تمهيد
المكاتبات الرسمية بين صاحب العظمة السلطان والوكالة البريطانية
الموكب السلطاني
الدعاء لسلطان المصريون في المساجد المصرية
تغيير الألقاب والرتب
كلام الملوك ملوك الكلام
سياسة السلطان وأمياله
المبرات السلطانية
السلطان في المعاهد العلمية
بر السلطان بوالدته
التهانئ السلطانية
تمهيد
المكاتبات الرسمية بين صاحب العظمة السلطان والوكالة البريطانية
الموكب السلطاني
الدعاء لسلطان المصريون في المساجد المصرية
تغيير الألقاب والرتب
كلام الملوك ملوك الكلام
سياسة السلطان وأمياله
المبرات السلطانية
السلطان في المعاهد العلمية
بر السلطان بوالدته
التهانئ السلطانية
اللآلئ السنية في التهاني السلطانية
اللآلئ السنية في التهاني السلطانية
تأليف
سليم قبعين
صاحب العظمة والجلال
السلطان الكامل حسين بن إسماعيل سلطان مصر والسودان
181 122 128 52 212 150 330 158
سنة 1333 هجرية.
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ قائل الخبر، وحافظ الأثر، بل هو أعدل شاهد، وأصدق راو. يروي لأهالي الأجيال القادمة ما حدث قبلهم من الحوادث العظام والعبر الجسام.
حدث في ختام عام 1914 في مصر حادث عظيم دخلت على أثره في دور حياة جديدة، فقد أشرقت عليها أنوار السعادة وفاضت عليها أنهر الصفاء وتوطدت دعائم السلام ورفلت بحلل الفخار. وهذا الحادث المجيد هو انتقال مصر من خديوية إلى سلطنة وتولية سمو البرنس حسين كامل سلطانا عليها.
للعلم على مصر وأهلها في هذه النهضة الحاضرة حق كبير يجب عليها أداؤه بالشكر للعلم وبالمواظبة على خدمة العلم؛ ذلك لأن العلم هو الذي كونها وجمع أجزاء قواها بعضها إلى بعض، حتى أصبحت جسما متحدا وأصبح لبنيها مقام محمود بين الأمم الراقية، وهذا العلم هو نفسه أيضا مدين لصاحب العظمة مولانا السلطان الكامل: هبات وافرات دائما وأبدا للعلم يفيض بها الندى عن غيره ووطنية على إنشاء وتعضيد معاهد علمية وتنشيط الكتاب وتشجيع المؤلفين، فعظمة مولانا السلطان يضع بيده في كل يوم حجرا في بناء استقلال البلاد من ربقة الجهل وفي سبيل تشييد صرح مجدها وسعادتها.
عظمة مولانا السلطان يعمل بروية وحكمة ولكنه يعمل مشتغلا حبا في بلاده وغيرة عليها، وقد رأينا من آثار عظمته الغراء وباكورة أفعاله الزهراء ما جعلنا نتوقع للبلاد خيرا أكيدا، بل جعلنا واثقين بأن مناهل حسناته وحكمته وينابيع مبراته ورويته ستفيض على البلاد والعباد بأنهار السعادة وتقودها إلى قمة المجد والكمال، وقد أدركت الأمة الفرق بين ما كانت عليه وما أصبحت فيه، وغدت تنشد متفاخرة بسلطانها.
لنا والد لو كان للناس مثله
أب آخر أغناهم بالمناقب
فما جلس عظمته على أريكة السلطنة المصرية حتى عمت الأفراح جميع أنحاء البلاد من شمال الدلتا حتى أقاصي الصعيد، وتجاوزتها إلى أرجاء السودان، وفاضت قرائح الشعراء بالقصائد الرنانة يهنئون مصر بسلطانها ويهنئون سلطانها بسلطنته ورعيته.
وقد رأيت تذكارا لهذا الانقلاب المجيد واليوم السعيد، أن أضع كتابا أضمنه ترجمة صاحب العظمة والجلال مولانا السلطان الأعظم قبل ارتقائه عرش السلطنة، ثم أجمع في هذا الكتاب ما سبق هذا الانقلاب من المكاتبات الرسمية وأقوال السلطان المأثورة وحكمه المنثورة ومبراته العظيمة التي أذكرتنا عهد الرشيد والمأمون، ثم قصائد الشعراء وفيها كثير مما لم يظهر على صفحات الصحف؛ ليكون هذا الكتاب أثرا خالدا وتاريخا مجيدا للأجيال القادمة وحلية نفيسة تزدان بها المكاتب العامة والخاصة، وخزانة أدب يستخرج منها طلاب العلم كنوز الحكمة ونفيس الكلام.
وإني أسأل المولى المتعال ذا العزة والجلال أن يطيل بقاء عظمة مولانا السلطان الكامل حسين الأول لينفع هذه الأمة ويسير بها في مراقي الكمال، فقد عاهد ربه ورعيته أن يجعل خير الوطن كعبة آماله وغاية أفعاله.
أدام الله عظمته غرة في جبين الدهر وجوهرة ساطعة في تاج المحامد والفخر آمين.
العبد الخاضع الأمين
سليم قبعين
خلاصة تاريخية عن صاحب الدولة الأمير حسين كامل باشا
بقلم أحمد زكي باشا
هو ثاني أنجال أبي الفدا وأبي الأشبال الخديو إسماعيل.
كان مولده بالقاهرة في (19 صفر سنة 1270 للهجرة/20 نوفمبر سنة 1853)، فلما بلغ السابعة من عمره شرع في تلقي العلوم واللغات بالمدارس المصرية التي أنشأها بالقاهرة جده الأعلى محمد علي الكبير، ثم قصد الأمير مدينة باريس لإتمام دروسه بها، وفي أثناء وجوده بهذه المدينة كان نازلا في قصر الإمبراطور نابليون الثالث حيث كان رفيقا في اللعب والدرس لولي عهد الإمبراطورية الفرنسية، وحينما عاد إلى القطر المصري عينه والده الجليل مفتشا عاما لأقاليم الوجه البحري والوجه القبلي، وكان مركزه الرسمي في مدينة طنطا. فتمكن الأمير وهو قائم بأعباء هذه الوظيفة من درس أخلاق الناس والتمرن على الأعمال، وحينئذ رأى أبوه الأفخم في 22 جمادي الثانية سنة 1289 / 26 أغسطس 1872 أن مصلحة البلاد تقضي بتقليده منصب نظارة المعارف العمومية والأوقاف.
1
ومنصب نظارة الأشغال العمومية.
ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن النظار في ذلك العهد كانوا مرتبطين بالمعية السنية مباشرة، بل يشخص ولي الأمر دون أن يكون بينهم أي تضامن ما، وأن الخديو كان قائما بشؤون الملك والحكم بنفسه في آن واحد. نعم، إنه كان يستعين في بعض الظروف بالمجلس المخصوص أو الخصوصي، فيحضره النظار وبعض كبار الموظفين القائمين بإدارة المصالح الأميرية الكبرى ونفر من ذوي الحيثيات الذين كانوا يحضرون الجلسات بصفة وزراء بلا مساند. أما مجلس النظار بشكله الحالي فلم يتكون إلا منذ سنة 1878 ميلادية.
وقد امتاز عهد دولة الأمير حسين كامل باشا في النظارات الثلاث السابق ذكرها بحركة نافعة ونشاط مفيد، ومما يدل على معرفته بأقدار الرجال أنه كلما سنحت الفرصة يذكر بالخير رجلين من أفاضل المصريين كان قد اختارهما لمعاونته بصفة مستشارين له: وهما شيخ المعارف المصرية المرحوم علي مبارك باشا في نظارة المعارف العمومية، وبقية المعمارين الوطنيين المرحوم حسين باشا المعمار في نظارة الأوقاف.
نعم إن دولته لم يمض في نظارة المعارف إلا مدة قصيرة جدا (11 شهرا و20 يوما)، ومع ذلك فقد كانت له اليد الطولى في توسيع نطاق التعليم العام في طول البلاد وعرضها. وامتاز عصره بما أوجده بنفسه من وسائل الترغيب والتشويق، فهو الذي أسس الجوائز المدرسية لمكافأة التلاميذ الذين يحرزون قصب السبق على أقرانهم، وقد أدت هذه الوسائل إلى رفع مستوى التعليم إلى درجة محسوسة. ومما يؤسف عليه أن هذه الجوائز قد ألغيت منذ سنة 1887 في المدارس الأميرية.
فلما تخلى دولة الأمير في 21 جمادى الثانية سنة 1290 / 14 أغسطس سنة 1873 عن نظارتي المعارف والأوقاف، تقلد أمرهما صديقه المرحوم رياض باشا الكبير، وبقي دولة الأمير في نظارة الأشغال العمومية، وأضيفت إليه نظارة الداخلية أيضا، ولكنه لم يمكث فيها سوى ثلاثة شهور.
وقد أدى دولته أثناء تقلده نظارة الأشغال العمومية أجل الخدم للبلاد وأبدى في ذلك همة مشكورة لا تزال آثارها باقية إلى الآن، وكانت هذه النظارة في ذياك العهد تشتمل على المصالح التابعة لها في أيامنا هذه وعلى مصلحة الليمانات والفنارات أيضا.
فمن مآثره أثناء وجوده بهذه النظارة إنشاؤه لترعة الإسماعيلية التي تدفقت بالمياه بل بالنضار، ونشرت البركة واليسار على ضفتيها في اليمين وفي اليسار، وبدلت البراري والقفار بجنات يانعة الثمار، وأحيت مدينتين من العدم وهما مدينة الإسماعيلية ومدينة السويس فأصبحتا بفضله ترفلان في حلل الثروة والعمار.
ومن مآثره المأثورة، وأياديه المشكورة، أنه كان في أثناء الفيضان يواصل الليل بالنهار لملافاة كل خطر يحدث من طغيان النيل، بل إنه أقام في قصره مكتبا خاصا للتلغراف ليكون على الدوام محيطا بكل ما يتجدد من حوادث الفيضان في الليل وفي النهار، ولكي يصدر ما تدعو إليه الحالة من الأوامر والتعليمات إلى رجال الإدارة وإلى القائمين بشؤون الري من المهندسين والعمال.
وهذه مدينة القاهرة له عليها الفضل الأكبر في وقايتها من غوائل الفيضان، فقد طوقها بالجسور التي تحميها إلى الآن من مياه النيل، وقد أمر بإنشائها في تلك السنة المهولة (سنة 1291 للهجرة/سنة 1874م) حيث بلغ فيها مقياس النيل بجزيرة الروضة إلى 26 ذراعا ونصف ذراع. وقد غمرت المياه أراضي مصر القديمة وأراضي القصر العيني والقصر العالي، ولولا تيقظ دولة الأمير وسهره المستديم لكانت العاصمة بأكملها وجزء عظيم مما يليها من الأراضي الزراعية عبارة عن بطيحة فسيحة الأرجاء مترامية الأطراف.
ولا أذكر سوى كلمتين عن وجود الأمير الجليل على رأس نظارة الحربية التي كانت معروفة في ذلك الحين بنظارة الجهادية، فقد تقلد شؤون هذه النظارة في أواخر ذلك العام مضافة إلى منصبه السامي في نظارة الأشغال.
في ذلك العصر كان السودان المصري وسلطنة دارفور تابعين لنظارة الجهادية المصرية من حيث الإدارة الملكية والعسكرية ، وقد كتب الله لشبل أبي الفدا إسماعيل الجليل شرفا ليس بعده من شرف وسعادة لا تدانيها سعادة، فهو الذي تم في عهده توسيع نطاق الحدود المصرية من الجهة الجنوبية توسيعا لم يحلم به الفراعنة ولا من أتى بعدهم من الملوك والسلاطين الذين تعاقبوا على وادي النيل، فقد افتتح القائد المصري رؤوف باشا بلاد هرر، بل توغلت جنود مصر حتى وصلت بفتوحاتها إلى رأس الأسير المعروف في كتب الجغرافية الإفرنجية باسم رأس غاردفوي على المحيط الهندي، واستمرت في تقدمها جنوبا حتى رفعت أعلامنا الوطنية على خط الاستواء، ولم تصل مصر في عصر من الاعصار إلى مثل هذا التوسع في الفتح والاستعمار.
على أن هذه الهمة العالية لم تقف بالأمير الجليل عند هذا الحد البعيد، بل عادت إلى الشمال وتخطت البحار فظهرت آثار الأمير في مساعدة الدولة العثمانية مرتين: أولا بإرسال نجدة من جنود مصر إلى بلاد البوسنه والهرسك عند حدوث الفتنة فيها سنة 1877، وثانيا بإرسال التجريدة المؤلفة من 25000 جندي مصري تحت رئاسة أخيه القائد العام المغفور له الأمير حسن باشا لمساعدة الجيوش التركية في محاربة الروسيا في السنة المذكورة.
هذا وإن شغف الأمير حسين باشا بتعميم التعليم بين جميع طبقات الأمة المصرية قد حدا به على تأسيس مدارس الأطفال العسكرية بالقاهرة والإسكندرية - وقد تلقى كاتب هذه السطور مبادئ العلوم في المعهد الذي كان موجودا بجهة رأس التين بمدينة الإسكندرية.
وقد أنشأت نظارة الجهادية بناء على أمره تلك السكة الحديدية التي تربط حلوان الحمامات بالعاصمة، وكانت محطتها الأولى في ميدان محمد علي تحت القلعة. وكان افتتاح هذا الخط البالغ طوله 32 كيلو مترا في (شهر محرم سنة 1294/شهر يناير سنة 1877) بحضور ناظر الجهادية صاحب الدولة الأمير حسين كامل باشا.
وفي 26 ربيع الأول سنة 1292 / 2 مايو سنة 1875 ألقيت إلى دولة الأمير مقاليد نظارة البحرية علاوة على منصبه السامي في كل من نظارتي الجهادية والأشغال العمومية.
فلما كان 24 شوال سنة 1293 / 10 نوفمبر 1876 تولى دولته نظارة المالية بدلا من إسماعيل صديق باشا الذي غضب عليه أمير البلاد، وقد وافته منيته بعد أيام قليلة، وتخلى الأمير حسين باشا عن نظارة الأشغال العمومية إلى أخيه الأمير إبراهيم باشا، وعن نظارة الجهادية إلى أخيه الأمير حسن باشا. ولكن الأمير حسن باشا لم يمكث في منصبه سوى مدة قليلة؛ فإنه ذهب بعد ذلك على رأس الحملة التي أعدها خديو مصر لإمداد الجيوش التركية في الحرب الروسية. فلذلك عاد الأمير حسين كامل باشا وتقلد نظارة الجهادية في سنة 1294/سنة 1877 مع بقائه ناظرا للمالية.
وفي شهر أغسطس من السنة التالية كان تشكيل مجلس النظار على نظامه الحالي، ومن ذلك الوقت لم يدخل أحد من الأمراء في عداد أعضائه.
وفي شهر ذي القعدة سنة 1292/ديسمبر سنة 1875 أتم الله نعمته على الأمير فرزق ببكر أنجاله وهو دولة الأمير كمال الدين الذي ذهب فيما بعد إلى مدينة ويانة لتلقي المعارف بمدرسة التريزيانوم الشهيرة.
