338

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Mai Buga Littafi

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Bugun

الثانية

Shekarar Bugawa

1402 AH

Inda aka buga

دمشق

Nau'ikan
Hanbali
Dauloli
Osmanni
فَلَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ كَمَالَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالتَّوْفِيقُ فِي اللُّغَةِ التَّأْلِيفُ وَجَعْلُ الْأَشْيَاءِ مُتَوَافِقَةً، وَنَقَلَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعِصْمَةَ هِيَ التَّوْفِيقُ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ عَمَّتْ كَانَ تَوْفِيقًا عَامًّا، وَإِنْ خَصَّتْ كَانَ تَوْفِيقًا خَاصًّا، وَأَنَّ اللُّطْفَ هُوَ التَّوْفِيقُ أَيْضًا، وَأَنَّ الْمُوَفَّقَ لَا يَعْصِي، إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَمَا أَنَّ الْمَخْذُولَ لَا يُطِيعُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ أَنَّ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ إِرَادَةُ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ بِعَبْدِهِ مَا يُصْلِحُ الْعَبْدَ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - الْهَادِي، وَهُوَ الَّذِي بَصَّرَ عِبَادَهُ وَعَرَّفَهُمْ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى أَقَرُّوا بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَهَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي بَقَائِهِ وَدَوَامِ وُجُوبِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
تَنْبِيهٌ:
فُهِمَ مِنَ النَّظْمِ أَنَّ الْبَارِيَ - جَلَّ وَعَلَا - يُرِيدُ مِنَ الْعَبِيدِ مَا لَا يَرْضَاهُ وَلَا يُحِبُّهُ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ، وَالْمَشِيئَةَ مُتَرَادِفَتَانِ، وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ، وَالرِّضَا، وَالْمَحَبَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِهَا. وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ - تَعَالَى - إِرَادَةُ الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحِ، وَقَالُوا: يُرِيدُ مَا لَا يَقَعُ وَيَقَعُ مَا لَا يُرِيدُ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ - تَعَالَى - أَرَادَ مِنَ الْكَافِرِ الْإِيمَانَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ، لَا الْكُفْرَ وَإِنْ وَقَعَ، وَكَذَا أَرَادَ مِنَ الْفَاسِقِ الطَّاعَةَ لَا الْفِسْقَ، حَتَّى زَعَمُوا أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَقَعُ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَزَعَمُوا أَنَّ إِرَادَةَ الْقَبِيحِ قَبِيحَةٌ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنِ الْقَبَائِحِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - لَا يَقْبُحُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْنَا وَجْهُ حُسْنِهِ، وَتَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِهِ:
وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْعِبَادُ ... مِنْ طَاعَةٍ أَوْ ضِدَّهَا مُرَادُ
الْأَبْيَاتَ الْمَارَّةَ آنِفًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْخَيْرِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِهِ، فَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مُمْكِنٍ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧]- ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [الأعراف: ٢٨]، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] وَقَالَ - تَعَالَى -: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ [الإسراء: ١٦] فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِرَادَةَ الَّتِي نَعْنِيهَا هِيَ الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ، وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الدِّينِيَّةُ فَهِيَ تُرَادِفُ الرِّضَا، وَالْمَحَبَّةَ. وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي نَعْنِيهِ أَوْ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ - الْأَمْرُ الدِّينِيُّ. وَأَمَّا

1 / 338