232

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Mai Buga Littafi

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Lambar Fassara

الثانية

Shekarar Bugawa

1402 AH

Inda aka buga

دمشق

ذَلِكَ إِثْبَاتَ الصِّفَةِ، وَكَذَا: أَحَاطَ بِالْخَلْقِ بِعِلْمِهِ يَقْتَضِي إِحَاطَتَهُ بِصِفَةٍ هِيَ الْعِلْمُ، فَكَذَلِكَ هُنَا لَمَّا كَانَ ذِكْرُ التَّخْصِيصِ مُضَافًا إِلَى صِفَةٍ وَجَبَ إِثْبَاتُ تِلْكَ الصِّفَةِ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ لَا بِمَعْنَى الْعُضْوِ وَالْجَارِحَةِ، وَالْجِسْمِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَالْكَمِّيَّةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْبَغَوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (بِيَدِيَّ) فِي تَحْقِيقِ اللَّهِ تَعَالَى التَّثْنِيَةَ فِي الْيَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالنِّعْمَةِ، وَإِنَّهُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ «الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ»: بَابُ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ الْيَدَيْنِ صِفَتَيْنِ لَا مِنْ حَيْثُ الْجَارِحَةِ - فَذَكَرَ الْآيَاتِ ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: قَدْ تَكُونُ الْيَدُ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ كَقَوْلِهِ ﴿دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ﴾ [ص: ١٧] أَيْ ذَا الْقُوَّةِ، وَبِمَعْنَى الْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ وَالنِّعْمَةِ وَتَكُونُ صِلَةً أَيْ زَائِدَةً. ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَأَثْبَتَ أَنَّ الْيَدَيْنِ صِفَتَانِ تَعَلَّقَتَا بِخَلْقِ آدَمَ تَشْرِيفًا لَهُ دُونَ خَلْقِ إِبْلِيسَ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْمُبَاشِرِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمُمَاسَّةِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ التَّخْصِيصِ وَجْهٌ غَيْرُ مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥] انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: الْيَدُ صِفَةٌ وَرَدَ بِهَا الشَّرْعُ وَالَّذِي يَلُوحُ مِنْ مَعْنَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ مَعْنَى الْقُدْرَةِ، إِلَّا أَنَّهَا أَخَصُّ مِنْهَا، وَالْقُدْرَةُ أَعَمُّ كَالْمَحَبَّةِ مَعَ الْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ، فَإِنَّ فِي الْيَدِ تَشْرِيفًا لَازِمًا.
وَذَهَبَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدَيْنِ مَعْنَى النِّعْمَتَيْنِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدَيْنِ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْيَدَ يُعَبَّرُ بِهَا فِي اللُّغَةِ عَنِ الْقُدْرَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَقُمْتُ وَمَالِي فِي الْأُمُورِ يَدَانِ
وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: ٦٤] إِنَّمَا ثَنَّى الْيَدَ مُبَالَغَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ، وَنَفْيِ الْبُخْلِ عَنْهُ، وَإِثْبَاتًا لِغَايَةِ الْجُودِ، قَالُوا: فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَبْذُلُ السَّخِيُّ مِنْ مَالِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِيَدَيْهِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى مَنْحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالُوا: أَوِ الْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ بِاعْتِبَارِ نِعْمَةِ الدُّنْيَا وَنِعْمَةِ الْآخِرَةِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ قُوَّةِ الثَّوَابِ وَقُوَّةِ الْعِقَابِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنَ الْإِعْرَاضِ وَالِانْصِرَافِ وَالْعُدُولِ عَنِ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ، بَلِ الصَّوَابُ إِثْبَاتُ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، وَوَصَفَهُ بِهِ نَبِيُّهُ حَسْبَمَا وَرَدَ، مِنْ غَيْرِ إِلْحَادٍ وَلَا رَدٍّ، فَهُوَ إِثْبَاتُ وُجُودٍ بِلَا تَكْيِيفٍ كَمَا مَرَّ.

1 / 232