قال الرجل: حديثه غريب يا مولاي، ولكن لا يهمك، فدعني أذهب لأحضر لك الإكليل.
قال حماس: بل أنا أحب سماعه، وربما همني ذلك، فلا تذهب حتى تحدثني إياه.
قال الرجل: أعلم يا مولاي أنني قدمت مصر من سنتين تاركا امرأتي وولدي هذا - وأشار لصبيه - في ساموس، يتعيشان بها من بيع الآثار، كما أفعل أنا في هذه الديار، حتى إذا اطمأن بي المقام في ساييس، وسكنت إلى طول المعيشة فيها، بعثت إليهما أستقدمهما، فقدما بعد أن أشرفا على الهلاك غرقا، وكانت نجاتهما على اللوح الميمون، وحديث ذلك أن امرأتي مشت ذات مرة على ميدان الهيكل في ساموس، فوجدت في طريقها لوحا من الخشب فحملته، وعادت به إلى المنزل، لتجعله حطبا لنار الطبخ، قالت فلما هممت بكسره أحسست كأن يدي تخونني، ثم حاولت ذلك مرارا فلم تطاوعني يدي عليه، فتأملت اللوح فوجدته صالحا لنوم ابني، وكان يومئذ في شدة المرض ففرشته له، فوجد الراحة والعافية عليه.
قال التاجر: ثم أخذ الرزق يتيسر لامرأتي أسبابه والحياة يتسهل محياها، حتى استبشرت باللوح فعظم ظنها به، واشتد حرصها عليه، حتى إذا استقدمتها حملته معها في السفينة التي ركبت فيها للمجيء إلى مصر، فقدر أن السفينة غرقت فهلك جميع من فيها إلا امرأتي وابني، وكانت نجاتهما باللوح وعليه، هذا يا مولاي حديث اللوح، ولا تسل عما شمل أمري من اليمن منذ وجوده في بيتي، فإن الناس يقبلون علي أعظم إقبال، والرزق يأتيني فيربي علي الآمال.
قال حماس: وهل تمكنني من رؤية هذا اللوح؟
قال الرجل: ولم لا يا مولاي؟
قال حماس: إذن فائذن لي أن أذهب معك لأراه.
قال الرجل: على الرحب والسعة، فاتبعني يا مولاي.
فسار التاجر وحماس يتبعه حتى بلغا المنزل، وكان في نهاية الشارع الذي فيه الدكان فدخلاه، وهنالك طلب الرجل من امرأته اللوح ليريه القائد ، فأحضرته فتأمله حماس فعرفه من أول وهلة، فأخذه متلهفا وما زال يضمه ويقبله وعيناه تفيضان من الدمع، حتى رثى الزوجان لحاله، فسأله الرجل عن السبب ملحا فالتفت حماس إليه وقال: هل تبيعني هذا اللوح أيها السيد؟
قال التاجر: لا أبيعه ولو أعطيت فيه خزائن الأرض.
Shafi da ba'a sani ba