد المشاهد، وتجد القبور يُطاف بها كما يُطاف ببيت الله ﷿! ويستغاث بأصحابها كما يُستغاث بالله ﷿! ويستجار بهم كما يستجار بالله أو أشد من ذلك! فأين الإيمان؟! حتى إنك لو دخلت في بعض الأماكن تبكي على الإسلام بين أهله، وترثي للإسلام بين حزبه. فلذلك نحن بحاجة إلى إعادة النظر في عقائدنا، وتصفيتها وتخليصها لربنا ونقائها من الشوائب، وإعادة النظر في تعاملنا ومعاشرة بعضنا لبعض؛ البيع والشراء، الأخذ والعطاء، العبادات، المعاملات، نقيمها على كتاب الله، وسنة النبي ﷺ. الأمر الثالث: الآداب، نريد إسلامًا يظهر من خلال المسلمين، لا من خلال الكلمات ولا الندوات، ولا المحاضرات ولا الشعارات، ولا الرسائل ولا المجلات، نريد إسلامًا يظهر من خلال التعامل، خاصةً في البلاد التي يكون فيها أقليات مسلمة، يكون الإسلام معروفًا بأخلاق المسلمين، وليس برسائلهم ولا بمجلاتهم ولا بمقالاتهم، لكن بتعاملهم، فلذلك يحرص المسلم على أنه يتعامل بحذر، لكي يعطي الصورة السامية الزاكية التي تظهر الإسلام بصورته الحقيقية.

7 / 6