Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Nau'ikan
تفسير قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ..)
السؤال
ما تأويل الآية الكريمة: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ﴾ [البقرة:١٠٢]؟
الجواب
لا شك أن الآية فيها خلاف عند علماء التفسير، لكن الذي ترجح لدي أنا شخصيًا بأن (ما) في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ [البقرة:١٠٢] ليست نافية، بل هي موصولة، أي: إن الله ﷿ أنزل الملكين ليعلموا الناس السحر، حيث كان السحر انتشر في ذلك الزمان، واختلط أمره ببعض المعجزات، التي كان يأتي بها بعض الأنبياء كمثل قصة السحرة مع موسى ﵊، حيث أراد فرعون على يدي السحرة أن يضلل الشعب عن دعوة موسى إلى الحق؛ لأن ما جاء به إنما هو السحر، ثم كما نعلم أن الله ﷿ قضى على عمل السحرة وأسلموا وآمنوا بالله رب العالمين، فكان علمهم بالسحر سببًا لهم ليميزوا بين ما كان خيالًا وسحرًا وبين ما كان حقيقة، ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الشعراء:٤٥] هذه حقيقة آمن بها السحرة قبل الناس كلهم؛ لأنهم يعرفون من علمهم بالسحر أنه تمويه وتضليل لا حقيقة له؛ لكنهم حينما فوجئوا بمعجزة موسى ﵇ ظهر لهم الفرق بين الحقيقة وبين السحر: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء:٤٧] .
فحكمة الله ﷿ اقتضت أن ينزل الملكان: هاروت وماروت؛ لكي يعلموا الناس السحر لا للسحر، وإنما ليتمكنوا به من تمييز السحر الذي كان يتخذه كثير من الدجالين يومئذٍ للتمويه على الناس واستعبادهم، كما جاء في قصة الغلام والساحر، ولعلكم تذكرون قصته، وخلاصتها ولابد من هذه الخلاصة: أن ملك ذلك الزمان الذي هو صاحب الأخدود المذكور في القرآن، كان يستغل ساحرًا لكي يستعبد الناس، ولما شعر الساحر أنه قد أسنَّ وشاب وكبر قال له: اختر لي غلامًا من الشعب حتى يكون عونًا لك من بعدي، لماذا؟ لكي يظل مستمرًا في استعباده للشعب بالسحر، هكذا كان الملوك في الزمن القديم يستغلون الناس بالسحر، فالله ﷿ أرسل الملكين ليعلما الناس كلهم، وليس كما فعل ساحر الملك ملك الأخدود حيث قال له: اختر لي غلامًا، لا يناسبه أن ينشر علم السحر بين الناس كلهم؛ لأنهم سيعلمون أن الملك يضلل عليهم بالسحر الذي هم عرفوه.
فاقتضت حكمة الله ﷿ أن يرسل الملكين ليعلموا الناس السحر؛ لكي يفرقوا بين السحر وبين المعجزة؛ ولأن السحر بلا شك أداة إفساد، قال في نفس سياق القصة: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة:١٠٢] فهم جاءوا بتعليم السحر لغاية، لكن هذا التعليم قد ينقلب إلى فتنة؛ فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، وما يفرقون به بين المرء وزوجه.
هذا الذي أراه في تفسير هذه الآية، والله أعلم.
7 / 18