وفي 7 ربيع الأول سنة 1307 / 31 أكتوبر سنة 1889 وصل إلى الإسماعيلية لزيارة القطر المصري البرنس «دوغال ولي عهد الدولة البريطانية»، وهو الذي جلس فيما بعد على عرشها باسم «إدوارد السابع»، فعهد الخديو توفيق إلى أخيه الأمير حسين باشا بمرافقة الضيف الجليل يصفه مهمندار عال، فقام دولته بهذه المهمة الدقيقة خير قيام. وفي العام التالي حضر إلى مصر ولي عهد الروسيا «وهو الغراندوق نقولا الذي هو الآن القيصر نقولا الثاني إمبراطور الروسيا»، فلم ير الخديو توفيق باشا غير أخيه الأمير حسين ليكون خير رفيق لهذا الزائر الكريم.
هذا وأما اهتمام دولة الأمير حسين بالشؤون الزراعية فحدث عن البحر ولا حرج، كيف لا وقد كان سعيه المتواصل لخير المزارعين سببا في إطلاق أحب الألقاب إليه، وأعني به ما هو معروف به عند الخاص والعام من أنه «أبو الفلاح»، وبفضل اهتمامه قد استطاعت الجمعية الزراعية الخديوية أن تقوم بالخدم الجليلة التي أدتها للبلاد، ومن يوم تأسيسها في سنة 1898 إلى هذه الساعة لا يزال الأمير متوليا زمامها، وقائما بشؤونها بما هو معهود في شخصه المحبوب من الهمة والاقتدار.
ولدولة الأمير الفضل الأكبر بل الوحيد تقريبا في إنشاء المدرسة الصناعية بمدينة دمنهور، ذلك أن دولته بصفته من أكبر أصحاب الأطيان في مديرية البحيرة رأى من الضروري أن يعمل على إفادة هذه المديرية التي تنتج من الصناعة، فألف في هذه المديرية لجنة تحت رئاسته لجمع الاكتتابات العمومية من أهاليها دون سواهم من أبناء الأقاليم الأخرى، وجرى العمل على هذه القاعدة بدون إخلال سوى الشرف الذي ناله كاتب هذه السطور، فإنه حظي بدفع معونة جزئية لهذا العمل النافع. ولعمري ما قيمة هذه المعونة الطفيفة التي لا تذكر في جانب ما جاد به دولته على ذلك المعهد العامر الذي ينطق لسان الحال بأفصح بيان أنه نفحة من نفحاته، وأنه من ضمن آثار حسناته، ومأثور مبراته.
ولقد تولى دولته من يناير سنة 1909 إلى مارس سنة 1910 رئاسة الجمعية العمومية ومجلس شورى القوانين، فكان لهاتين الهيئتين في عهده من الرونق والبهاء والجلالة والكرامة ما لم يكن لهما به عهد من ذي قبل.
وخاتمة المقال وتاج هذه الفعال أن الأمير الخطير قد وقف حياته على كل أنواع البر وجميع صنوف الخير، فقد تنازل - حفظه الله - وتقبل رئاسة الجمعية الخيرية الإسلامية منذ 28 محرم سنة 1324 / 23 مارس سنة 1906 إلى هذه الساعة، فلم يقتصر على إمدادها بنفوذه العالي وبسط جناح عنايته عليها بل صرف في ترقية شؤونها كثيرا من ماله ومن وقته الثمين، فكان لها من غرر أياديه ما جعلها في الحالة التي وصلت إليها مما تقر له العيون وتبتهج به النفوس.
وحينما تضعضعت أحوال جمعية الإسعاف توجهت إليه الأنظار، فتداركها بهمته الفائقة من الأخطار التي كانت محدقة بها ملبيا داعي الشفقة والحنان، فما لبثت الجمعية إلا قليلا حتى عاودتها الحياة، ورجعت إليها نضرة الشباب، فانتعشت بفضله بعد الخمول، واستأنفت خدمتها لجميع البؤساء الذين يتحدثون بكرة وأصيلا بآثار هذه المكارم ويرتلون الدعوات الصالحات ترتيلا ببقاء رب هذه المراحم.
تحريرا بالقاهرة في 20 محرم سنة 1333 / 8 ديسمبر سنة 1914.
هوامش
المكاتبات الرسمية بين صاحب العظمة السلطان والوكالة البريطانية
صاحب العظمة السلطان بملابسه العادية
في 18 ديسمبر عام 1914 جرى في مصر حادث تاريخي هام، هو سقوط الخديوية وتجديد عهد السلطنة ، ذلك العهد المجيد الذي كان لها على عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وبذلك سقطت السيادة التركية عن مصر وأصبحت تحت حماية بريطانيا العظمى، تلك الدولة التي اشتهرت من أقدم الأزمان بنشر العلوم والمعارف في مستعمراتها والبلاد التابعة لها والعمل على ترقية أهلها ماديا وأدبيا، وتدريجهم وتمرينهم على حكم أنفسهم بأنفسهم، الأمر الذي جلب لها الفخر وسجل لها حسن الذكر، وجعل رعاياها والمستظلين بحمايتها يتعلقون بحبها ويقدمون نفوسهم وأموالهم فدية لها وفي سبيل نصرتها، وليس أسطع دليل على ذلك من قيام أهالي المستعمرات والبلاد التابعة لإنكلترا على نصرتها في هذه الحرب الطاحنة التي دخلتها إنكلترا دفاعا عن الحق وانتصارا للضعفاء، وخير دليل أستشهد به على صحة ما ذكرت قول صاحب العظمة مولانا السلطان الأعظم في أمره الكريم الصادر لعطوفة حسين رشدي باشا رئيس الوزارة المصرية، فقد جاء فيه ما يأتي:
ونحن على ثقة بأننا في سبيل تحقيق هذا المنهاج سنجد لدى حكومة صاحب الجلالة البريطانية خير انعطاف في تأييدنا، وإننا لموقنون أن تحديد مركز الحكومة البريطانية في مصر تحديدا واضحا بما يترتب عليه من إزالة كل سبب لسوء التفاهم يكون من شأنه تسهيل تعاون جميع العناصر السياسية بالقطر لتوجيه مساعيها معا إلى غاية واحدة.
كانت مصر في عهد السيادة التركية الصورية لا تعرف لها طريقا قويما يوصلها إلى ما تبتغيه من التدرج في سبيل الرقي؛ لأنه كان أمامها ثلاثة أبواب مفتوحة: باب المعية الخديوية وباب الوكالة البريطانية وباب الحكومة المصرية، فكانت تحوم حول هذه الأبواب وتطرقها حسب الظروف الداعية إليها، والحق يقال فإنها كانت تائهة ضالة بين جميع هذه الأبواب، فلما بسطت إنكلترا حمايتها على مصر قفلت تلك الأبواب وأصبح أمام الأمة باب واحد تطرقه فيفتح لها لتدخل إلى معهد العلم والرقي والتقدم فلا تضل سواء السبيل، ولا يبقى للوساوس والأوهام محلا، وطالما جرت الأوهام على الأمم الضلال في الأعمال والاضطراب في الشؤون الإدارية والسياسية، فمصر اليوم دخلت في عصر جديد كله خير وبركة وأصبح أهلها أحرارا خالصين من كل قيد ضار.
وإذا تدبرنا أقوال مولانا صاحب العظمة السلطان الكامل حسين الأول الذي جلس على عرش سلطنة مصر ووقفنا على تاريخ حياته المملوء بجلائل الأعمال ووعينا جميع مآثره المأثورة وأفعاله المشكورة ومساعيه المبرورة، وثقنا بأن عظمته سيبذل جهده لتوفير أسباب سعادة أهالي مصر والسير بهم في مدارج الفلاح ومعارج النجاح.
لسلطاننا المولى الحسين فضائل
أتانا بما لم تستطعه الأوائل
فمن وجهه نور العدالة ساطع
ومن كفه خير الرعية سائل
وإنني أنشر هنا المكاتبات والبلاغات الرسمية التي نشرت في البلاد، ودارت بين عظمة سلطان مصر والوكالة البريطانية وهي:
إعلان الحماية
يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التي سببها عمل تركيا، قد وضعت بلاد مصر تحت حماية جلالته وأصبحت من الآن فصاعدا من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية. وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر وستتخذ حكومة جلالته كل التدابير اللازمة للدفاع عن مصر وحماية أهلها ومصالحها.
القاهرة في 18 ديسمبر سنة 1914
وفي اليوم التالي لصدور هذا البلاغ أصدرت نظارة حكومة بريطانيا الخارجية بلاغا آخر بشأن تنصيب سمو الأمير حسين كامل باشا سلطانا على مصر وهذا نصه:
يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمي باشا خديو مصر السابق على الانضمام لأعداء الملك، قد رأت حكومة جلالته خلعه عن منصب الخديوية، وقد عرض هذا المنصب السامي مع لقب سلطان مصر على سمو الأمير حسين كامل باشا أكبر الأمراء الموجودين من سلالة محمد علي فقبله.
القاهرة في 19 ديسمبر سنة 1914
التبليغ الوارد إلى الحضرة السلطانية من قبل الحكومة البريطانية
يا صاحب السمو:
كلفني جناب ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أن أخبر سموكم بالظروف التي سببت نشوب الحرب بين جلالته وبين سلطان تركيا، وبما نتج عن هذه الحرب من التغيير في مركز مصر.
كان في الوزارة العثمانية حزبان أحدهما معتدل لم يبرح عن باله ما كانت بريطانيا العظمى تبذله من العطف والمساعدة لكل مجهود نحو الإصلاح في تركيا، ومقتنع بأن الحرب التي دخل فيها جلالته لا تمس مصالح تركيا في شيء، ومرتاح لما صرح به جلالته وحلفاؤه من أن هذه الحرب لن تكون وسيلة للإضرار بتلك المصالح لا في مصر ولا في سواها. وأما الحزب الآخر فشرذمة جنديين أفاقين لا ضمير لهم، أرادوا إثارة حرب عدوانية بالاتفاق مع أعداء جلالته معللين أنفسهم أنهم بذلك يتلافون ما جروه على بلادهم من المصائب المالية والاقتصادية. أما جلالته وحلفاؤه فمع انتهاك حرمة حقوقهم قد ظلوا إلى آخر لحظة وهم يأملون أن تتغلب النصائح الرشيدة على هذا الحزب، لذلك امتنعوا عن مقابلة العدوان بمثله حتى أرغموا على ذلك بسبب اجتياز عصابات مسلحة للحدود المصرية ومهاجمة الأسطول التركي بقيادة ضباط المانيين ثغورا روسية غير محصنة.
ولدى حكومة جلالة الملك أدلة وافرة على أن سمو عباس حلمي باشا خديو مصر السابق قد انضم انضماما قطعيا إلى أعداء جلالته منذ أول نشوب الحرب مع ألمانيا، وبذلك تكون الحقوق التي كانت لسلطان تركيا وللخديوي السابق على بلاد مصر قد سقطت عنهما وآلت إلى جلالته.
ولما كان قد سبق لحكومة جلالته أنها أعلنت بلسان قائد جيوش جلالته في بلاد مصر أنها أخذت على عاتقها وحدها مسئولية الدفاع عن القطر المصري في الحرب الحاضرة، فقد أصبح من الضروري الآن وضع شكل للحكومة التي ستحكم البلاد بعد تحريرها، كما ذكر من حقوق السيادة وجميع الحقوق الأخرى التي كانت تدعيها الحكومة العثمانية.
فحكومة جلالة الملك تعتبر وديعة تحت يدها لسكان القطر المصري جميع الحقوق التي آلت إليها بالصفة المذكورة، وكذلك جميع الحقوق التي استعملتها في البلاد مدة سني الإصلاح الثلاثين الماضية. ولذا رأت حكومة جلالته أن أفضل وسيلة لقيام بريطانيا العظمى بالمسؤولية التي عليها نحو مصر أن تعلن الحماية البريطانية إعلانا صريحا، وأن تكون حكومة البلاد تحت هذه الحماية بيد أمير من أمراء العائلة الخديوية طبقا لنظام وراثي يقرر فيما بعد.
بناء عليه قد كلفتني حكومة جلالة الملك أن أبلغ سموكم أنه بالنظر لسن سموكم وخبرتكم قد رؤي في سموكم أكبر الأمراء من سلالة محمد علي أهلية لتقليد منصب الخديوية مع لقب «سلطان مصر»، وإنني مكلف بأن أؤكد لسموكم صراحة عند عرضي على سموكم قبول عبء هذا المنصب أن بريطانيا العظمى أخذت على عاتقها وحدها كل المسؤولية في دفع أي تعد على الأراضي التي تحت حكم سموكم مهما كان مصدره، وقد فوضت إلى حكومة جلالته أن أصرح بأنه بعد إعلان الحماية البريطانية يكون لجميع الرعايا المصريين أينما كانوا الحق في أن يكونوا مشمولين بحماية حكومة جلالة الملك.
وبزوال السيادة العثمانية تزول أيضا القيود التي كانت موضوعة بمقتضى الفرمانات العثمانية لعدد جيش سموكم، وللحق الذي لسموكم في الإنعام بالرتب والنياشين.
أما فيما يختص بالعلاقات الخارجية، فترى حكومة جلالته أن المسئولية الحديثة التي أخذتها بريطانيا العظمى على نفسها تستدعي أن تكون المخابرات منذ الآن بين حكومة سموكم وبين وكلاء الدول الأجنبية بواسطة وكيل جلالته في مصر.
وقد سبق لحكومة جلالته أنها صرحت مرارا بأن المعاهدات الدولية المعروفة بالامتيازات الأجنبية المقيدة بها حكومة سموكم لم تعد ملائمة لتقدم البلاد، ولكن من رأي حكومة جلالته أن يؤجل النظر في تعديل هذه المعاهدات إلى ما بعد انتهاء الحرب.
وفيما يختص بإدارة البلاد الداخلية علي أن أذكر سموكم أن حكومة جلالته طبقا لتقاليد السياسة البريطانية قد دأبت على الجد بالاتحاد مع حكومة البلاد وبواسطتها في ضمان الحرية الشخصية، وترقية التعليم ونشره، وإنماء مصادر ثروة البلاد الطبيعية، والتدرج في إشراك المحكومين في الحكم بمقدار ما تسمح به حالة الأمة من الرقي السياسي. وفي عزم حكومة جلالته المحافظة على هذه التقاليد، بل أنها موقنة بأن تحديد مركز بريطانيا العظمى في هذه البلاد تحديدا صريحا يؤدي إلى سرعة التقدم في سبيل الحكم الذاتي.
