2
علي المضجع، وحار بي الفراش، فقمت إلى الشمعة فأشعلتها، وإلى لزوميات أبي العلاء ففتحتها، فوقع نظري فيها على قوله:
أيا دار الخسار ألا خلاص
فأذهب للجنوب أو الشمال
وظلم أن أحاول فيك ربحا
ولم أخرج إليك برأس مال
فاستشعرت نفسي الراحة، وسرى عني ما كنت أجده من الغم، ونشطت إلى القراءة، فما زلت أنهل من معان لم تخضها أعين القارئين، ولم يخلقها تداول الألسن، وأتروى من حكم فجر الله ينبوعها في جوف ذلك الحكيم حتى فصحني
3
النهار، فنمت ما شاءت العين، وانتبهت وقد بلغ ظل كل شيء مثليه، فأصلحت في شأني، وخرجت أطلب الموعد ونفسي إلى رؤية سطيح في شوق الأسير إلى الفكاك، وقد حضرني قوله: «فقل لصاحبك الذي يليك: هلم إلى سطيح.» فجعلت أقول: يا ترى، أي صاحب عنى، ولكن لعل الأسباب التي ساقتني إلى الاهتداء إليه تجمع بيني وبين ذلك الصاحب، فما زلت أواصل السير وأنا بمنزلة بين الريث والعجل، حتى بلغت مكان الأمس فإذا فيه إنسان أعرفه قد أطرق إطراق المتأمل، وسكن سكون الوقور ، فكرهت أن أقطع عليه تأملاته وقلت: لم يجلس هذا الرجل العظيم تلك الجلسة إلا وهو يريد الانفراد بنفسه، فلعله يفكر في خير لوطنه وسعادة لأبنائه، فجلست على كثب منه، وألقي في روعي أنه طلبة سطيح، ولبثت أنظر إليه ولبث ينظر في أمره حتى مرت بالنهر جارية عليها من الجواري الحسان ما يفتن اللب، ويملك القلب، وهن مبتذلات يخضن في اللهو، ويمرحن في اللعب، وبينهن رجال تستروح منهم روايح السلطة والجاه يتهادون رياحين المجون، ويتعاطون كئوس الراح ممزوجة برضاب أولئك الملاح، فرأيت صاحبي وقد رفع رأسه ومد عينيه، ثم تأوه آهة الرجل الحزين وقال يحدث نفسه بصوت تسمع فيه رنة الأسف: ألا يأتي أولئك الموكلون بالرد على أهل الصواب فينظروا ما صنع أهل النعيم في يوم شم النسيم، ويروا كيف ابتذلت فيه الخدور، ونفقت سوق الفحش والفجور! فلقد فعلوا تحت الحجاب ما ينكس له الأدب رأسه، ودعوناهم إلى غير ذلك فأبوا علينا الطلب، وأنكروا الدعوة، وقالوا: إن تربية النساء ما لا تحمد معه المغبة، وإن في اختلاطهن بالرجال ما يسوء معه المصير، وصاح يومئذ صائحهم أن في ذلك عقوقا لأوامر الدين، وانحرافا عن صراط السلف الصالح، ودعانا شاعرهم إلى اليأس من جدالهم في طلب إصلاح حالهم بقوله:
فلو خطرت في مصر حواء أمنا
Shafi da ba'a sani ba