غرامه الأول وسفره إلى إيطاليا
ما كاد الشاعر يبلغ العشرين من عمره، حتى تعرف إلى فتاة جذابة تدعى هنرييت بوميه، ولدت في أول نوار عام 1790، فكان عمرها يزيد ستة أشهر عن عمر لامرتين، وكانت تجيد الرقص إجادة تامة؛ إذ إن أمها كانت تود أن تهيئها لتكون «أرتيست» في الأوبرا.
قال لامرتين يتكلم عنها في المذكرات التي كتبها بعد خمسين سنة على ذلك العهد: «إن قامتها النحيفة، ومشيتها الرشيقة، وجمال ذراعيها، وتناسق أعضائها، وسكبة قدميها، ولطافة جيدها، وابتسامتها الجذابة، كانت كلها تدل على أنها ستكون نموذجا للراقصة العصرية.» أجل، ونموذجا لعروس الشعر العاطفي أيضا؛ إذ إن جمالها المفكر الجذاب كان يحمل خيالا من الحزن والألم.
وفي مساء أحد الأيام، بعد أن رقص لامرتين مع هنرييت بوميه، وسمعها تعزف على «البيانة» سقط في شرك غرامها وآلى على نفسه أن يتزوجها، إلا أن ثمة عراقيل كانت تحول بينه وبين تحقيق هذه الرغبة؛ فلامرتين الفارغ الجيب، الذي لا مركز له، لم يكن يستطيع أن يجعل فتاة فقيرة لزاما في عنقه، فهام على وجهه تائها في الحقول مع كلبه، باكيا مع الشعراء أوسيان ويونغ وشكسبير! وما عتم الأمر أن أطلع أهله على رغبته في طلب يد هنرييت، فثار ثائر والده وعمه، ووقفا عثرة في وجهه. عند هذا غضب لامرتين الفتى، وصحت عزيمته على الانخراط في سلك الجندية «فإما أن يقتل، وإما أن يحصل على رتبة عالية تضمن حياته وحياة زوجته.» زوجته؟ هكذا كان الشاعر يدعو الآنسة بوميه؛ لأنه كان يعتقد أن لا قوة في العالم تستطيع أن تفصله عنها.
لا قوة في العالم؟ هذا وهم محض ... فلم يمر شهران حتى عدل لامرتين عن عزمه، وراح يفكر في سفرة إلى إيطاليا، في سفرة طويلة تنسيه هنرييت بوميه.
وصل لامرتين إلى روما في أول تشرين الثاني ليلا، ونزل ضيفا على أحد أقربائه هناك، ولكن الوحدة ما لبثت أن أصبحت ثقلا عليه، فجنح إلى نوادي القمار. وفي الثاني والعشرين من كانون الثاني 1812 كتب إلى صديقه فيريو يقول: «لم أكن أملك فلسا، لو لم أربح أمس أربعين غرشا، ولكن سأخسرها هذا المساء. لعنة الله على كل شيء!»
ولم تمض مدة قصيرة حتى قدم إليه صديقه فيريو؛ ذلك الصديق الذي بقي وفيا له حتى يومه الأخير.
أإلى هذا العهد ترجع هذه القصة التي خلدها لامرتين في روايته «غرازييللا»؟ إذا شئنا أن نصدقه، فنرى أنه صرف أياما عديدة في كوخ أحد الصيادين في جزيرة بروسيدا حيث علقت به فتاة بريئة طاهرة تدعى غرازييللا، ورفضت من أجله أن تتزوج من الصياد بيبو، الذي كان قد خطبها من والديها، ونرى أيضا أن رحيله من الجزيرة أوقع الفتاة في يأس عظيم، فماتت بعد أيام بداء التلاشي والانحلال.
ولكن يغلب على الظن أن غرازييللا هذه فتاة خيالية، تصورتها مخيلة الشاعر في السنة 1830، وذكرها في«مطارحاته» في العام 1849.
العودة إلى باريس وإلى عرائس الشعر
Shafi da ba'a sani ba