أحوال الناس مع الرزق
وآخر يغدو: ليهلك نفسه في البحث عن الرزق الحرام، فمطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، بيعه حرام، وماله كله حرام، إن تصدق من هذا المال لم يقبل منه، وإن خلَّفه وراء ظهره كان زادًا له إلى النار: ﴿إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يومًا﴾ ومع ذلك ولغ البعض من الناس، في الربا، واستحلوه وسموه بغير اسمه، وما علموا أن: ﴿الربا بضع وسبعون شعبة: أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه﴾ كما أخبر بذلك المصطفى ﷺ وأخبر: ﴿أن درهم ربا أشد من ست وثلاثين زنية﴾ والربا عمَّ وطمَّ، وسمي بغير اسمه، وتدول بين الناس، وما كأنَّا سمعنا قول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩] ومن ذا يحارب الله ورسوله؟! تداوله من أوبقوا أنفسهم، ولو لم يكن في التعامل بالربا إلا أنه لا ترفع لهذا العبد دعوة لكفى بذلك زاجرًا.
والآخر يغدو ليعتق نفسه، يبحث عن اللقمة الحلال- وهي نادرة- فمطعمه حلال، ومشربه حلال، وغذي بالحلال، ذاك يغدو ليهلك نفسه، وهذا يغدو ليعتق نفسه.
هاهو أبو بكر-﵁ يأتيه غلام بطعام فيأكل منه لقمة واحدة، ثم يسأله: من أين لك هذا الطعام؟ قال: من كهانة كنت قد تكهنتها في الجاهلية.
ثمن لكهانة! فما كان منه إلا أن وضع إصبعيه في فمه يريد أن يخرج ما أكل، وكادت تخرج روحه وما خرجت، فلاموه، فقال: والله! إن لم تخرج إلا وروحي معها لأخرجتها؛ لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ﴿أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به﴾.
وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.
9 / 18