Waƙar 'Yanci da Shuru
لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين
Nau'ikan
هذا شعر يظل - إن جاز التعبير - فوق الأرض أو تحتها، إنه يعيش في طبقاتها، وينبض مع كل كائن يتنفس أو لا يتنفس فيها، غير أن هذه النظرة الكونية ستختفي بالتدريج من قصيدة الطبيعة، وبخاصة عند «فيلهلم ليمان»، الذي يمكن أن نقول: إنه يعيش على الأرض بعينين مفتوحتين تدركانها وتستوعبانها، وسيزداد هذا عند غيره من الشعراء فيتسع الأفق، وتنطلق المغامرة محلقة في الفضاء، ويمعن الشاعر في التخلي عن ذاته، ويكثر من الحديث غير المباشر، برموزه وعلاماته وإشاراته الهامسة، التي توشك أن تصبح نوعا من الكتابة الهيروغليفية عند «جنتر آيش»
Gunther Eich ، الذي سنتحدث عنه بشيء من التفصيل.
حدث إذن نوع من التطور بعد «ليركه»، وارتفعت أصوات المواهب الجديدة فدفعته إلى منطقة الظل، وانتهى الانبهار السحري بالطبيعة النباتية والحيوانية، ليحل محله الإغراق في التفاصيل الجزئية والواقعية - حذر الإغراق في الكلمات «الشعرية» والعواطف الذاتية! أصبح الشاعر هو «حافظ الواقع» و«مدير التفاصيل»، وأصبح الشعر تصويرا لأعراس المادة وأفراحها ... وراح «ليمان» يدعو إلى هذا الشعر المعني بالتفاصيل الموضوعية والواقعية، ويبين أنه هو طريق الخلاص من أعباء الفردية وأمراض الذاتية، ويؤكد على سبيل المثال في إحدى محاضراته أن «سلسلة صغيرة من العلامات يمكنها أن تتحكم في قوة امتصاص بعض التفاصيل الدقيقة، لكي تعي ظواهر أخرى متعددة الأبعاد والمستويات، هذا الاقتصاد والإيجاز في القصيدة الناجحة هو دليل العمق والنظام.»
16
ورؤية «ليمان» للشعر والحياة قريبة من رؤية «ليركه» صديق عمره، وقد عبر عن هذه الرؤية بتعبير أخذه عن جوته وهو «النظام المتحرك» أو «النظام المرن»
Bewegliche Ordung ، وليس هذا النظام شيئا محددا، ولا هو شيء يثبت الظواهر أو يقيدها، وإنما يشير إلى قانونها الباطن الذي يتجلى في علاقتها المتبادلة مع غيرها من الظواهر، والشاعر يعكس هذا النظام المرن في مجال مشابه هو مجال اللغة، فلو تصورنا سربا من البط البري يطير على هيئة شكل مخروطي، فلن يكون هذا شكلا مجردا منعزلا عما حوله، وإنما يتحدد بمقاومة الهواء، وحركة الأجنحة التي تجدف في الرياح، وتجانس اتجاه الطيران، هذه الصورة المعبرة عن النظام المتحرك المرن الذي يسري على كل الظواهر الطبيعية تستدعي صورا أخرى شبيهة بها، من حركة السفينة في البحر إلى زحف الجيش في ميدان الحرب، وهي كذلك شبيهة بالنظام الذي يتجلى في اللغة والصور والاستعارات، وما على الشاعر إلا أن يحاكي ذلك النظام الطبيعي محاكاة أمينة، ويعكسه في قصيدته التي ينبغي بدورها أن تكون نظاما نابضا بالمرونة والحياة ...
ويتجلى التوافق الأمثل بين مرونة الظواهر الطبيعية ومرونة اللغة في الأسطورة والحكاية الخرافية (أو الحدوتة!)، فليست هذه صورا تعكس نظاما ثابتا جامدا، بل تعبر عن نظام يتحرك ويتغير ويتحقق باستمرار، والقصيدة فيما يرى ليمان تعكس الأسطورة كما تعكس القطرة البحر، ولكنها لا تكتفي بهذا، وإنما تسعى على الدوام إلى التكامل والكمال، ولما كانت حركتها تتم في مجال اللغة، فإن العلاقات تدق وترهف، والروابط تشف وتلطف، ونقاط التماس تتباعد وتخف.
17
تخلص الشاعر إذن أو حاول على الأقل أن يتخلص من نفسه ومن الشعر بمفهومه التقليدي، ولكنه كتم أنفاسه بيديه، وطرد نفسه بنفسه من القصيدة، وتضخمت قائمة التفصيلات فاختنقت القصيدة في غابة الألفاظ الخضراء ... لننظر في شيء من شعر ليمان لنرى فرحة الحواس ونشوة القرب من الأشياء، ومعظم قصائده لا يقدر على فهمها أو نقلها إلى عالم في النبات، أو ضليع في مصطلحاته وفنونه، ولما كنت لا أدعي شيئا من هذا، فقد تخيرت لك قصيدتين من شعره، لم تكونا في حاجة إلى علم لا أملكه أو معاجم متخصصة لا تقع تحت يدي! إليك أولا قصيدته «فرحة القمر»:
الغسق يقرب مطلع القمر،
Shafi da ba'a sani ba