قالت: إنه لا يفهم سوى أنها امرأة، ولا بد أنها أمضت ساعات الليل هذه مع رجل.
وسادت فترة صمت طويلة، وتخيلت عينيه السوداوين الحمراوين تنظران إليها من تحت العمامة البيضاء الكبيرة نظرة شك وريبة، وتظل هاتان العينان تصوبان لها مثل هذه النظرة كل صبح وكل ظهر وكل عصر، كلما تخرج وتدخل من باب العمارة. وكأنما أحس بما يراودها، فقال لها: حسنا، حين تدخلين الليلة وينظر إليك نظرة الشك، قولي له إنك كنت مع خطيبك، وإنك ستتزوجين بعد أيام.
ورن صوتها في سكون الليل غاضبة: أتتصور أني أقف أمام ذلك البواب بعد منتصف الليل لأبرر له تأخري، وأشرح تفاصيل حياتي الخاصة كأنما هو ولي أمري؟ أليس هذا شيئا مهينا لي؟
قال: أنا مستعد أن أقول له أنا ذلك لو أردت.
قالت: إن ذلك أشد مهانة لي ولك؛ إنه البواب وليس المأذون.
قال في حيرة: ما هو الحل إذن؟ هل أسبقك إليه وأطلق عليه الرصاص قبل وصولك؟
وضحك ضحكة مرحة صافية، كأنما ليس هناك معضلة ليس لها حل في نظرها سوى أن يموت عم عثمان فعلا قبل أن تصل إلى باب العمارة، ولكنه يموت قضاء وقدرا، وليس قتيلا.
وأخذت تفكر في الأمراض التي يمكن أن تداهم الإنسان وتقضي عليه في الحال. ولم تكن تعرف شيئا عن الطب والأمراض، ولكنها سمعت عن أناس يموتون بالسكتة القلبية في ثوان، وقالت لنفسها: آه لو كانت تصيبه السكتة القلبية الآن، فيرقد ويغمض عينيه الحادتين الناريتين كفوهات البنادق.
ولكن صورة أطفاله الثلاثة ارتسمت في خيالها وهم جالسون إلى جواره على الدكة الخشبية يحملقون في الداخل والخارج بعيون بريئة جائعة مسكينة.
لا، إنها ليست بهذه القسوة. لا داعي للسكتة القلبية القاتلة، لماذا لا تمرض عيناه فيربطهما بأربطة ثقيلة من الشاش فلا يرى بهما أحدا؟ ولكن كيف تمرض عيناه بتلك السرعة؟ لقد رأته وهي خارجة من العمارة منذ ساعات قليلة ينظر كالصقر هنا وهناك وعيناه تقدحان شررا.
Shafi da ba'a sani ba