26

Lessons by Sheikh Abi Ishaq Al-Huwaini

دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني

Nau'ikan

من علامات الساعة: ضياع أمانة الدين إن الأمانة اسم عام لكل تكليف كلفناه ربنا ﵎ أو الرسول ﵊ كما في قول الله ﷿: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب:٧٢] فالأمانة هي كلمة: لا إله إلا الله بتكاليفها، هذه هي التي أشفقت السماوات والأرض والجبال عن حملها وفي حديث حذيفة قال: عن النبي ﷺ قال: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال). الجذر الذي هو الأصل، أي: أن تعظيم حرمات الله ﷿ إنما يكون محله القلب، وهذا يصدقه قول ابن عمر وقول حذيفة أيضًا: (تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن) فهذا الإيمان هو الأمانة، وعادة لا ينشط الرجل إلى فعل ما أمره الله ﷿ إلا والإيمان رائده، فالذي يفرط في أوامر الله ﷿ خائن، إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، ليس المقصود بالأمانة أن يعطى رجل آخر مبلغًا من المال فيأكله لا، هذا لون من ألوان الخيانة، لكن أعظم الخيانة أن يخون الرجل ما أمره الله ﷿ بحفظه لاسيما العقد الأول الذي أنت وقعت عليه، ووقعه كل إنسان على وجه الأرض، فخانه أكثر الناس قال ﵎: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف:١٧٢] هذا هو التوقيع، شهدوا لله ﷿ بالوحدانية، أعظم الأمانة خيانة توحيدك، فكل البشرية جميعًا شهدوا على أنفسهم ووقعوا هذا العقد، قالوا: بلى شهدنا، فقال الله ﷿ لهم: ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف:١٧٢]، أي: إنما أشهدتكم حتى لا يقول قائل: إني غافل عن هذا. هل أحد منا يذكر هذه المراجعة؟ لا أحد على الإطلاق يذكر هذه المراجعة؛ لأن الله ﷿ إنما فعل ذلك ونحن في عالم الأرواح، كما في الحديث الصحيح الذي يفسر هذه الآية أن الله ﵎ مسح ظهر آدم فاستخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيام، ثم خاطبهم في عالم الأرواح -في عالم الغيب- جعل لهم أرواحًا وخاطبهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا، قال: ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف:١٧٢] فلما لم يذكر العباد هذا الميثاق أرسل الله ﷿ الرسل تذكر العباد بهذا الميثاق إذ جزاء العقاب والثواب إنما هو مرهون ببعثة الرسول. قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء:١٥] وأخطأ من زعم أن هذا الميثاق حجة على كل العباد، ولا يعذر بالجهل بسبب هذا، أن الكل أقر في عالم الغيب أن الله ﷿ هو ربهم لا. بل العذاب والثواب كله مرهون ببعثة الرسول ﵊، ثم بوصول البيان والبلاغ، قال ﵎: ﴿لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام:١٩] فمن بلغته النذارة انقطعت حجته، وانقطع عذره، أما إذا بعث الرسول ﵊ ومع ذلك لم يصل كلامه إلى إنسان معين، فهذا الرجل يعذر بجهله حتى تقوم عليه الحجة الرسالية التي يكفر تاركها فأجل الأمانة التوحيد لذلك حفاظك على توحيدك أمانة، وتفريط الإنسان في معرفة التوحيد خيانة لهذه الأمانة.

2 / 8