152

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Mai Buga Littafi

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Lambar Fassara

الثانية

Shekarar Bugawa

1402 AH

Inda aka buga

دمشق

عَلَى مَا يَفْعَلُهُ، فَالْخَالِقُ - تَعَالَى - أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَادِرًا قَوِيًّا عَلَى مَا يَفْعَلُهُ. وَمِنَ الْمُسْتَقِرِّ فِي الْفِطَرِ أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا فُرِضَ الْفَاعِلُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْفِعْلِ امْتَنَعَ كَوْنُهُ فَاعِلًا، وَلِهَذَا كَانَ مَنْ نَفَى أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ مُؤَثِّرَةٌ كَجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُمَا لَا يُسَمُّونَ الْعَبْدَ فَاعِلًا، بَلْ يَقُولُونَ هُوَ كَاسِبٌ، وَجَهْمٌ نَفْسُهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ بِقَادِرٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاعِلٍ. وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاعِلٍ حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ كَاسِبٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْمَقْدُورِ، وَمَذْهَبُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ قَادِرٌ، يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - إِذَا خَلَقَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً تَامَّةً وَمَشِيئَةً جَازِمَةً، كَانَ هَذَا مُسْتَلْزِمًا لِخَلْقِ الْمُرَادِ الْمَقْدُورِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: مَذْهَبُ السَّلَفِ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يُثْبِتُونَ الْقَدَرَ، يَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ قَادِرٌ مُخْتَارٌ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقُ فِعْلِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦]، فَإِذَا حَقَّقَ الْعَبْدُ هَذَا الْمَقَامَ زَالَتِ الْإِشْكَالَاتُ كُلُّهَا، وَيَظْهَرُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ (ذَلِكَ وَبَيْنَ) أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ قَادِرًا مُخْتَارًا مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ مُوجِبٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مَا شَاءَهُ مِنَ الْمَقْدُورَاتِ، فَمَا شَاءَهُ وَجَبَ وُجُودُهُ، وَمَا لَمْ يَشَأِ امْتَنَعَ وُجُودُهُ، فَهُوَ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْمَشِيئَةِ، وَكُلُّ مَا شَاءَ فَهُوَ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ قَدِيمٌ يَقْدُمُهُ، فَإِذَا عُلِمَ هَذَا وَانْضَمَّ إِلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ أَنَّهُ - تَعَالَى - يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ وَأَنَّهُ يَخْلُقُ بِحِكْمَةٍ، عُلِمَ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - قَادِرٌ مُخْتَارٌ. وَلِكَثْرَةِ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا وَكَثْرَةِ لَوَازِمِهَا قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الدُّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ: الْأَوْلَى فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلَبِ بَلْ سَائِرِ الْمَطَالِبِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ إِرْسَالُ الرَّسُولِ عَلَيْهَا أَنْ يُتَمَسَّكَ فِيهَا بِالدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ، فَيُسْتَدَلُّ عَلَى شُمُولِ الْقُدْرَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠]، وَعَلَى شُمُولِ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْدَادِ السَّبْعِ صِفَاتٍ الَّتِي يُثْبِتُهَا الْمُتَكَلِّمَةُ الصِّفَاتِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَا لَهَا مِنَ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ، فَقَالَ:

1 / 152