وستحترم عقائد المصريين الدينية احتراما تاما كما تحترم الآن عقائد نفس رعايا جلالته على اختلاف مذاهبهم. ولا أرى لزوما لأن أؤكد لسموكم أن تحرير حكومة جلالته لمصر من ربقة أولئك الذين اغتصبوا السلطة السياسية في الأستانة لم يكن ناتجا عن أي عداء للخلافة، فإن تاريخ مصر السابق يدل في الواقع على أن إخلاص المسلمين المصريين للخلافة لا علاقة له البتة بالروابط السياسية التي بين مصر والأستانة، وأن تأييد الهيئات النظامية الإسلامية في مصر والسير بها في سبيل التقدم هو بالطبع من الأمور التي تهتم بها حكومة جلالة الملك مزيد الاهتمام، وستلقى من جانب سموكم عناية خاصة، ولسموكم أن تعتمدوا في إجراء ما يلزم لذلك من الإصلاحات على كل انعطاف، وتأييد من جانب الحكومة البريطانية. وعلي أن أزيد على ما تقدم أن حكومة جلالة الملك تعول بكل اطمئنان على إخلاص المصريين ورويتهم واعتدالهم في تسهيل المهمة الموكولة إلى قائد جيوش جلالته المكلف بحفظ الأمن في داخل البلاد، ويمنع كل عون للعدو، وإني أنتهز هذه الفرصة فأقدم لسموكم أجل تعظيماتي.
تحريرا في 19 ديسمبر سنة 1914.
ملن شيتهام
الأمر الكريم السلطاني
الصادر لصاحب العطوفة حسين رشدي باشا بتاريخ 2 صفر سنة 1333 / 19 ديسمبر سنة 1914.
عزيزي رشدي باشا:
إن الحوادث السياسية التي وقعت في هذه الأيام أدت إلى بسط بريطانيا العظمى حمايتها على مصر وإلى خلو الأريكة الخديوية.
وبهذه المناسبة أرسلت الحكومة البريطانية إلينا رسالة نبعث بصورتها إليكم لنشرها على الأمة المصرية موجهة فيها نداءها إلى ما انطوى عليه فؤادنا من عواطف الإخلاص نحو بلادنا لكي نرتقي عرش الخديوية المصرية بلقب (السلطان)، وستكون السلطنة وراثية في بيت محمد علي طبقا لنظام يقرر فيما بعد.
وقد كان لنا بعد أن وقفنا حياتنا كلها إلى اليوم على خدمة بلادنا أن يكون الإخلاد إلى الراحة من عناء الأعمال مطمح أنظارنا، إلا أننا بالنظر إلى المركز الدقيق الذي صارت إليه البلاد بسبب الحوادث الحالية قد رأينا مع ذلك أنه يتحتم علينا القيام بهذا العبء الجسيم، وأن نستمر على خطتنا الماضية فنجعل كل ما فينا من حول وقوة وقفا على خدمة الوطن العزيز.
هذا هو الواجب المفروض علينا لمصر ولجدنا المجيد محمد علي الكبير الذي نعمل على تخليد الملك في سلالته.
وبما فطرنا عليه من الاهتمام بمصالح القطر سنوجه عنايتنا على الدوام إلى تأييد السعادة الحسية والمعنوية لجميع أهاليه، مواصلين خطة الإصلاحات التي بدئ العمل فيها، لذلك ستكون همة حكومتنا منصرفة إلى تعميم التعليم وإتقانه بجميع درجاته، وإلى نشر العدل وتنظيم القضاء بما يلائم أحوال القطر في هذا العصر، وسيكون من أكبر ما نعني به توطيد أركان الراحة والأمن العام بين جميع السكان وترقية الشؤون الاقتصادية في البلاد.
أما الهيئات النيابية في القطر فسيكون من أقصى أمانينا أن نزيد اشتراك المحكومين في حكومة البلاد زيادة متوالية.
ونحن على ثقة بأننا في سبيل تحقيق هذا المنهاج سنجد لدى حكومة صاحب الجلالة البريطانية خير انعطاف في تأييدنا، وإننا لموقنون بأن تحديد مركز الحكومة البريطانية في مصر تحديدا واضحا بما يترتب عليه من إزالة كل سبب لسوء التفاهم يكون من شأنه تسهيل تعاون جميع العناصر السياسية بالقطر لتوجيه مساعيها معا إلى غاية واحدة.
وإننا لنعتمد على إخلاص جميع رعايانا لتعضيدنا في العمل الذي أمامنا.
ولوثوقنا بكمال خبرتكم وبما تحليتم به من الصفات العالية، واعتمادا على وطنيتكم، نطلب منكم مؤازرتنا في المهمة التي أخذناها على عاتقنا، وندعوكم بناء على ذلك إلى تولي رئاسة مجلس وزارتنا، وإلى تأليف وزارة تختارون أعضاءها لمعاونتكم، وتعرضون أسماءهم على تصديقنا العالي.
ونسأل الحق جلت قدرته أن يبارك لنا جميعا فيما نبتغيه من نفع الوطن وبنيه.
حسين كامل
جواب صاحب العطوفة حسين رشدي باشا
مولاي!
أقدم لسدة عظمتكم السلطانية مزيد الشكر على ما أوليتموني من الشرف السامي إذ تفضلتم علي بأمركم الكريم الذي فوضتم به إلي تأليف هيئة الوزارة.
نعم، إنني كنت وكيلا عن ولي الأمر السابق، ولكنني مصري قبل كل شيء وبصفتي مصريا قد رأيت من المفروض علي أن أجتهد تحت رعايتكم السلطانية في أن أكون نافعا لبلادي، فتغلبت مصلحة الوطن السامية التي كانت رائدي في كل أعمالي على جميع ما عداها من الاعتبارات الشخصية.
لهذا فإني أقبل المهمة التي تفضلت عظمتكم السلطانية بتفويضها إلي، ولما كان زملائي بالأمس الموجودون الآن بمصر متشربين بنفس هذه العواطف وهم لذلك مستعدون للاستمرار على معاونتهم لي، فإنني أتشرف بأن أعرض على تصديق عظمتكم السلطانية رفق هذا مشروع المرسوم السلطاني بتشكيل هيئة الوزارة الجديدة.
وإني بكل احترام وإجلال لعظمتكم السلطانية.
تحريرا في 2 صفر سنة 1332 / 19 ديسمبر سنة 1914.
العبد الخاضع المطيع المخلص
حسين رشدي
الوزارة الجديدة
وبعد هذا الانقلاب حدث تعديل في الوزارة المصرية فأصبحت كما يأتي حسب المرسوم السلطاني الصادر في 2 صفر سنة 1333ه/19 ديسمبر سنة 1914:
حسين رشدي باشا: وزيرا للداخلية مع رئاسة مجلس الوزراء.
إسماعيل سري باشا: وزيرا للأشغال العمومية والحربية والبحرية.
أحمد حلمي باشا: وزيرا للزراعة.
يوسف وهبه باشا: وزيرا للمالية.
عدلي باشا يكن: وزيرا للمعارف.
عبد الخالق ثروت باشا: وزيرا للحقانية.
إسماعيل صدقي باشا: وزيرا للأوقاف.
الموكب السلطاني
موكب مولانا السلطان
ارتدت العاصمة في صباح الأحد 20 ديسمبر حلل الزينة والرواء احتفالا بتبوء صاحب العظمة السلطان حسين كامل سرير السلطنة المصرية، واستعدادا لمشاهدة الموكب العظيم الذي سار به عظمته من سراي صاحب الدولة البرنس كمال الدين باشا نجله إلى قصر عابدين العامر، فزينت المنازل والمخازن والبنوك والمنتديات بالرايات المصرية والإنكليزية وغيرهما من رايات الدول المحالفة لإنكلترا، وخرجت العاصمة كلها لمشاهدة ذلك الموكب النادر المثال، فغصت الشوارع وشرفات المنازل ونوافذها والميادين العمومية على سعتها بالمتفرجين، واصطف تلامذة المدارس الحربية المصرية أمام منزل صاحب الدولة البرنس كمال الدين باشا ومعهم موسيقى السواري ونحو مئة صف ضابط وجندي من الأورطة البيادة المصرية الأولى أمام مدخل سراي عابدين، واصطفت الجنود الإنكليزية والاسترالية والنيوزيلندية مشاة وفرسانا بأعلامها وموسيقاتها على جوانب الشوارع التي مر فيها الموكب من ميدان قصر النيل إلى سراي عابدين العامرة صفوفا متلاصقة. (1) سرادق عابدين
وكان قد نصب سرادق كبير رحيب غربي ديوان التشريفات في قصر عابدين العامرة، وصفت فيه الألوف من الكراسي وجعل بعضها أعلى من بعض متدرجة على شكل الامفيتياتر، فاجتمع فيه المدعوون من الأمراء والعلماء وخدمة الدين ونواب الأمة والمديرين والمحافظين وعمد البلاد وأعيانها وللضباط والقضاة والوطنيين والأجانب وأعضاء نقابة المحامين وأعضاء النيابة ورؤساء المصالح والتجار والزراع والصحافيين ليشاهدوا منه جلال الموكب السلطاني وهو سائر في ميدان عابدين إلى القصر السلطاني. ولما ازدحم هذا السرادق بالجالسين فيه وكثرت وفود القادمين من المدعوين صفت الكراسي لمئات منهم خارجه في الرحبة المقابلة له. (2) خروج الموكب السلطاني وسيره
وفي الساعة التاسعة والنصف برح عظمة السلطان سراي دولة البرنس كمال الدين في موكب فخيم، فأطلقت المدافع من القلعة إيذانا بذلك وإجلالا وتعظيما، وجلس عظمته في مركبة سلطانية يجرها أربعة جياد مطهمة ويحف بها الغلمان بالملابس المذهبة، وجلس إلى يساره فيها صاحب العطوفة حسين باشا رشدي رئيس الوزراء، وسارت المركبة تتقدمها أورطة من فرسان الجنود الإنكليزية مسلحة بالبنادق وأورطة من الفرسان المصرية يحملون الرماح، فالحرس السلطاني وتليها مركبتان سلطانيتان تقلان بقية الوزراء فأورطة من الفرسان الإنكليز شاهرة السيوف، فأدى طلبة المدرسة الحربية السلام العسكري، وصدحت موسيقاهم بالنشيد السلطاني، وظل الموكب سائرا على هذا النظام بين صفين من الجنود الإنكليزية من ميدان قصر النيل إلى فندق سافوي فشارع قصر النيل فميدان سوارس فشارع عماد الدين فشارع المغربي فميدان الأوبرا فشارع عابدين فميدان عابدين، وكان كلما مر بأورطة من الجنود حيت التحية العسكرية فيحييها عظمته ويحيي الأهالي الواقفين صفوفا على الجانبين فيصفقون له ابتهاجا وسرورا. (3) الوصول إلى عابدين
ولما أقبل عظمته على ميدان عابدين وقف جماهير المدعوين في السرادق على الأقدام، وصفقوا تصفيقا شديدا، وهتفوا له بالدعاء، وحيت الجنود البريطانية والمصرية التحية العسكرية، وصدحت موسيقاتها بالنشيد السلطاني، وأطلقت المدافع من القلعة إيذانا بوصول عظمته، ثم بادر سعادة كبير الأمناء ومن معه من موظفي السراي إلى استقبال عظمته وصعدوا بها إليها.
وعند ذلك تقدمت الجنود المصرية الواقفة تجاه السراي إلى الأمام، وصدحت الموسيقى بالنشيد السلطاني، وهتف الضباط ثلاثا: فليحي السلطان حسين. فرددت الجنود هذا الدعاء ثلاثا أيضا. (4) وصول وكيل نائب جلالة الملك
ثم أقبل جناب المستر شيتهام وكيل نائب جلالة الملك ومعه موظفو الوكالة الإنكليزية جميعا في مركبتين فخيمتين تتقدمهما كوكبة من فرسان الجنود الإنكليزية، وتلاهم جناب الجنرال مكسويل قائد الجيوش في مصر، وإلى جانبه جناب قائد البارجة الإنكليزية الراسية الآن في الإسكندرية في مركبة أخرى يتقدمها كوكبة من فرسان الجنود الإنكليزية أيضا. فصفق لهم الحاضرون وصعدوا جميعا إلى القاعة الكبرى حيث قدموا إلى عظمة السلطان واجب التهنئة والتبريك ثم انصرفوا فشيعوا بمثل ما قوبلوا به من التجلة والإكرام. (5) المقابلات السلطانية
وبعد ذلك بدأت المقابلات السلطانية فكان حضرات الأمناء وغيرهم من رجال التشريفات يدعون المدعوين من السرادق فرقا فرقا لمقابلة عظمته.
فتشرف بمقابلة عظمته على التوالي: أصحاب السمو أعضاء العائلة السلطانية، وعطوفة رئيس الوزراء، وحضرات الوزراء والمستشارين، فوكلاء الوزارات، فأعضاء صندوق الدين العمومي، فمستشارو أقلام قضايا الحكومة، فالعلماء، فالبطاركة والمطارنة وغيرهم من الرؤساء الروحيين، فرئيس ووكلاء الجمعية التشريعية وأعضاؤها، فرئيس ومستشارو محكمتي الاستئناف المختلطة والأهلية، فرؤساء وقضاة وأعضاء المحاكم الابتدائية والنيابات الأهلية والمختلطة بالقاهرة، فرؤساء المصالح الأميرية، فضباط الجيوش البحرية والبرية، فرؤساء مجلس النظار السابقون والنظار، والسردارون، ورؤساء التشريفات ورؤساء ديوان المعية، والسرياوران، ونظار الخاصة، ومديرو الأوقاف، ووكلاء النظارات ونظار الدائرة السنية، ومديرو مصلحة الأراضي الأميرية والسكك الحديدية والتلغرافات الأميرية، ورؤساء المصالح الأميرية السابقون والذوات العسكريون، والملكيون غير الموظفين الحائزون لرتبة الباشوية والضباط البحريون والبريون والمستودعون والمتقاعدون وأصحاب الرتب والمديرون والمجالس البلدية والمحلية وأعيان الأقاليم، وعمد وأعيان العربان وأعضاء المجالس البلدية، وموظفو الدواوين والمصالح، ونقابة المحامين المختلطة والأهلية، ومديرو البنوك وشركة قنال السويس، ومديرو الشركات والتجار والأعيان الأوروبيون والوطنيون، والصحافيون الوطنيون والأوروبيون وأعضاء الجمعية الزراعية وموظفو الديوان السلطاني. (5-1) مدة المقابلات ونصائح عظمته
وقد دامت هذه المقابلات إلى نحو الساعة الثالثة بعد الظهر، وكان صاحب العظمة السلطان يقابل المهنئين بهشاشته وبشاشته المعتادة، ويخطب في كل فريق منهم متكلما عن الشؤون العمومية التي تهمه وتهم القطر المصري، فكان لأقواله أعظم تأثير في النفوس؛ فقد خاطب بعضهم عن الأزمة المالية وما صارت إليه الأحوال من العسر، وبعضهم عن الأمن العام ووجوب التضامن على حفظه، وبعضهم عن الإصلاح بين العائلات ونبذ الضغائن والعداوات بين أبناء البلد الواحد، وبعضهم عن أحوال الزراعة والحاصلات وغير ذلك من الشؤون العمومية. وكان في جميع أقواله يبدي للسامعين النصائح الغالية والإرشادات الحكيمة فيقابلون أقواله بهتاف الدعاء لعظمته.
