134

Labarun Rayuwar Ibn Taymiyya

لمحات من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية

ولا ريب أن الجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب ولهذا يحاسبون إذا قطعوا الصراط على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.

ومعلوم أن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه، لا يصلح أن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين، فإذا عذبوا بالنار عذابا تخلص نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ والدرن، كان ذلك من حكمة أحكم الحاكمين ورحمته ولا ينافي الحكمة خلق نفوس فيها شر يزول بالبلاء الطويل والنار، كما يزول بها خبث الذهب والفضة والحديد فهذا معقول في الحكمة وهو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة.

أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدا وعذابها لا انتهاء له، فلا يظهر في الحكمة والرحمة، وفي وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء أعني ذواتا، هي شر من كل وجه ليس فيها شيء من خير أصلا.

وعلى تقدير دخوله في الوجود، فالرب تبارك وتعالى قادر على قلب الأعيان وإحالتها وإحالة صفاتها.

فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس والحكمة المطلوبة من تعذيبها، فالله سبحانه قادر أن ينشئها نشأة أخرى غير تلك النشأة، ويرحمها في النشأة الثانية نوعا آخر من الرحمة.

الوجه التاسع عشر: وهو أنه قد ثبت أن الله سبحانه ينشيء للجنة خلقا آخر، يسكنهم إياها، ولم يعملوا خيرا تكون الجنة جزاء لهم عليه، فإذا أخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه وبلغت العقوبة مبلغها فانكسرت تلك النفوس وخضعت وذلت واعترفت لربها وفاطرها بالحمد، وأنه عدل فيها كل العدل، وأنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه ولو شاء أن يكون عذابهم أشد من ذلك لفعل.

Shafi 137