رأيته قد نهض واقفا في توتر، فغادرت مقعدي مدهوشا، وقد تسارعت دقات قلبي، وتبعته إلى الخارج، فولج الحمام قائلا: «أرجوك ألا تتحرك من هنا حتى أنتهي.»
ترك الباب مفتوحا بحيث أظل في مجال بصره، واستقر على الحلقة البلاستيكية بعد أن جذب سرواله إلى أسفل. أعطيته ظهري، ووقفت أتأمل الكتب المصفوفة في الممر، وكنت قد اشتريت أغلبها أثناء التحضير لمقابلتي الأولى مع اللجنة، ورتبتها حسب موضوعاتها، فخصصت جانبا للدراسات الاقتصادية والسياسية، تضمن بعض الأبحاث النادرة عن المصالح الأجنبية في الوطن العربي، ودراسة متميزة عن العسكرية في بلدان العالم الثالث. وقد احتوت الدراسة الأخيرة على فصل شيق عن جذور السادية الواضحة في سلوك قادة هذا العالم، يمكن أن يلقي ضوءا على تعطش الزعماء العرب للدماء.
وأفردت ركنا لأهم الأعمال الأدبية الجادة على مر الزمن، ضم كثيرا من الأسماء؛ ابتداء من شكسبير وبوشكين وسيرفانتيس، حتى جارسيا ماركيز ونجيب محفوظ.
وفي مكان بارز جمعت كل ما يتعلق بسير بعض الشخصيات العالمية، التي وضعت بأفكارها وممارساتها وتضحياتها المثل العامة للمسعى الإنساني؛ مثل النبي محمد، وأبي ذر الغفاري، وأبي سعيد الجنابي، وابن رشد، والمعري، وكارل ماركس، وفرويد، ولينين، وجمال الدين الأفغاني، وطه حسين، ومدام كوري، وألبرت شفايتزر، وفوتشيك، وهو شي منه، وكاسترو، وجيفارا، ولومومبا، وبن بركة، وبن بلا، وفرج الله الحلو، وشهدي عطية، وجمال عبد الناصر.
استغرقت في تأمل هذه الأسماء حتى تنبهت على صوت معدني حاد، فالتفت خلفي برغمي لأراه واقفا في وضع غريب؛ إذ تجمع بنطلونه عند قدميه، وتعرى سائر جسده، بينما انحنى ليلتقط مسدسا ضخما أسود اللون استقر على الأرض.
رفع المسدس في حركة سريعة وأودعه بين فخذيه، ثم جذب بنطلونه إلى أعلى وهو يختلس نظرة في اتجاهي، لكني حولت وجهي عنه في اللحظة المناسبة.
أدركت - وقلبي يخفق بشدة - سر الانبعاج الذي لاحظته من قبل بين فخذيه؛ ومعنى هذا أني لم أكن أحلم عندما تخيلت في الفجر اصطدام جسم صلب بفخذي. وأوشكت أن أبتسم عندما رأيت أني - من خوفي - قد عكست الآية الفرويدية المعروفة، التي يعد فيها المسدس رمزا لعضو الذكورة.
وما إن زال أثر الجانب الفكه من الأمر حتى عاودني الإحساس بالخطر، ولازمني هذا الإحساس ونحن نعود إلى الحجرة ونأخذ مكانينا المتواجهين.
وخطر لي فجأة ما جعلني أحبس أنفاسي.
ماذا لو رفضت؟
Shafi da ba'a sani ba