خطبة رئيس الجمعية التشريعية
ولما تشرفت هيئة الجمعية التشريعية بمقابلة عظمته ألقى سعادة مظلوم باشا رئيس هذه الجمعية بين يديه الخطبة الآتية:
مولاي الأعظم!
بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن زملائي أعضاء الجمعية التشريعية أتقدم لمقام عظمتكم السامي بالتهانئ الخالصة لمصر العزيزة على تشرفها باستواء ذاتكم الفخيمة على عرشها الرفيع، فقد عرفتكم بشدة الغيرة على مصالحها والعمل دائما على ما فيه خيرها وسعادتها، وهي واثقة بأنها ستدخل تحت ظلال ملككم في عصر جديد مملوء بالخيرات، ونسأل الله أن يمد في حياتكم حتى نتمكن من تحقيق مقاصدكم السامية في رقيها وتقدمها المادي والأدبي.
فأمنت الهيئة على هذا الدعاء.
النطق السلطاني
وأجاب عظمة السلطان على ذلك بما معناه:
إنني أشكركم وأشكر أعضاء الجمعية التشريعية على تهنئتكم، فأنتم جميعكم سواء كنتم من الأعضاء المنتخبين أو الأعضاء المعينين إنما اختاروكم لهذه المناصب لتخدموا الأمة ومصلحة القطر، وستنالون بإذن الله ما تبغونه من الخير لوطنكم بالصبر والرزانة والتعقل.
إنني ما كنت أمني نفسي من قبل بتبوء سرير سلطنة مصر، ولكن الله أراد ذلك، وأؤكد لكم أن كل مرادي هو أن أقف بقية حياتي على خدمة الأمة وسعادتها، ولكني أوصيكم بانتهاج منهج الحكمة والاعتدال في أقوالكم وأعمالكم إذ بذلك نتغلب على المصاعب التي تعترض في سبيلنا ونظفر بالسعادة المطلوبة، ألا فاذكروا قول سيدنا يعقوب لبنيه في القرآن الشريف ولا تيأسوا من رحمة الله.
والسلام عليكم ورحمة الله. (6) النصح الغالي
وقد خاطب عظمته أعيان الأرياف طالبا منهم أن يجروا على خطط الاقتصاد، وأن يشتغلوا بالزراعة، وأن يكون الأعيان منهم في ذلك خير قدوة لبقية الأهالي، وأن يستعملوا نفوذهم لإزالة الخصومات من بين العائلات لأن هذه الخصومات هي من أكبر مصادر الجرائم في مصر. (7) الخطاب السلطاني لمديريتي الفيوم وقنا
بالنظر إلى ضيق الوقت اضطر رجال التشريفات أن يجعلوا موعد دخول أعيان الفيوم وقنا وعمدهما على الحضرة السلطانية في المقابلات دفعة واحدة. فبعد ما وقفوا في شكل نصف دائرة شرف عظمة السلطان القاعة واقترب منهم وحياهم بما فطر من اللطف والدعة، ثم خاطبهم موجها الخطاب إليهم وإلى سائر عمد مديريتيهما وسراتهما، فقال عظمته:
يا حضرات العمد والأعيان:
أشكر لكم أولا حضوركم اليوم، وأنتهز هذه الفرصة لأن أزودكم ببعض النصائح فافهموها وعوها جيدا.
أنتم عمد وأعيان، هذه الصفة خولت لكم حق الحضور، ولولاها لما حضرتم إلى هذا المكان الآن. فعليكم بكونكم عمدا وأعيانا واجبات، فكلما ارتفع المرء زادت التبعة الملقاة عليه.
أنت أيها العمدة يجب أن لا تعين فلانا خفيرا أو شيخ خفر لأنه قريبك أو من محاسيبك، الوظيفة ليست ملكك بل هي ملك الأمة العام اؤتمنت عليها ائتمانا، فيجب أن تعين من تعينه لمصلحة الأمة ولفائدتها، أما في مصلحتك الخصوصية فعين من تريد. يجب أن يفهم جميع الموظفين ويجب أن نفهم جميعنا أيضا أننا في أعمالنا العمومية نشتغل أمناء فقط ووكلاء، وشرط الوكيل أن يكون أمينا.
اهتموا جميعكم بترقية البلاد وإسعادها، اتركوا الضغائن والأحقاد وكونوا رجالا بالمعنى الصحيح.
البلاد حالتها سيئة هذا العام، النيل كان واطئا في بادئ الأمر، والقطن نقص محصوله وثمنه، وتلك حال عامة في العالم أجمع، على أننا والحمد لله في حال يحسدنا عليها سوانا، فلا تهتموا كثيرا بالفخفخة الفارغة والمظاهرة الكاذبة كاقتناء مركبات وبناء سرايات وصنع أثاث لا موجب له، بل اتبعوا المثل السائر في ذلك: على قدر «حصيرك مد رجليك».
ثم التفت إلى العربان وخاطبهم قائلا:
أنتم بالطبع أعراب ورؤساء عشائر من الفيوم، أريد أن أوجه إليكم كلمتي: إنكم تسكنون في مصر منذ أكثر من مئة سنة من أيام جنتمكان محمد علي، أريد منكم أن تعلموا أنكم لستم الآن في الصحراء بل قد تحضرتم وصارت لكم في البلاد مقتنيان تعيشون من خيراتها، فيجب أن يكون لكم ما لها وعليكم ما عليها.
لقد مضى زمان كانوا يقولون فيه «بدوي وفلاح»، فاجعلوا نصب عيونكم الخضوع لنظامات البلاد وقوانينها خضوعا تاما، ولا تقولوا إننا عرب أتينا من الغرب، بل أريد منكم أن تعدوا أنفسكم من الأهالي لأنكم متمتعون بكل حقوق البلاد، فكل واحد منكم لا يريد أن يعد نفسه مصريا، ولا أن يخضع لنظامات البلاد وقوانينها، فما عليه إلا أن يرتحل عنها ويتركها. هذا ما تريده حكومتي وهذا كلام بالعربي، أفهمتم؟
ثم التفت إلى الحاضرين وظل ينصح فقال:
إننا نرغب في تقدم البلاد فبماذا تتقدم؟ تتقدم البلاد بالتضامن والاتحاد، وذلك لا يكون إلا بترك الأحقاد الجنسية. كلنا مصري بقطع النظر عن العقائد والأديان، فأنا في عقيدتي مسؤول عن نفسي وأمام الله وحده، أما أمام الوطن فكلنا مسؤولون ومتضامنون في المسئولية على السواء، فاعلموا أن الاختلاف في المصالح باختلاف المعتقدات فكرة قديمة لا مكان لها الآن.
اعلموا أنني جربت الحلو والمر ونتيجة اختباري أن السعادة هي من عند الله يأتيها من يشاء وليس للعبد فيها يد، فاعملوا جميعكم يدا واحدة وألقوا اتكالكم على الله. ها أنا اليوم لم أصنع شيئا لنفسي ولكن إرادة الله هي التي سببت الحال التي أنا فيها الآن.
يجب أن أضع كتفي إلى كتف الفلاح لابس الجلابية البيضاء واللباس لأن هذا ما تقتضيه حالة البلاد.
يا حضرات الأعيان: الحكومة ستجعل كل اهتمامها منصرفا إلى إسعاد البلاد، ولكن عليكم أن تصبروا ولا تستعجلوا. إن الحال التي دخلت فيها مصر الآن تجعلنا بمساعدة حلفائنا نعمل كل أمر نافع للبلاد، وسترون إن شاء الله خيرا عظيما. وأنتم يا أهل الفيوم سنهتم لكم بإنشاء المصارف (أليس إنه يلزم لها مصارف يا معبد بك؟ فأجاب: بلى، يا مولانا). سنهتم بالخير للجميع، وإني أعدكم أنني سأزور المديريات لا زيارة ساعات بل زيارات طويلة، وأبحث بنفسي عما فيه نفع الأهلين، فعليكم أن تشدوا أزرنا وتساعدونا بانقيادكم إلى المديرين الذين هم مكلفون خدمتكم وعليهم واجبات لحكومتي، والله نسأل أن يقدرنا جميعا على ما فيه الخدمة ومصلحة الجميع.
فصاح كل من حضر ثلاثا: «ليعيش مولانا السلطان». (8) النطق السلطاني عن الصحف والصحافيين
ولما تشرف أرباب الصحف العربية بمقابلته خاطبهم قائلا:
إني سعيد اليوم لا بالنظر إلى نفسي بل لاجتماعي بأعيان أمتي وبوجوه بلادي وبأرباب الصحف من جملتهم. إن الصحافة التي لها قوة عظيمة وحول وطول في الأمة أتذكر ابتداءها في بلادنا منذ نحو أربعين سنة حين أصدر أبو السعود جريدته، وكنت أقرأها ولم يكن للصحافة عندنا شأن حينئذ، وأما الآن فقد بلغت في بلادنا شأوا رفيعا وأضحت قوة أدبية يعتد بتأثيرها في مجموع الأمة لأنها هي منزلة المربي والمثقف والمهذب للجمهور.
الأحداث المصريون يتعلمون الآن ويتهذبون في المدارس، وأما السواد الأعظم من الأمة فالصحف هي التي تعلمه وتنير ذهنه بما تحويه من النصائح والحكم والأخبار النافعة والأقوال المفيدة. وأنا أرى الناس في المحطات والشوارع وكل مكان يتهافتون على ابتياع الجرائد لقراءتها والاستفادة بما فيها.
ولهذا نؤمل من الصحف وأرباب الصحافة نفعا عظيما للأمة. إني أقدر الانتقاد حق قدره وأعترف بفوائده، ولكن حق الانتقاد أن يكون في محله وليس انتقادا مطردا، أو كما يقول الفرنسويون “Systėmalique”
لمجرد الطرق على سندان واحد. أما الفائدة العظمى التي تجني من الصحافة فهي النصائح المفيدة الخالصة للأمة وعلى الخصوص النصح بالاعتدال، فأرجو أن تكون صحفنا معتدلة، وأن تجعل الاعتدال رائدها، وأن تنصح قراءها أيضا بالاعتدال، فالخط المعتدل كما تعلمون أقصر الخطوط وأقربها إلى الغرض.
ويحسن بالجرائد أيضا أن تجعل لمطالبها ومقاصدها خططا معينة واضحة ولسياستها مبادئ معلومة ثابتة بحيث يعلم قراؤها منها سياستها وغايتها.
ثم التفت إلى الجالسين من الصحافيين عن يمينه وعن يساره وقال:
أرجو منكم رجاء صادرا من صميم فؤادي أن تعاونونا في خدمة وطننا، وأن توجهوا قوة صحفكم إلى ما فيه الخير للأمة، ولكم والله أسأل أن يوفق مساعينا، ثم وقف ووقفوا وحياهم وخرجوا من الحضرة داعين لعظمته بالعز والتأييد والعمر المديد. (9) زيارة عظمة السلطان للوكالة البريطانية
توجه صاحب العظمة السلطان حسين الساعة السادسة مساء الاثنين 21 ديسمبر يحف به الحرس السلطاني إلى الوكالة البريطانية، وكانت ثلة من الجنود الإنكليزية مصفوفة هناك، فلما وصل عظمته صدحت الموسيقى الإنكليزية بالنشيد المصري وأدت الجنود التحية، واستقبله جناب المستر ستورس عند أسفل السلالم في مدخل الوكالة، وصعد مع عظمته إلى أعلاها حيث كان باستقباله جناب المستر شيتام وكبار موظفي الوكالة، فاستقبلوا عظمته بمزيد الإجلال وساروا به إلى ردهة الاستقبال حيث قضى عظمته معهم نصف ساعة من الزمان ثم ودعهم فشيعه جناب المستر شيتام والمستر ستورس وسائر الموظفين إلى أسفل السلالم بما قابلوه به من الجفاوة والتعظيم، وكان بمعية عظمته في هذه الزيارة عطوفة رشدي باشا رئيس وزرائه وسعادة سعيد باشا ذو الفقار كبير الأمناء وسعادة إسماعيل باشا مختار سرياور عظمته. (10) الزينات في العاصمة
العلم المصري الجديد
وما توارت الغزالة وراء الحجاب وأسدل الليل جلباب الظلام حتى ردت أنوارها الأنوار الساطعة التي تلألأت في جميع أنحاء المدينة، فكان نورها يخطف الأبصار ويدهش الأنظار. وقد اشترك الآهلون على اختلاف طبقاتهم في إقامة الزينات الباهرات إكراما لذلك اليوم المجيد والعهد السعيد الذي دخلوا فيه، فكانت العاصمة كلها كأنها في مهرجان فخيم وفرح عظيم، ولم تقتصر الزينات على العاصمة بل اشتركت مدينة الإسكندرية وعواصم المديريات فبرهنت بما أقامته من الزينات الباهرة على ما خامر أفئدة الجميع من السرور والانشراح.
يا من رأى العلم المصري قد سطعت
في أفق مصر له بالنصر أنوار
ماذا تقول سوى شطر تضمنه (كأنه علم في رأسه نار)
الدعاء لسلطان المصريون في المساجد المصرية
أرسلت وزارة الأوقاف المصرية إلى مأموريها في مصر وسائر جهات القطر المنشور التالي، وهذه صورته بالحرف الواحد:
تعلمون أن عظمة مولانا السلطان حسين كامل - أيده الله - قد ارتقى أريكة سلطنة مصر.
ولهذا أشار صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر «بموافقة حكومة عظمته السلطانية» بإصدار الأمر إلى خطباء المساجد في أرجاء القطر المصري بأن يدعو باسم عظمته في خطبة الجمعة ونحوها من الآن. وهذا نص الدعاء المبارك: «اللهم إنا نسألك أن تؤيد الإسلام والمسلمين، وأن تعلي بفضلك كلمة الحق والدين، وأن تشمل بعنايتك وتوفيقك خليفة المسلمين. كما نسألك أن تؤيد عبدك وابن عبدك الخاضع لعز جلالك ومجدك، من أعنته بنصرك وعنايتك وحفظته بعين رعايتك سلطان مصر المعظم حسين كامل نصره الله».
تغيير الألقاب والرتب
تقرر وقتيا تلقيب أعضاء العائلة السلطانية والوزراء وأصحاب الرتب بالألقاب التالية وهي: «حضرة صاحب الدولة» لكل عضو من أعضاء العائلة السلطانية. «حضرة صاحب العطوفة» لرئيس الوزراء. «حضرة صاحب السعادة» للوزراء.
ولكل ذي رتبة أعلى من الميرميران. «صاحب السعادة» لكل حائز رتبة الميرميران. «حضرة صاحب العزة» لكل حائز رتبة المتمايز. «صاحب العزة» لكل حائز الرتبة الثانية. «حضرة» لكل حائز الرتبة الثالثة فما دونها. «جناب المحترم» لكل أجنبي.
