كان لون السماء في عيني غريبا، وكان طعم الخبز والجبن في فمي بعيدا كل البعد عن طعمها الذي عرفته، وكانت وجوه الناس وهم يمرون أمامي تبدو كوجوه العرائس المتحركة، حتى الهواء الذي كنت أشعر به يدخل صدري في صعوبة، كان غريبا في رائحته وكثافته.
ونظرت إلى يدي وهي تمسك بقطعة الخبز، فأحسست أنها غريبة عني أيضا في شكلها وحركاتها، وأصابعي تلتف حول الخبز رفيعة نحيلة كأنها أصابع دمية ليست فيها دماء، وليست فيها حياة.
كل شيء حولي يبدو كأنه ينتهي، أو انتهى منذ لحظات، وأحسست بمرارة الفناء في حلقي، ووقعت قطعة الخبز من يدي، ورأيت كلبا أسود يجري إليها، ويمسكها بأسنانه، وينظر إلي، ولا أدري ماذا كان في عينيه؛ دموع؟ جوع؟ ألم؟ وحدة؟ ... أم كل هذا؟
وفتحت فمي في دهشة، كأنني أعثر في هذا العالم، الذي رأيته منذ لحظة ينتهي، على قطعة من الحياة، أية قطعة وأية حياة، عثرت على عيني كلب أجرب فيهما شقاء، وفيهما جوع، وأشياء أخرى كثيرة تعبر عن الحرمان والألم، عن شيء تفصح، تقول، تنطق في ذلك العالم الأبكم، الميت.
واقتربت من الكلب أربت على رأسه وظهره، وأحس الكلب بالحنان، فبدت في عينيه الدهشة كأنما لم يربت أحد على ظهره أبدا، ثم انكمش واستكان تحت يدي كطفل يتيم ضائع. •••
وأحسست بدموع ساخنة تنحدر على وجهي، ونظر إلي بإشفاق، وترك قطعة الخبز تقع من بين أسنانه، وأخذ يتمسح بي كأنه يقول لي: لا تبكي؛ إنني معك!
ودهشت وقلت لنفسي: تلك كلمات لم يقلها الرجل الذي اسمه زوجي.
وابتسمت للكلب في امتنان، وربت على ظهره، وتركته ومشيت أفكر ... هل أعود إلى البيت؟ لا، مستحيل، سأموت هنا على قارعة الطريق ولا أذهب إلى البيت.
وغامت عيناي قليلا ورأيت زوجي جالسا في حجرة الطعام لابسا المنامة الجديدة التي اشتريتها له بدلا من أن أشتري لنفسي حذاء بدل حذائي القديم الوحيد ... منامة حريرية بيضاء.
وسمعت صوته يقول لي: من قال لك ذلك؟
Shafi da ba'a sani ba