لامرتين في فلورانسا
في العام 1825 عين لامرتين كاتم أسرار السفارة الفرنسية في فلورانسا. على أن الطليان لم يكونوا راضين عن الشاعر؛ لأنه كان قد قارن في قصيدته «شيلد هارولد» بين إيطاليا الحاضرة وبين إيطاليا الماضية، ورأى الإيطاليون في هذه المقارنة إهانة لإيطاليا الحالية، فسخطوا عليه وأضمروا له كرها شديدا، وصور لهم أن توظيف لامرتين في بلادهم إنما هو إهانة لهم وللقضية الوطنية معا، فراحوا يشيحون عنه بوجوههم وينبذونه في المجتمعات والنوادي، ويسخرون منه في الصحف والمجلات.
ومما جاء في إحدى المقالات التي وجهت إليه في الصحف: «إن ناظم «شيلد هارولد»، النشيد السخيف، رجل فارغ صورت له مخيلته العقيمة أن ينال الشهرة الكاذبة عن طريق الطعن والقدح.»
ولكن هذه الحملات ما لبثت أن هدأت عقيب مبارزة جرت بين الشاعر وأحد الضباط الإيطاليين، أصيب فيها الأول بجرح في ذراعه، وبقي لامرتين ثلاث سنوات في إيطاليا، كان في نهايتها قد بدأ يحلم بجولة في الشرق وبوضعه يده على زمام السياسة.
على أن إقامته بإيطاليا وأشغاله السياسية لم تنسه الإصغاء إلى البلبل المنشد في صدره؛ فقد نظم في تلك السنوات الثلاث جملة قصائد حملها معه إلى فرنسا لينشرها فيما بعد في ديوان يسميه: «الإيقاعات الشعرية». ولم يكد يرجع إلى فرنسا حتى شعر بميله إلى الأدب يملكه من جميع أقطاره. قال: «إن قلبي طافح شعرا، وبودي أن أترك كل شيء وأتبع روحي، ولكن لا أعلم أي سبيل أسلك لأصل إلى هذه الغاية التي أنشدها؛ على أن خيال دنتي يتراءى لي ويؤنبني، ففي نفسي سفاح شعر يمتص دمي.»
1
لامرتين ينتخب عضوا في المجمع العلمي
في أواخر شهر حزيران من العام 1829 حضر لامرتين، في منتدى مدام ريكاميه، قراءة «موسى»، وهي الرواية التمثيلية الشعرية التي وضعها الكاتب الكبير شاتوبريان. وكان شاتوبريان في ذلك الحين في أوج مجده الأدبي، وأعظم كاتب في أوروبا؛ فراح الشاعر يعمل لتمكين الصداقة بينه وبين شاتوبريان توصلا إلى كرسي في المجمع العلمي.
وما هي أن تم له ما أراد؛ ففي الخامس من شهر تشرين الثاني انتخب لامرتين خلفا للكونت دارو بتسعة عشر صوتا، مقابل أربعة عشر صوتا نالها الكونت فيليب ده سيغور، مؤلف تاريخ حملة روسيا ومرافق نابوليون في موقعة 1812.
على أن وفاة والدته أوقعته في قنوط شديد، وأفقدته يوما بعد يوم معتقداته السياسية والدينية معا؛ إذ إنها كانت الصلة الوحيدة بينه وبين النظام الملكي.
Shafi da ba'a sani ba