كلام الملوك ملوك الكلام
أثبت في هذا الباب غرر الحكم، وجواهر الكلم، التي نثرها صاحب العظمة والجلال مولانا السلطان الأعظم على أفراد رعاياه المخلصين الذين نالوا حظوى المثول بين يديه الكريمتين من يوم جلس عظمته على أريكة السلطنة حتى طبع هذا السفر الجليل. ومن أنعم النظر في هذه الحكم المأثورة والدرر المنثورة لا يسعه إلا أن يجهر بالدعاء لباسط الأرض ورافع السماء على ما أولى أهالي القطر السعيد من الآلاء والإحسان، بإلقاء مقاليد أمورهم إلى سلطان عادل ومليك كامل جعل قبلة آماله وجميع أعماله موجهة إلى خير الرعية وتوفير أسباب سعادتها. والحق يقال فإنه سبحانه وتعالى أراد خيرا بالأمة المصرية وجميع النازلين في وادي النيل الخصيب، وقد جاء في القرآن الكريم:
ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ،
ولقد اصطفيناه في الدنيا ،
ورفعناه مكانا عليا .
أجل لقد رأينا سلطاننا الكامل يسير على سنن العدل والصلاح، فملك قلوب الرعية واقتاد نفوسها في مستعجل الوقت طائعة مختارة.
ولقد ضاقت الصحف عن أخبار سيرته الطيبة وحسناته ومكارمه التي فاضت كما يفيض النيل، ولقد أعد السلطان حسين لسلطنته المباركة صفحات غراء في تاريخ مصر، وسترصع صحيفتها الأولى بعظائم وجلائل من الأمور طالما اشتهاها المصريون على الدول ولم ينالوا منها منالا مثل: (1)
إلغاء الامتيازات الأجنبية. (2)
توحيد القضاء. (3)
توسيع اختصاص الجمعية التشريعية وجعل رأيها نافذا في كثير من المسائل. (4)
نشر العلم وجعله إجباريا. (5)
توسيع نطاق دائرة تعليم البنات. (6)
تنشيط معاهد العلم وترقيتها بزيارتها ومكافأة النجباء مما لم تر معاهد العلم وأهلها له مثيلا في تاريخ حياتها الماضي.
وجميع هذه الأمور كافية وحدها لترقية مصر وإسعاد أهلها، ولا سيما لأنها صادرة عن سلطان حكيم طاهر القلب غيور على أمته مضطرم فؤاده بحب رعيته، وقد جاء في القرآن الكريم:
وآتاه الله الملك والحكمة
وقال الشاعر:
علم الله كيف أنت فأعطا
ك المحل الجليل من سلطانه
وقد اغتبطت الأمة بسلطانها، وغدت تحمد الله في الغدو والآصال على ما أولاها من نعم جزيلة، وما أسدى إليها من آلاء جليلة وأصبح كل فرد يقول لسلطانه:
ليهنك ملك بالسعادة طائره
موارده محمودة ومصادره
فأنت الذي كنا نرجى فلم نخب
كما يرتجي من واقع الغيث باكره
سياسة السلطان وأمياله
لم أجد كلاما يصور مبادئ مولانا السلطان السياسية، ونياته الطاهرة، وآرائه السديدة، وأمياله الحميدة، وحكمه الغوالي، تصويرا حقيقيا ظاهرا بينا مثل الحديث الذي ألقاه عظمته على المستر جريفس مندوب جريدة التيمس الذي نشرته جريدة المقطم الغراء، فرأيت أن أنقله برمته لما فيه من العبر العالية والبشائر السارة للأمة والأهالي وها هو بنصه:
قال مندوب التيمس:
حظيت بشرف المثول لدى عظمة السلطان، فتفضل علي بالحديث التالي الذي عبر فيه عن آرائه وآماله وأذن لي أن أنشره في جريدة التيمس التي قال إنها أعظم الصحف البريطانية، وهذا ما تكرم عظمته فقاله لي:
خيبت الثورة في تركيا آمالي كما خيبت آمال كثيرين سواي، فإن الجهل والمطامع المقرونة بالطيش زجت البلاد في مأزق حرج، ويشق علي أن يتمكن نفر من الأفاقين من جر فلاحي الأناضول البسطاء القلوب السليمي النية إلى حرب لا تريدها البلاد ولا تستحسنها. وقد عجز حكام تركيا عن ضبط أطماعهم، وكبح جماحها. فكانت الحالة الحاضرة في تلك البلاد عاقبة الغرور وقلة التبصر ونتيجة المداهنة والمواربة التي طالما أفسدت السياسة في الشرق.
وهذا القول يؤدي بنا إلى الكلام عن القطر المصري، فإن تصرف الدولة التي كانت صاحبة السيادة عليه اضطر بريطانيا العظمى إلى بسط حمايتها عليه.
وقد دعتني الحكومة البريطانية للجلوس على سرير السلطنة، فقبلت الدعوة شاعرا بثقل المسئولية التي تلقى علي للقيام بالواجب المقدس، ورجائي أن أخدم شعبي. إن بصري لم يطمح قط إلى هذا السرير ولا أنا من عشاق المناصب وطلابها لأني في غنى عن ذلك إذ قد أدركتها منذ 59 سنة ، ولكني مؤمن وعقيدتي تعلمني أنني وجدت لأسعى لخير بلادي.
وإني أعتقد أن حكومة بريطانيا العظمى ستشد أزري في إدراك غايتي، وقد أيقنت منذ أخمدت الثورة العرابية أن مصر وسائر الأقطار الشرقية مفتقرة إلى الأوروبيين - ولكن من حيث الكيفية لا الكمية - ليساعدوها على السير في سبل التقدم والارتقاء، ولا نستطيع أن نفي بريطانيا العظمى حقها من الشكر على ما فعلته لمصر.
وإذا كانت مصر لم تتقدم بسرعة أكثر من السرعة التي تقدمت بها، وأريد بالتقدم في هذا المقام التقدم في الشؤون المدنية والأهلية وفي التعليم بالمعنى الحقيقي لا التقدم في مد سكك الحديد وحفر الترع ونحو ذلك - فالذنب ليس ذنب الإنكليز بل إن حالة البلاد الشاذة عن القياس الطبيعي هي السبب في ذلك.
فقد كان للمصريين ثلاثة أبواب مفتوحة أمامهم: باب السراي الخديوية وباب الوكالة البريطانية وباب الحكومة المصرية، فهل تستغرب بعد ذلك أن شعبا تنقصه الخبرة والسياسة والعلم يضل غالبا ويسير في طرق مناقضة لمصالحه الحقيقية.
إن اللورد كرومر والمرحوم السر الدون غورست واللورد كتشنر عرفوا ذلك وعلموا بالمساعي التي كنت أبذلها دائما لخير مصر، ولما دعيت إلى رئاسة مجلس شورى القوانين قبلتها غير مراع رتبتي ومقامي، وكان قبولي لها على رجاء أن أتمكن من التأثير الحسن في مناقشاته، ولكني استقلت منه لما حالت مساعي عابدين دون قيامي بهذه المهمة، ولا يحسن بي أن أخوض في هذه المداخلة التي كانت تؤخر تقدم البلاد في رأيي.
ولكن الماضي مضى وانقضى وأملي وطيد الآن أن الجمعية التشريعية التي باتت تحت تأثير مؤثرات أحسن من تلك تقوم في المستقبل بمهام تليق بشأن بلادنا الجميلة.
ولنتكلم الآن عن المستقبل: إني أثق بإنكلترا تمام الثقة وأئتمنها، وأرجو أنها تثق هي بي أيضا وتأتمني. فقد كنت مستقيما في معاملاتي على الدوام وماضي يشهد لي بذلك، وكنت أسعى دائما في التوفيق بين مصر وإنجلترا، وكانت علاقاتي مع ملككم العظيم المرحوم الملك إدوارد السابع رحمه الله على غاية الصداقة والوداد منذ أول معرفتي له سنة 1868. وإني لأرجو أن تكون العلاقة بيني وبين نجله كتلك وأرجو أيضا إذا اتفق ثانية أن تتهدد مصر أن يكون شعبي قد بلغ من التقدم الأدبي والمدني شأوا يحمله على المبادرة إلى الدفاع عن بلاده مع جنود الإمبراطورية جنبا إلى جنب من تلقاء نفسه وعن طيبة خاطر كما فعل جنودكم المحليون والجنود الاسترالية والجنود النيوزيلندية الباسلة التي أشاهدها يوميا في مصر الجديدة وأعجب بها لما أراه منها.
وأقول - والحديث ذو شجون - إنه منذ ابتداء الاحتلال حتى الآن كان سلوك ضباطكم وجنودكم مع أهل البلاد كاملا لا غبار عليه، فلم يسيروا في الطرق والشوارع مرحا يقلقون الناس بصليل سيوفهم.
فإذا أتيح لي أن أنهض بالشعب المصري وأبث فيه بعض هذا الروح الأهلي المدني الذي نراه في الأمم الفتية البريطانية المتفرقة في أنحاء الإمبراطورية (أي أمم المستعمرات البريطانية) فقد نلت المرام.
ولبلوغ هذه الغاية نفتقر إلى التعليم، ولست أقصد بالتعليم مجرد درس الكتب واستظهارها بل تهذيب الأخلاق والتربية الأدبية الاجتماعية التي يتلقنها الأبناء من أمهاتهم، فإن بلادنا تفتقر إلى تعليم بناتها أشد افتقار، ومع أني من المحافظين بمعنى أني أطلب حفظ القديم على قدمه في بعض الأمور فإني من حزب الأحرار في هذا الأمر وأقول بوجوب تعليم البنات المصريات.
وإني واثق بأن مستقبل بلادي عظيم، ومتى سكنت الاضطرابات التي أثارتها هذه الحرب فستكون مصر ميدانا للارتقاء العظيم الأدبي والمادي، فلا يغرب عن بالك أن عندنا ثلاث مزايا عظيمة القيمة: نيل مصر، وشمس مصر، وفلاحي مصر الذين يزرعون تربة مصر الموصوفة بالخصب. وإني أعرف المزارعين المصريين حق المعرفة وأحبهم، ولست تجد قوما أقرب منهم إلى التقدم أو أكثر منهم دعة ودماثة أخلاق ولين عريكة وأوفر اجتهادا وهمة ونشاطا، ولكنهم يحتاجون إلى اليد التي تقودهم في السبيل الذي رسمه مؤسس بيتنا محمد علي الكبير. ومتى تعلم هذا الشعب صار شعبا عظيما. آه يا ليتني كنت أصغر مما أنا سنا بعشر سنوات ولكني سأفرغ قصارى جهدي وأبذل كل قوتي لخير مصر وسعادة أهلها في السنوات التي يشاء الله أن أعيشها.
وقال عظمته لحضرات أعضاء الجمعية الخيرية الإسلامية لدى تشرفهم بمقابلة عظمته:
إني وإن افترقت عنكم جسما فإن روحي لا تزال معكم، وإني أؤيدكم في كل عمل تعملونه لتخفيف آلام المحتاجين والمساكين، وإن جل ما أصبو إليه أن توفق الجمعية إلى نشر التعليم وتعميمه بين أبناء الفقراء وبناتهم، وإني أتمنى لكم النجاح في خدمتكم الجليلة.
وقال عظمته لحضرات تجار مصر:
إن أمر التجارة يهمني كثيرا، وقد وطنت نفسي على تأييدها وتنشيط القائمين بها. وأرجو أن يمن الله علينا بعود السكون وهدوء البال قريبا فنسعى في إنشاء الغرف والنقابات التجارية وعمل سائر ما يعزز الثقة التجارية لأنها من أركان تقدم الثروة والرفاهة في بلادنا. وأذكر بمزيد الأسف اشتداد الأزمة المالية في هذه الأيام، ولكننا إذا قسنا حالتنا بحالة غيرنا هانت علينا مصيبتنا. فمهما كانت الأزمة المالية شديدة عندنا فهي أخف وطأة هنا مما هي عند سوانا، ومتى من الله بالفرج فأملي عظيم أن تجارة بلادنا تعود إلى الرواج والنمو بسرعة عظيمة.
وقال عظمته لأعضاء الجمعية التشريعية:
آمل منكم أن تكونوا لي خير معين على ترقية الأمة والسير بالبلاد في مراقي النجاح والفلاح وكرر لهم النصح باتباع خطة التأني والصبر والاعتدال.
وقال عظمته لما تشرف أعضاء مجلس إدارة الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك بالمثول بين يديه:
إني مسرور جدا بمقابلة أعضاء مجلس إدارة جمعيتكم، وأشكركم على ما تقومون به من الأعمال الخيرية لمساعدة الفقراء، فإن عمل الخير فرض واجب على كل إنسان كبيرا كان أو صغيرا، فالعظمة والبقاء لله وحده وكلنا متساوون عند حلول الأجل، وقد تمر على الإنسان أيام بؤس وشقاء وأيام عز وهناء فلا يسوغ لنا أن نيأس من رحمة الله كما، قال تعالى في قرآنه العزيز:
لا تقنطوا من رحمة الله
سأتم بعد أيام قلائل الحلقة السادسة من عمري، وقد مرت بي أيام كنت فيها سيد هذه البلاد وبلاد أخرى تصل إلى مصوع وزيلع وباب المندب، ثم انقضت تلك الأيام وابتعدت عن الحكم وخالطت أهل هذا القطر وذقت من أحوال الدنيا حلوها ومرها، وقد اختارني الله سبحانه وتعالى الآن لأكون سلطانا على مصر.
وإذا مد الله عمري فإني أخصص وقتي وجوارحي لسعادة شعبي سكان هذه البلاد بقطع النظر عن عقائدهم لا فرق عندي بين السوري والتركي والمسلم والقبطي، واعلموا أن هذا الكلام ليس من قبيل المجاملة بل هو اعتقادي القلبي وصادر من صميم فؤادي.
وقد قابلت منذ ساعة بطريرككم فآنست فيه من الحصافة والوقار وسائر الكمالات الجليلة ما مكن كرامته في صدري وأيد حبه في قلبي.
فأيقنوا أنكم مع سائر سكان هذه البلاد أبناء وطن واحد لا تمييز بينكم، وثقوا أني ساع لراحة الجميع فإن سعادة الحاكم تقوم بسعادة شعبه، واذكروا أنكم شرقيون مثلي فأحثكم على الثبات في جميع أعمالكم، سيروا على خطة قويمة، واتكلوا على الله في جميع مقاصدكم وأموركم؛ فإنه قادر أن يكلل أعمالكم بالنجاح. إني أضع دائما نصب عيني خطة جدي ساكن الجنان محمد علي في ما يؤول إلى راحة جميع العناصر القاطنة بهذه البلاد، وعسى الأزمة المالية التي حلت بهذا القطر بسبب نشوب الحرب الحالية أن تزول بإذن الله عن قريب.
وأنا أدعو لسورية بزوال المحن والمصائب النازلة بها الآن بزوال هذه الحرب المشومة.
وقال عظمته مخاطبا صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت بمناسبة تعيينه مفتيا للديار المصرية:
أيها الأستاذ الفاضل!
بأمر الله تعالى قد انتخبنا فضيلتكم بالاشتراك مع حكومتنا لوظيفة الإفتاء الجليلة فعهدنا بها إليكم، ونطلب منكم أن تعملوا في هذا المنصب الجليل بما فيه مصلحة المسلمين الدينية، محافظين على الدوام في فتاواكم على الأحكام الشرعية لا تبتغون منها إلا وجه الله سبحانه وتعالى وإيقاف الناس على أحكام دينهم، واعلموا أنكم إنما تخاطبون بفتاواكم عامة الناس فالتزموا فيها الصراحة حتى لا تكون محتملة للتأويل.
