وذهبت إلى البيت وأدركت أنني إذا حاولت النوم فإن النوم سيستعصي علي، فأمسكت بالقلم وكتبت ما معناه في ظل الحرية التي أتاحها لنا أنور السادات سننسى ما فات ونحاول أن نقيم ما تحطم من نفوسنا.
وكان مقررا أن يسافر الصحفيون مع الرئيس السادات إلى السعودية، وسافرت فطالعني في السعودية أمر لم أكن أتصور أنني ملاقيه، فقد تعرفت في الطائرة بالدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام حينذاك. وحين وصلت إلى الفندق لم تمض إلا بعض الساعة وحدثني في التليفون من يبلغني أن وزير الإعلام في انتظاري على الغداء، وقد دعا معي الأستاذ أحمد زين وذهبنا، وهناك التقيت لأول مرة بعالم الدعوة الإسلامي العالمي فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وفرحت بلقائه كل الفرح، وكنت قد شهدته يخطب جموع الحجاج في البيت الحرام، وكانت الدمعات تتقاطر من عيني ومن عيني زوجتي ونحن نستمع إلى خطابه وقلت له هذا فإذا هو يقول في خفة ظل لا تتأتى إلا له: أي خطبة يا مولانا. سمع علي سمع.
وإذا هو يلقي علينا مقالتي «في أي شيء صدق؟» من الذاكرة فقد حفظها عن ظهر قلب، ولا أحد يتصور ما داخلني من شعور في هذه اللحظات فما تصورت أن أسمع كلامي محفوظا من أحد مطلقا، فما بالك وحافظه هذه الظاهرة التاريخية في العالم الإسلامي.
وقال الشيخ الجليل: لقد قرأتها ثم ظللت أنظر إليها فما رفعت عنها عيني إلا وقد حفظتها جميعا.
وكان في رفقة الرئيس واحد من أنسباء الرئيس السابق، وحاول أن يقوم ببعض السخافات في خفية عني طبعا، ولم يحاول أن يواجهني فتجاهلت أمره، وكأنه شيء غير موجود، وقد كان كذلك بالنسبة لي فعلا.
وعدنا إلى القاهرة وكان من المقرر أن يحدث تغيير عام في الوزارة وفي الصحف على السواء في نفس الوقت الذي كنا نستعد فيه للسفر في رحلة إلى أوروبا مع الرئيس، وظهر التأليف الوزاري الجديد فعلا وخرج يوسف السباعي من الوزارة وجاء مكانه جمال العطيفي وبدأت التغييرات في الصحافة، وكان رئيس الوزراء الرجل المهذب الإنسان ممدوح سالم.
وبينما كنت في مكتبي بالمجلة طلبني رئيس الوزراء وحدد لي موعدا للقائه يخيل إلي فيما أذكر أنه كان في نفس اليوم.
ولا أنسى الجزع الذي بدا على أسرة المجلة، الأمر الذي أسعدني ولم أتصور أن يتغير مكاني بعد أن طلب مني الرئيس أن أكتب مقالة أخرى، ولكنني على كل حال لم أكن مهتما، وذهبت إلى مكتب رئيس الوزراء فوجدت معه الأستاذ إحسان عبد القدوس الذي كان إلى هذه اللحظة رئيسا لمجلس إدارة الأهرام فانتظرت، وقليلا ما أنتظر ودخلت إلى ممدوح بك وكان رقيقا إلى درجة أنه لم يجلس إلى مكتبه وإنما جلس إلى الأريكة وجلست بجانبه، وقال لي دون مقدمات: الرئيس يريد أن تكون كاتبا في الأهرام؟
ودون ريث تفكير قلت: قوي. - عظيم، إذن لا تخبر أحدا واستمر في عملك حتى يصدر القرار . - والسفر إلى ألمانيا؟ - إذا لم يصدر القرار قبل السفر رافق الرئيس.
وودعني الرجل في أدب جم.
Shafi da ba'a sani ba