بخلع قلبي عليك بأجمعه، إذ به جعلتني أهلًا لمن لم أكن
أهلًا لموقعه:
أهلًا بَمنْ لم أكُنْ أهلًا لموقِعِهِ ... قول الُمبشَّر بعد اليأس بالفرجِ
لكَ البشارةُ فاخلعْ ما عليكَ فقد ... ذُكِرْتَ ثُمَّ على ما فيكَ من عَوَجِ
هذا؛ وقد كنتُ أجتهد في إصلاح منزلي جهد الطاقة، ولم يصدني عن قصد البيت والقاعة عاقة، وهيأت جميع المشروب والمشموم، والظاهر والمكتوم، وحرصت على تحصيل الموجود والمعدوم.
فبينما نحن في تلك الحالة التي هي بالوعد هنية، والعيشة التي هي بالانتظار رضية، وإذا بجانب الروض قد أشرق بالأنوار، وتمايلت عجبا أغصان الأشجار، وغنت طربًا صوادح الأطيار، فرمقنا ننظر السبب الموجب لذلك، وما هذا العنبر الذي ضوع المسالك؟!
فإذا الحبيب قد صدق في الميعاد، وأقبل يتمايل بقده المياد، وبدا يرفل في حلل الملاحة، وشمس وجهه مشرقة في سماء الصباحة، والمحاسن تنشر في غلائله، والملاحة تقطر من شمائله.
فحين رأيته من بعيد وهو مقبل، قلت لدمع السرور: أهمل أيها الدمع، ولا تمهل:
بكيتُ وقد بدا لي من بعيد ... يلوح بوجنَتْيهِ الجُلَّنارُ
ففي خدَّيْه نارٌ وهي ماءٌ ... وفي عينيَّ ماءٌ وهي نارُ
فدفع إلي من الفرح دفعات، وصرت في الأحياء بعد أن كنت في الأموات، وعاد القلب في مستقره بعد القروح، وطاب الجسد وطار
1 / 52