ولتكن لكم أسوة حسنة في المرحوم الشيخ المهدي الذي لبث يخدم دينه أربعين عاما مكث فيها يفتي الناس في أمور دينهم، وقد ترك أثرا صالحا ومثالا جليلا من الفتاوى لا يزال رجال الدين إلى اليوم يرجعون إليه في الوقوف على المعضلات الشرعية. والله سبحانه وتعالى يوفقكم في عملكم ويرشدكم إلى الخير والصواب.
وقال عظمته لما دعى أصحاب السعادة والعزة أعضاء لجنة الإدارة للجمعية الزراعية السلطانية للتشرف بالمثول بين يدي الحضرة السلطانية حيث كان أيضا دولة البرنس كمال الدين باشا نجل عظمته ورئيس أكبر قسم في تلك الجمعية، تقدم حضرة صاحب السعادة بوغوص نوبار باشا وكيل الجمعية وأعرب عن تهاني الأعضاء لعظمته وشكرهم للحضرة السلطانية لتفضلهم بدعوتهم، وطلب من عظمته أن يديم شمول الجمعية برعايته السلطانية.
فتفضل عظمة مولانا السلطان وألقى النطق العالي الآتي:
يا حضرات الأعضاء:
إني مسرور جدا من وجودي بينكم، وإني لا أنسى جهادكم تلك المدة التي قضيناها معا في الجمعية الزراعية منقبين عما يعود على الزراعة والمزارعين بالخير والبركات، وإني وإن كنت الآن بعيدا عنكم ولكني معكم بالروح والوجدان وسأوجه عنايتي دائما إلى هذه الجمعية ومساعدتها في تحقيق الأماني الكثيرة التي أنشئت لأجلها من نحو ستة عشر عاما. ومنذ ابتدأنا بها في حديقة الأزبكية ببضعة زهورات حتى وصلت إلى ما هي عليه من الارتقاء والنفع الجليل.
إن بلدنا زراعية وأساس ثروتنا هي الزراعة، فوجب علينا ترقيتها بكل الوسائل.
يوجد لدينا في القطر المصري وزارة الزراعة ولها أعمال كثيرة جليلة الفائدة، ولكني أود جدا أن يكون بجانبها أيضا جمعيتكم هذه تبحث وتنقب وتهدي الفلاح إلى ما فيه فلاح أرضه وزرعه، وليس ذلك بغريب لأن البلاد الأوروبية يوجد بها وزارات الزراعة وبجانبها كثير من الجمعيات الزراعية.
وإني سررت غاية السرور عندما بلغني أنكم قررتم بالإجماع بجلستكم أول البارحة رغبتكم الأكيدة في أعمالكم النافعة بهذا القطر، فأهنئكم من صميم قلبي على هذه العزيمة، وأتمنى لجمعيتكم نجاحا مستمرا إن شاء الله.
ولما تشرف حضرات رئيس الجمعية الخيرية القبطية وأعضائها بمقابلة عظمته حادثهم طويلا وحثهم على الاستمرار في الأعمال الخيرية، والعمل على تخفيف ويلات الفقر عن بني الإنسان، وتثقيف عقول بناتهم وأبنائهم وتطبيب مرضاهم. •••
ولما تشرف حضرات رئيس جمعية التوفيق القبطية وأعضائها بالمثول بين يدي عظمته تعطف، فسألهم عن حالة الجمعية وأعمالها ثم زودهم بنصائحه الرشيدة وحثهم على المثابرة على أعمال الإصلاح المفيدة، وأظهر مزيد عنايته بكل ما يتعلق بتقدم رعاياه. •••
وقال عظمته لسعادة مدير الجيزة محمود بك نصرت عند ما بلغه أنه أصلح بين عائلتي الزمر وعابدين:
وأجمع بينهما ثانية وأبلغهما بأن إرادتي تقضي بأن يكون هذا الصلح صلحا دائما وطيدا؛ إذ جل نيتي أن يكون رعاياي جميعا كعائلة واحدة على تمام الوفاق والوئام.
وقال عظمته لحضرة العلامة الدكتور يعقوب أفندي صروف أحد أصحاب جريدة المقطم الأغر بشأن العلم والتعليم:
إني عازم إن شاء الله أن أزور الأزهر الشريف وأقف بنفسي على أساليب التعليم فيه، ولو اقتضت هذه الزيارة ساعة أو ساعتين، ثم أنظر مع المتولين شؤونه في الأساليب التي ترقي العلوم العصرية فيه حتى تضارع ما فيه من العلوم اللغوية والشرعية، فيحافظ هذا المعهد العلمي العظيم على العلوم الإسلامية كلها ويضيف إليها ما ثبتت أصوله وتحقق نفعه من العلوم الرياضية كالجبر والهندسة والفلك.
قال صاحب الحديث: فقلت لعظمته إن هذه العلوم كانت تعلم في الأزهر وقد لقيت منذ نحو ثلاثين سنة بعض الذين درسوا مبادئها من شيوخه، ولما ذاكرتهم فيها بمصطلحاتها القديمة كالأس والمال والسمت والنظير أبرقت أسرتهم وقالوا هذه علومنا وهذه مصطلحاتنا العلمية، ولا ندري لماذا عدل المؤلفون عنها في هذا العصر.
فقال عظمته:
وسيكون لهذه العلوم وأمثالها شأن كبير في الأزهر لأنه أعظم مدرسة إسلامية في المسكونة، ويجب أن يبقى كعبة الطلاب من الهند والصين وبخارى وسمرقند وسائر الأقطار كما كان في سالف العهد حتى لا تفوقه مدرسة من المدارس الجامعة.
فقلت: ولكن البلوغ إلى ذلك يا مولاي يقتضي نفقات طائلة لا أظن أن المال المقطوع للأزهر يفي بها.
فقال عظمته:
أصبت، ولكن عندنا الأوقاف الإسلامية وهي كبيرة جدا وأنا مهتم بإصلاح شؤونها وإنماء دخلها وإنفاق ما يمكن إنفاقه منه على التعليم، وبإنفاقنا منه على الأزهر ننفع هذا القطر وكل الأقطار الإسلامية لأن العلماء الذين يتخرجون فيه يفيدون بلدانهم المختلفة فوائد لا تقدر. وسأزور أيضا مدرسة القضاء الشرعي وأقف على سير التعليم فيها وأهتم بشؤونها لأنني أحسب أن للمتخرجين فيها شأنا كبيرا في ترقية أخلاق الأمة بنوع عام، فإذا تملكتهم ملكات الخير استطاعوا أن يقضوا بحق الله ويرشدوا كل الذين لهم اتصال بهم إلى خير العمل. ثم أزور مدارس المعلمين والمعلمات حيث يتعلم مربو الأمة ولا سيما مدارس المعلمات لأن تعليم البنات صار من أوجب الأمور. ولا يكفي أن تتعلم البنت التكلم بالإنكليزية أو الفرنسوية بل لا بد من أن تتعلم قبل ذلك تدبير المنزل وتربية الأولاد. أي يجب أن تتعلم البنات ليكن ربات بيوت الأمة ومربيات الجيل المقبل فينظمن بيوتهن ويجعلنها مقر الأنس والراحة ويلتزمن الاقتصاد في النفقات حتى لا تزيد على ما يلزم لمن كان في منزلتهن ويربين أولادهن التربية الصحية والعقلية والأدبية حتى يشبوا أقوياء الأبدان أصحاء العقول مهذبي الأخلاق. ويسوءني جدا أن بعض بناتنا اقتصرن من التعليم على المنافسة في اتباع الأزياء والإسراف والتبذير.
سأزور سائر المعاهد العلمية وكل ما له شأن في رقي الأمة وإذا فسح الله في أجلي عشر سنوات فسترى أمتي بعون الله من سعى في إصلاح شؤونها وترقية مرافقها ما تتمناه ويتمناه لها كل محب لخيرها.
وقال عظمته لسيادة الأنبا مكسيموس صدفاوي مدير بطريركية الأقباط الكاثوليك ولأعضاء المجلس الملي لهذه الطائفة عندما تشرفوا بالمثول بين يدي عظمته:
يجب إزالة الفاصل الذي بين الطوائف حتى تتكون منها أمة واحدة مصرية تسعى إلى المصلحة العامة دون سواها، وتنبذ كل ما من شأنه التفريق، وإذا تم ذلك يبطل سعي الطوائف لمصالحها الخصوصية وتتوجه أفكارها إلى ما فيه المصلحة العمومية. وإن مبادئه أن لا يفرق بين الكاثوليكي والأرثوذكسي أو الإنجليكاني فجميعهم أبناء رعيته.
وأرسل عظمته للجمعية الخيرية الإسلامية الخطاب الآتي:
حضرة صاحب السعادة وكيل الجمعية الخيرية الإسلامية:
تعلمون وفقكم الله جميعا مبلغ اهتمامي بشأن الجمعية الخيرية الإسلامية وإعظامي لمبادئها الشريفة وتمنياتي نحو استمرار رقيها ونياتي في سبيل إعلاء شأنها، وإني ما تخليت عن رئاستها إلا ونفسي متعلقة بها وبكل ما يعود عليها بالخير والسعادة. فكان انعقاد جمعيتكم العمومية في هذا اليوم من أحسن الفرص عندي لإهدائكم وحضرات أعضاء الجمعية تحياتي القلبية مع تقدير مساعداتكم الحسية والمعنوية لها حق قدرها، فأنا أحييكم شاكرا لا مودعا لأني معكم بالقلب والجنان. وإن ارتقائي عرش مصر لا يحجب الجمعية ولا يحجبكم عن نظري طرفة عين، فأرجو أن تعتبروني معكم في كل جلسة وفي كل اجتماع، وإني مشارك لكم في كل رأي تنتفع به الجمعية وينتفع به أبناؤنا طلاب خيرها؛ ذلك لأن الغرض السامي الذي تنشده الجمعية من إحياء النهضة العلمية وتحسين حال البائس والفقير في البلاد يتفق تمام الاتفاق مع رغباتي الصميمية. هذا وقد اقتضت إرادتي أن يكون لقسم الإعانة بالجمعية نصيب من مساعدة خزينتي الخاصة بفضل الله، كما أنها ستتكفل سنويا بالنفقات التي يحتاجها أنبغ طالب من طلبة مدارس الجمعية لإتمام دروسه في أوروبا، وأن تخصص ثلاث جوائز للثاني والثالث والرابع من التلامذة مكافأة لهم وتشجيعا لإخوانهم على الجد والعمل ومن جد وجد. والله المسؤول أن يوفقني وإياكم لخير البلاد.
الإمضاء
حسين كامل
13 ربيع الأول سنة 1333 / 29 يناير سنة 1914
فأرسل مجلس إدارة الجمعية لعظمته الرد الآتي:
أيها المولى المفدى!
إن نعم مولانا الجليل أيده الله بروح من عنده على هذه الجمعية تعددت وتواردت الواحدة بعد الأخرى، فكانت مصدر حياة طيبة لها وتابعا لتقرير أعمالها عن سنتها الثالثة والعشرين.
وقد كان أول عمل بوركت فيه أعمال جلسة جمعيتها العمومية في يوم 13 ربيع أول سنة 1333 / 29 يناير سنة 1915 تلاوة ذلك الكتاب الكريم الذي تفضلت عظمتكم بتوجيهه تحية وتشجيعا لأعضائها، مضافا إلى ذلك إعلانها بما اقتضته الإرادة السنية من خير جزيل وبر عاجل، فكانت هذه التحية وتلك المنح والالتفات السامي براهين جديدة ودلائل سنية تبشرنا بأن هذه الجمعية التي تدرجت في السنوات التسع التي تشرفت برئاستكم من أدوار الطفولة الأولى إلى درجة الشبيبة والرشد بفضل جميل عنايتكم لها وعظيم رعايتكم إياها، ستنال إن شاء الله في المستقبل تحت ظل رايتكم من هذه الفيوضات السلطانية عضدا قويا ومشجعا دائما على مضاعفة أعمالها لتحقيق رغباتكم السامية من إحياء النهضة العلمية وتحسين حال البائس والفقير من رعاياكم المخلصين. وإن أقدس الأعمال وأشرفها لدينا أن تكون متفقة مع تلك الرغبات السامية.
قابلت الجمعية هذا المرسوم السامي بالإجلال والإعظام وقررت بالإجماع تكليف مجلس إدارتها بأن ينوب عنها في أن يعرض على عظمتكم ما يخالج نفوس الأعضاء كلهم من السرور والشكر على هذه الانعطافات والمنح السلطانية الصادرة من نفس خالصة وشفقة أبوية صحيحة، ويرى مجلس الإدارة أشرف ما يفتخر به أن يرفع إلى عظمتكم بلسان الجمعية وأعضائها وطلاب مدارسها الذين سجل لهم التاريخ بأمركم الكريم شرف بنوتهم لذاتكم العلية رأفة من عندها أجمل عبارات الحمد والثناء وأبين آيات الولاء والإخلاص، راجيا من الحق جل وعلا أن يديم عظمتكم عضدا ونصيرا لرقي هذه الجمعية ومعاهدها والقائمين بخدمتها. •••
وقال عظمتنا لحضرات أعضاء الجمعية الخيرية السورية للروم الأرثوذكس:
الدين لله وإنما يمتاز الإنسان في هذه الحياة الدنيا بالكفاءة والأخلاق وإنه يقدر الناس على قدر عقولهم وأعمالهم الطيبة مهما كان دينهم، وإن التربية الصالحة من أهم الأمور، فالعلم وحده لا يغني عنها ولهذا قال وما زال يقول على الدوام: (علموا البنات علموا البنات)، حتى تتوفر في الأمة الأمهات الصالحات اللواتي يربين أولادهن على الصدق والاستقامة وخوف الله. فالتربية هي أساس التقدم والعمران، والعمل النافع إنما يكون بالتعاضد والتعاون. إن الله جعل الناس طبقات بعضها فوق بعض حتى يساعد القوي الضعيف والغني الفقير ويتضافرون جميعا على العمل الصالح، فالعظيم إنما هو العظيم بعمله ومجهوداته ومبراته، وإلا فأي فضل للغني على الفقير وأية ميزة للملوك والسلاطين على سواهم، أليس مصيرنا جميعا إلى القبر حيث يتساوى الكبير والصغير؟ أوليست شرائعنا جميعا على اختلاف دياناتنا وكتبنا تعلمنا أن الناس متساوون أمام الله يوم الحساب؟
واستطرد عظمته إلى ذكر الأحزاب فقال:
إن مصر كلها يجب أن تكون حزبا واحدا في طلب الخير والسعادة لهذا القطر لا للمتاجرة بالمصالح الذاتية والمطامع الشخصية. إن الذين يتجرون بالوطنية لقضاء أغراضهم ومصالحهم كثيرا ما يكونون غرباء عن هذه البلاد ، فلا يبالون بما تنتجه أعمالهم من النتائج السيئة، فإذا طرأ طارئ حملوا حقائبهم على ظهورهم وعادوا إلى بلادهم آمنين وتركوا الدار تنعي من بناها. أما أنا فورائي 12 مليونا من رعاياي تضطرني واجباتي أن أشاطرهم العيش في السراء والضراء وأن أبقى معهم وأنهض بهم وأسير في مقدمتهم إلى أن أبلغ بهم البر الأمين.
