فوصلنا إلى البستان قد أخذ زخرفه وتزين، وفاضت عيونه غيرةً من (حُسنِ) نازليه وتلون، تنساب جداول جوانبه كالأراقم، ويضفق النهر (طربًا) لرقص الغصون على غناء الحمائم، ويهب النسيم فينقطها من الظهر بدنانير ودراهم، قد تطاول فيه من البان كل قد مقصوف، وخجل فيه من الورد كل خد موصوف.
فأجلسنا النرجس على عينيه وأحداقه، وظللنا الغصن بستائر أوراقه، وحيانا منثوره الأبيض والأزرق بالأصابع، وفتح كفه الأصفر وهو منا غير أن فاقع، وجرى النهر بين أيدينا متواضعًا بسجوده، وشبب الشحرور بمنقاره لما تغنى الهزار على عوده، قد رق نسيمه وراق، وجذب الحمائم إلى الغناء بالأطواق،
وروى حديثًا تعطرت منه الربى والمسالك، وأهدى من خيام الحب ختام المسك، وفي ذلك:
أظنُّ نسيمَ الرّوض للزهر قد روى ... حديثًا فطابتْ من شذاه المسالكُ
وقال دنا فَصْل الرّبيع فكُلُّه ... ثُغُورٌ لما قال النَّسيم ضواحكُ
قد شاب ذلك الزهر قبل شبابه، وغناه الطير، فتساقط من طربه وإعجابه، وقر عليه النسيم بذيله البليل، فشب حتى عجبنا من حصول
1 / 9