لما تشرف حضرات أعضاء المجلس الملي للطائفة الإنجيلية في هذا القطر ومندوبي سنودس النيل بمقابلة عظمة مولانا السلطان، تفضل عظمته فخاطبهم في عدة مواضيع عظيمة الشأن تتعلق بخير القطر، ومما قاله حفظه الله وأيده:
يسرني أن أرى اهتمامكم برفع شأن الآداب والعلوم في البلاد ولا سيما تهذيب الأخلاق فإنه يفضل كل شيء، ويهمني جدا انتشار روح الألفة والاتحاد بين جميع العناصر المصرية فإنها الطريقة المثلى إلى الارتقاء.
ثم أفاض عظمته في أمر تربية البنات وتهذيبهن فقال:
إن النساء خلقن ليسعدننا لا ليخدمننا، وخير سبيل إلى نيل السعادة أن نجتهد في إيجاد سيدات نافعات للبلاد كما نجتهد في إيجاد رجال نافعين لها. وختم حديثه السلطاني بما يفكر فيه من المقاصد الحسنة لتقدم البلاد اقتصاديا وأدبيا.
فرد أحد أعضاء الوفد على عظمته وقال: «من أعظم أسباب الشرف لهذا الوفد نيله رضى عظمتكم وشرف المثول بين يديكم لتقديم فروض الولاء والإخلاص، وأعظم ما يسره أن يرى عظمتكم على سرير سلطنة مصر سائلا الله أن يمنح عظمتكم العمر الطويل والملك السعيد لإتمام جميع رغائبكم الصالحة لخير البلاد.»
وقد خرج الوفد من لدن الحضرة السلطانية وهو يجهر بالدعاء لعظمة مولانا السلطان لما لقيه من رعايته السنية. •••
لما بلغ مسامع صاحب العظمة مولانا السلطان أن المرحوم أحمد حلمي أفندي الضابط الباسل في المدفعية المصرية الذي بذل حياته في أداء واجباته على ضفاف قنال السويس قد استشهد في خدمة سلطانه وبلاده من غير أن يخلف وراءه شيئا يذكر، وأنه ترك والدة ثكلى وشقيقة حزينة مفطورة الكبد لا يستحق لهما من معاش فقيدهما سوى جنيه واحد في الشهر، تحركت عوامل الرأفة في صدر عظمته وأشفق عليهما من أن يعضهما الدهر بنابه القاسية، ولا سيما في الأحوال الحاضرة، فأصدر حفظه الله أمره الكريم إلى صاحب السعادة ناظر الخاصة السلطانية بأن يربط لهما خمسة جنيهات مخصصا شهريا للاستعانة به مع ما يستحق لهما من معاش فقيدهما على المعيشة.
أدام الله عظمته ذخرا لرعيته وغياثا للملهوفين منها ومد في أيام عظمته وأيد سرير سلطنته.
المبرات السلطانية
ماذا أقول: فلو أنه كان لي قلم صيغ من سحر البيان لوقف عاجزا عن أن يوفي عظمة مولانا السلطان حقه من الشكران، وإنما التاريخ قائل الخبر وحافظ الأثر لا يعرف لإنسان في الوجود حسنة ضاعت عليه، وقد ادخر أكرم منازله لمن ينادي بلسانه ويده أن الإنسان للإنسان وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
فقد فاضت سحب مكارم عظمته، على أبناء أمته، وأحيا عهد الكرم بإجزاله العطايا والنعم، وتنافس في المغانم، وسارع إلى المكارم، فأقام له في البلاد صرحا من الفخر، وحصنا من طيب الأحدوثة والذكر، وتحدثت بفضل عظمته الركبان، وجرى ذكر مفاخره على كل شفة ولسان، حتى غدا ينشد كل إنسان:
يا لسان الزمان لفظا ومعنى
وربيع الأنام كفا ومغنى
تعتلي كوكبا وتشرق شمسا
وتحامي ليثا وتنهل مزنا
سار مولانا السلطان في الرعية، سيرة طاهرة ذكية، فأعلى منار العدل، وأحيا عهد الفضائل والنبل، قال الله عز وجل:
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور .
ولقد اغتبطت الرعية بسلطانها العادل، وغدت تنشد قول الشاعر القائل:
ألقت مقاليدها الدنيا إلى ملك
ما زال وقفا عليه الجود والكرم
فاللهم أيده بالنصر في دوام نعمته، وأحط الرعية بطول مدته، اللهم شد أزره، وأطل عمره، واجعل أيامه أيام سعد وصفاء ورغد ورخاء، وصنه بملائكة السلام واحفظه مع الأنجال الكرام ما تعاقبت الأيام والأعوام.
إن الهبات الوافرات التي جادت بها المكارم السلطانية كثيرة وافرة، وإنني أسرد ما وصلت إليه معرفتي مما أذاعته الصحف، وهو نذر يسير من تلك الهبات الوافرات، ولكن القليل يدل على الكثير، فأقول:
وهب عظمة مولانا السلطان الأعظم خمس مئة جنيه للجمعية الخيرية الإسلامية، وتفضل جزاه الله خيرا بخمس مئة جنيه سنويا للجمعية المشار إليها أيضا، ثم تكرم فوهبها جانبا من ريع وقف الشيخ صالح من الأوقاف السلطانية الخصوصية يكفي النفقات اللازمة لإنشاء مدرسة لتعليم البنات الفقيرات تسع ثلاث مئة بنت.
أما مدرسة الصبيان التي ينفق عليها من ريع وقف الشيخ صالح وتديرها نظارة الوقف المذكور، فقد استصوب عظمته أن تضاف إدارتها وإدارة الريع الذي ينفق عليها إلى الجمعية الخيرية الإسلامية أيضا.
ألف جنيه إعانة لطلبة العلم الشريف
يسهر عظمة مولانا السلطان بعين لا تنام على مصلحة رعيته ورفاهها ولا يجد راحة إلا في راحتها، ولما رأى أعزه الله أن وطأة الأزمة المالية قد ثقلت على أصناف الرعية، وخصوصا على طلبة العلم الشريف وخدمته، صدرت إرادته السنية إلى الخاصة الخديوية بصرف ألف جنيه من الجيب الخاص إلى وزارة الأوقاف هبة من عظمته توزعها على طلبة الأزهر الشريف الذين اشتدت بهم الحاجة إلى المساعدة في هذه الأيام الصعبة. فجاءت هذه المبرة السلطانية دليلا قاطعا على ميل عظمته إلى رفع منار العلم الشريف وإعانة خدمته. فأهل العلم عموما وطلبة الأزهر الشريف خصوصا يدعون إلى الله سبحانه وتعالى أن يجزل ثواب عظمته ويرعاه بعين عنايته ويطيل عمره ليكون ملجأ لأمته وذخرا لرعيته.
ولقد جادت قريحة حضرة الأستاذ الفاضل الشيخ علي حسين المفتي المنياوي الطالب بالأزهر الشريف فنظم قصيدة عبر بها عن عواطف الأزهريين نحو عظمة مولانا السلطان وشكرهم له على ما أغدق عليهم من نعمة وما شملهم به من كرم، وها هي:
النيل يجري من نداك
ادع المعالي أنهن إماء
ومر الزمان بما ترى وتشاء
وارج الذي ترجو فجوك صاعد
والله عونك والنفوس فداء
يا أيها الملك الذي لجلاله
تعنو القلوب وتخضع العظماء
النيل يجري من نداك فترتوي
منه البلاد وتكثر النعماء
في عصرك الزاهي المعارف أشرفت
وبدا لها في المشرقين ضياء
للأزهر النعمى منحت وعاجز
عن شكرها الطلاب والعلماء
حياك منبره الذي من فوقه
ندعو ومنا يستجاب دعاء
خففت هم البائسين وهكذا
جود الكرام وهكذا الرحماء
عدل ومرحمة وحلم زانه
جود وقلب طاهر وذكاء
من كان مثلك في الملوك فإنه
ملك سعيد قومه سعداء
خذ من قلوب المخلصين وعطفهم
حرسا فإن قلوبنا أمناء
عش يا ابن إسماعيل للملك الذي
بالعدل منك له سنا وبقاء
تعطف مولانا السلطان المعظم على عمد البنوان وطنباره وجبارس وأهلها المستأجرين للأطيان التابعة للدائرة الخاصة السلطانية بتلك الجهات، فاقتضت مراحمه السنية إعفاءهم من جميع ما عليهم من المتأخر إلى آخر العام الماضي وخصم عشرة في المئة من مجموع إيجارات السنة الحالية، فبلغ مقدار ما أعفوا منه خمسة وعشرين ألفا من الجنيهات المصرية. •••
تفضل عظمة مولانا السلطان فأمر بأن تتجاوز الأوقاف السلطانية الخصوصية لمستأجري أطيانها عن 10 في المئة من قيمة الإيجار سنة 1914، وأن تخفض قيمة الإيجار لهم 10 في المئة أيضا سنة 1915 وتقسط المتأخر عليهم أقساطا يسهل دفعها، فانطلقت ألسنة المستأجرين بالشكر لعظمته على رفقه بهم وشفقته عليهم والدعاء إلى الله أن يطيل عمره ويجزل ثوابه.
لما تشرف مجلس الإدارة لجمعية تحسين حال العميان بالمثول بين يدي الحضرة السلطانية قدم صاحب العطوفة حسين رشدي باشا الرئيس الأعضاء الحاضرين إلى عظمته، فاستعلم مولانا السلطان عن غرض الجمعية وأحوالها الحاضرة، فأجاب صاحب السعادة علوي باشا أن غرض الجمعية تحسين حال العميان بتهذيبهم وتعليمهم صناعات يدوية يرتزقون منها فلا يكونون عالة على الأمة، والتمس رعاية عظمته السامية لها فتعطف مولانا السلطان وشكر لحضرات الأعضاء عنايتهم بهذه الفئة البائسة ووعد أن يرمقها بنظره السامي ويساعدها أدبيا وماديا من الجيب السلطاني ومن خزينة وزارة الأوقاف باشتراك عطوفة رئيس وزارته رئيس الجمعية، فخرج الأعضاء من الحضرة وهم يدعون لعظمته بالعز والتأييد. •••
ولما تشرف مجلس إدارة جمعية الإسعاف الخيرية بمقابلة عظمته وتناول الطعام على مائدته. وبعد خروجهم أمرت عظمته بنفح هذه الجمعية النافعة التي نالت عنايته قبل اليوم بمبلغ مئتي جنيه من الخاصة السلطانية، فقابل مجلس الإدارة هذه الهبة بالدعاء لعظمته. •••
وعلى أثر زيارة عظمته للجرحى الإنكليز والعثمانيين تكرم عظمته وأهدى لجرحى الجنود البريطانية والهندية في القلعة والعثمانية في قصر العيني ثمانية آلاف سيجارة من أفخر سجاير جناكليس في علب صغيرة، ومقدارا كبيرا من أطيب أنواع الحلوى والملبس في سلال صغيرة زينت بأنواع الشريط الغالي بعناية صاحبة العظمة السلطانة وصاحبات الدولة الأميرات كريمات عظمته. فسلمت الهدية إلى رئيس المستشفى العسكري في القلعة وإلى جناب الدكتور كيتنج في قصر العيني فتلقياها بمزيد الشكر والامتنان. •••
تفضلت حضرة صاحبة العظمة والعصمة السلطانة فشملت برعايتها اللجنة المؤلفة من العقيلات المصريات والإنكليزيات لإعانة الأسرى العثمانيين، وجمع المال لهم بالاكتتاب من المتبرعين المحسنين، وقد تبرعت عظمتها أجزل الله لها الأجر والثواب بمئتين وخمسين جنيها من مالها لتصرف في هذا السبيل. •••
ثم إن عظمته فاضت مكارمها على خدمة المساجد بهبات أنطقتهم بالشكران والدعاء بطول بقاء عظمته، فإنه تبرع أيده الله لخدمة مسجد سيدنا الحسين بمبلغ 30 جنيها، و20 جنيها لخدمة مسجد السيدة نفيسة، و30 جنيها لخدمة مسجد الرفاعي، و20 جنيها لخدمة مسجد عابدين، ولخدمة المساجد الأخرى التي أدى عظمته فيها صلاة الجمعة مما لم يسبق له نظير فيما مضى من الزمان. وأما هبات عظمته لأهل العلم فإني سأذكرها في الفصل الذي خصصته لزيارة مولانا السلطان لمعاهد العلم.
السلطان في المعاهد العلمية
كانت فاتحة أعمال عظمة مولانا السلطان زيارة المعاهد العلمية، وكانت أحاديثه الأولى عن سلطنته العزيزة الحث على العلم، وكانت مساعيه الأولى في خير البلاد وخدمتها نشر العلم حتى يكون مجانا لجميع أبناء الأمة وحتى يكون إجباريا فلا يهمل والد ولده بلا علم، والأمم تسود وتثري وترقى وتستقل بالعلم.
والعلم يحيي قلوب الميتين كما
تحيا البلاد إذا ما مسها المطر
فعظمة مولانا السلطان أيده الله وضع نصب عينيه منذ جلوسه على أريكة السلطنة الاهتمام بشؤون رعاياه وتوفير أسباب سعادتهم وتحريرهم من عبودية الجهل وإنارة أبصارهم بنور العلم والعرفان حتى يسيروا في طريق النور والسائر في النور لا يضل. إن الأمم الناهضة تحتاج في فجر نهضتها إلى قائد خبير ومرشد صالح يسدد خطواتها حتى لا تعثر في سيرها، ومن فضل الله على هذه البلاد أن قيض لها عظمة مولانا السلطان الكامل حسين الأول الذي يبذل كل مجهوداته لرفع شأن الأمة والسير بها في طريق النجاح والفلاح حتى تبلغ ذروة المجد وليس ذلك بعزيز على همة عظمته.
وقد وجدت إتماما للفائدة وإظهارا لفضل عظمة مولانا السلطان أن أذكر زياراته المعاهد العلمية حتى تكون شاهدا عدلا ناطقا على ما لعظمته من الأثار المأثورة والأعمال المبرورة والمساعي المشكورة التي ستؤول إن شاء الله إلى تقدم مصر وأهلها في معارج الرقي والفلاح. (1) في الأزهر الشريف
ركب عظمة السلطان صباح الاثنين الموافق 24 ربيع الأول سنة 1333 / 8 فبراير سنة 1915 من سراي عابدين في موكب رسمي فخم، وركب إلى يساره حضرة صاحب العطوفة رشدي باشا رئيس الوزراء، وتبعت العربة السلطانية العربات التي تقل أصحاب السعادة والعزة سعيد ذو الفقار باشا ومحمود شكري باشا واللواء إسماعيل مختار باشا حتى وصل إلى الأزهر الشريف. فأدت لعظمته التحية ثلة من الجند بقيادة حضرة عزتلو القائمقام أحمد بك حمدي سيف النصر مساعد الحكمدار، وحافظ علي النظام في داخل الأزهر بوليس السراي بقيادة حضرة اليوزباشي مصطفى أفندي أنور كجوك معاون بوليسها. واستقبل عظمته حضرة صاحب العزة عباس بك الدرمللي وحسن بك عفيفي من رجال التشريفات.
ولما نزل عظمته من العربة استقبله حضرات أصحاب الفضيلة والسعادة أعضاء المجلس العالي للأزهر يتقدمهم الشيخ سليم البشري وإسماعيل صدقي باشا وزير الأوقاف وحسن بك صبري المستشار القضائي والشيخ محمد حسنين مخلوف مدير المعاهد الدينية والشيخ البسيوني والشيخ سليمان العبد والشيخ محمد بخيت المفتي وعبد الغني بك شاكر سكرتير المعاهد الدينية ثم حضرات أعضاء مجلس إدارة الأزهر.
وفي الساعة العاشرة إلا ثلثا صباحا وطئت قدمه أرض الأزهر الشريف من بابه العمومي وأمامه وخلفه حضرات الياوران الكرام ومن ذكرنا من الوزراء والعلماء وجميع موظفي الأزهر، وما زالوا سائرين بين يدي عظمته حتى وصل إلى مكان التدريس في البناء الواسع القديم الذي تشرف عليه القبلة القديمة وهي التي وضعها جوهر قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي. فأخذ يشرف على إلقاء الدروس ويمعن النظر في إلقاء الشيوخ ويستفهم ويستفسر عن الجزئيات قبل الكليات إلى أن انتهى من هذه الجهة. ثم صعد إلى البناء الجديد الذي يسمى في عرف الأزهريين ب (الليوان) فتفقد الدروس فيها، وأخذ يستفهم من حضرات العلماء عن أسماء الكتب التي يدرسها كل عالم، ويستفهم في أثناء ذلك من عطوفة رئيس الوزراء وسعادة وزير الأوقاف عن حالة الأزهريين والأزهر، حتى إذا ما انتهى من هذه الزيارة شرف بالزيارة رواق الشراقوة فرواق المغاربة فرواق الأتراك فالكتبخانة الأزهرية. ثم أمر عظمته بتحريك الركاب العالي لزيارة جامع المؤيد وهو أحد المعهدين المخصصين للقسم النظامي، وعند ذلك أظهر لفضيلة شيخ الأزهر سروره من حالة التدريس ووعد بأن يزور الأزهر مرات عديدة ليقف بالتدقيق على حالته ليمضي أمره العالي في إدخال الإصلاح. فشكر فضيلة الشيخ لعظمته باسم الأزهر والعلماء هذا التنازل السلطاني وما يؤمل الأزهريون من الخير لمعهدهم على يدي عظمته، وقد استغرقت زيارة عظمته للأزهر ثلاثين دقيقة. •••
وفي الساعة العاشرة و15 دقيقة وصل عظمته إلى جامع المؤيد فاستقبل استقبالا حافلا وأدت له الجند التحية العسكرية. ثم ألقى حضرة الأستاذ الفاضل الشيخ علي سرور الزنكلوني أحد مدرسي القسم النظامي لسنته الرابعة بين يدي عظمته الخطبة الآتية:
يا عظمة مولانا السلطان أعانك الله وأعز بك مصر والإسلام!
مولانا إن يوما يممت فيه بيوت الله لتفقد طلاب العلم وحالة العلماء لهو يوم العيد الأكبر عندهم.
وإن قلوبهم لتحيي عظمتك بالدعاء كما أحييت آمالهم بهذه الحظوات المباركة وهذا الإحسان العظيم.
وإن دولة العلم أصبحت مدينة لعظمتك دينا لا تستطيع الوفاء به مهما رفعت من أعلام الشكر وضجت بالدعاء، كما أن مصر رهينة لعظمتك في دين مكارمك وإحسانك من مهدك إلى سلطنتك. لهذا وجب علينا شكرا للنعمة أن نبتهل إلى الله تعالى في كل آن بهذا الدعاء:
اللهم أدم حياة عظمة مولانا سلطان مصر حسينا الكامل الأول، اللهم أيد به ملك مصر وأعز بعظمته الإسلام والمسلمين، اللهم باعد بينه وبين كل هم وكدر كما باعدت بين السماء والأرض، واحفظ لعظمته دولة نجله ووزراءه ورجال حكومته ولا سيما مولانا شيخ الجامع الأزهر آمين والحمد لله رب العالمين.
فأمن الطلبة على هذه الدعوات الصالحة، وأجابه عظمة مولانا السلطان بما خلاصته: إنه يريد خير الجميع، وإنه لا يميز بين أحد من رعيته، وإنه يريد أن يتعلم هؤلاء الطلبة ليكونوا رجالا لدينهم ووطنهم. ووضع يده على رأس أحد الطلبة وقال: «أريد أن يتعلم هذا» فأبرقت أسرة الحاضرين، ثم انتقل إلى درس آخر فتلا بين يديه أحد الطلبة: هو الشيخ كامل عبد العال عبد الله من شبشير مركز منوف منوفية، بعض أبيات ضمنها دعاء صالحا لعظمته، فسر منها كثيرا، وشجع هذا الطالب بكلمات عذبة وطلب منه ومن إخوانه أن يتعلموا، ووعدهم بأنه سينظر في ترقية أمور هذا القسم مع الأزهر. ثم انتقل إلى درس آخر فاستقبله أحد الطلبة: هو الشيخ محمد النشيف، بالنشيد الذي استقبل به النبي
صلى الله عليه وسلم
وهو:
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
ثم دعا لعظمته دعوات فأمن إخوانه عليها فشكره عظمته وابتسم.
ثم انتقل إلى درس آخر فألقى بين يدي عظمته الشيخ حسن محمد زهراز من طلبة العلم ومن قاطني مصر دعوات صالحة أيضا، فشجعه كثيرا وأثنى عليه. ثم وقف برهة في صحن ذلك المسجد الأثري ولاحظ برد جوه بالنسبة لقرب الطلبة منه، ثم بشر حضرات العلماء بأنه سيهتم بالتعليم اهتماما كبيرا وأن مسألة إصلاح الأزهر وإرجاعه إلى سابق عزه ومجده ستكون أول المسائل التي يعنى بشأنها.
ثم تحرك الموكب العالي ميمما سراي عابدين العامرة يتبعه الوزراء وحضرات العلماء، وقد استغرقت الزيارة في هذين المعهدين ساعة كاملة غير زمن الذهاب والإياب. (2) في مدرسة القضاء الشرعي
أنشئت مدرسة القضاء الشرعي بأمر عال صدر في 25 فبراير سنة 1907 لتخريج قضاة ومفتين ووكلاء دعاوى وكتبة للمحاكم الشرعية. ولاعتبارها قسما من الجامع الأزهر جعلت تحت إشراف شيخ الجامع المذكور، وما زالت هذه المدرسة تتدرج في النمو حتى بلغ عدد طلبتها في هذا العام 429 طالبا وعدد أساتذتها 33.
وفي يوم الأربعاء الموافق 10 فبراير تفضل صاحب العظمة مولانا السلطان فزار هذه المدرسة، وقد سار إليها بموكبه الحافل يحفه الجلال والوقار، فاستقبله عند بابها الكبير حضرة صاحب العزة عاطف بك ناظر المدرسة ومعه صاحب الفضيلة الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر والشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية وأصحاب السعادة عبد الخالق باشا ثروت وزير الحقانية وسعد باشا زغلول وأحمد زكي باشا سكرتير مجلس النظار وبقية أعضاء مجلس إدارة المدرسة ومجلس إدارة الأزهر الشريف. ثم سار المستقبلون بين يدي عظمته إلى ساحة المدرسة، فرفع الطلبة أيديهم إلى رؤوسهم إجلالا واحتراما، وهتف حضرة ضابط المدرسة ثلاثا: فليحيى صاحب العظمة مولانا السلطان. فكرر الطلبة هذا الدعاء فحياهم عظمته بلطفه المشهور ثم انصرف الطلبة إلى غرفهم. ودخل عظمة السلطان والذين معه غرف التدريس ولاطف المدرسين والطلبة بكلمات عذبة ملأت نفوسهم سرورا وآمالا. ثم دخل إلى مطبخ المدرسة معاينا الأكل الذي يطهى للطلبة والآنية التي يقدم فيها، ثم انتقل إلى غرفة ناظر المدرسة فجلس وقدم الناظر إلى عظمته سجلا فحط بيده تاريخ زيارته المباركة.
وألقى عظمته على الطلبة الكلمات الآتية:
كنت أود من مدة مديدة وسنين عديدة أن أزور مدرستكم الكبرى لأتشرف بكم؛ لأنكم أيها الطلبة ستكونون في المستقبل، بعد انتهاء مدة دراستكم، كعبة الأمة في المحاكم الشرعية ومحل آمالهم في القضاء الشرعي، وسيكون منكم أساتذة للتعليم في المدارس، وبالجملة فسيكون منكم رجال المستقبل ولا بد أنكم تعلمون أنكم مدينون لحضرات أساتذتكم وللأمة التي أنفقت عليكم.
لذلك أعد نفسي سعيدا بزيارة مدرستكم وإن شاء الله سأهتم بأمركم لأنكم تتعلمون من فضل أموال بيت المسلمين.
نعم إن عليكم دينا واجب الأداء وهو الشكر لأساتذتكم أولا واحترامهم ثم للأمة حينما تجلسون على منصة الأحكام، واعلموا أن الوطنية ستكون على الدوام شعاركم والإخلاص للوطن رائدكم، وقد سمعت من أحد أساتذتكم كلامه عن التعاون فكونوا في حياتكم المستقبلة عونا لإخوانكم الذين يأتون بعدكم.
واستطرد عظمته من ذلك إلى إطراء مدرسة القضاء الشرعي وناظرها ومدرسيها بعبارة تفاخر بها المدارس بلا مراء، فقال:
إذا كنت أعد نفسي سعيدا بزيارة المدارس في القطر فإن مدرسة القضاء الشرعي هي فخر المدارس، وكنت أسمع عنها ذلك فتحققته الآن.
ولما سجل عظمته في غرفة ناظر المدرسة زيارته في سجل المدرسة بيده السلطانية الكريمة، التفت إلى فضيلة الأستاذ الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر والذين معه من أعضاء مجلس الأزهر الأعلى ومجلس إدارته، وقال:
وقد نظرنا حالة الأزهر ونظرتم معنا حالته ونظرنا الآن إلى هذه المدرسة في حالتها الراهنة، وأتمنى أن تكون المعاهد الدينية كلها على أساس متين مثلها.
فأجابه الأستاذ الشيخ أحمد البسيوني قائلا: «إن شاء الله بفضل عنايتكم سيكون الأزهر في نظامه مثلها لأنها من فروعه.»
فقال عظمته ما مؤداه:
لقد شاهدنا في هذا النظام ما شاهدتم معنا، وسنزور الأزهر مرات إن شاء الله ونشاهد التقدم الذي يكون في نظامه.
وقبل انصراف عظمته من المدرسة جاء حضرة الشيخ عبد الوهاب خلاف من طلبة السنة الرابعة فاستأذن، وألقى بين يديه الكريمتين الخطاب التالي:
مولاي!
للبيت العلوي الكريم على العلم في مصر يد لا تطاول، ومنة لا ينسى ذكرها وشكرها فيه خرجت العقول المصرية من ظلمات الجهالة المذلة إلى نور العلم الذي أوضح للأمة طريق الرقي وأبان لها معالم الحياة، وكان واسطة هذا البيت ساكن الجنان إسماعيل باشا عليه من الله الرحمة والرضوان، فهو الذي تناول الغرس الذي وضعه جدكم العظيم الشأن محمد علي باشا فسقاه وأنماه وبذل جهده العالي في حراسته فلم يلبث أن أينعت زهرته وأثمر. ولقد كنتم له يا مولاي نعم العون الأمين والساعد المتين في نظارة المعارف العمومية.
كان تلاميذ المدارس تنتعش أنفسهم وترتاح أفئدتهم كلما رأوه أمامهم في امتحاناتهم، وكثيرا ما كان بذلك يسرهم، فأقبل أهل مصر على تلك المدارس متسابقين بعد أن كانوا يقادون إليها في عهد جدكم الكريم، لأنهم لم يكونوا بعد قد فقهوا غايتها وأدركوا سر عظمتها.
هذه الشجرة التي غرسها جدكم، وأقام بإتمامها ساكن الجنان والدكم، تبدو اليوم زاهية زاهرة بجلوس مولانا السلطان على عرش آبائه. واثقة أن ستكون في عصره الباهر طويلة الأغصان، وارفة الظلال يستظل بها جميع أبناء هذه الأمة ويجنون من ثمراتها ما يزيدهم في سعادة الحياة أملا. كيف لا وقد كان من أول ما اتجهت إليه إرادتكم السلطانية وعزيمتكم الحسينية تشريف معاهد العلم وإفاضة السرور على قلوب بنيها.
ولمدرسة القضاء الشرعي يا مولاي شرف السبق بهذه الحظوة ونعمة الفوز بهذه العناية، لذلك تعد هذا اليوم بدءا لحياة جديدة سامية، وروح مباركة نامية، تذكره في مستقبل الأيام وستعمل لتحقيق مقاصدكم العالية من خدمة الأمة والوطن، وشعارها الصدق في القول والإخلاص لعرشكم الثابت الأركان. أيد الله ملك عظمتكم بروح من عنده وجعل كلمتكم هي العليا، إنه نعم المولى ونعم النصير.
فالتفت عظمته إلى الحاضرين وقال:
أطلب منكم أن تقولوا آمين آمين وأن يتم الله السعادة للأمة المصرية.
وعلى أثر هذه الزيارة أرسل عظمته إلى فضيلة الأستاذ شيخ الجامع الأزهر ورئيس مجلس إدارة مدرسة القضاء الشرعي الأمر الكريم الآتي:
إن سعادة البلاد لا تتم إلا بالعلم، فيه يحصل التضامن في المنافع دينا ودنيا، فلا تنال الحقوق إلا بالعلم، ولا ينمو المال إلا بالعلم، ولا ترقى الصناعة إلا بالعلم. وبالجملة لا يعلو شأن الأمم في البلاد كلها إلا بالعلم. وحيث كان هذا أهم ما تتجه إليه أفكاري نحو بلادي وأهلها فجعلت وجهتي زيارة المعاهد العلمية حبا لها وحرصا على توسيع نطاقها، فبدأت بجامعنا الأزهر وثنيت بمدرسة القضاء الشرعي التي هي فلذة كبده، فكانت هذه المدرسة ضالتي التي أنشدها فقرت بها عيني وانشرح لها صدري ورجوت لها ومنها خيرا عظيما ونفعا عميما إذ ألغيتها سائرة على الطريق الذي يتوصل منه لسعادة البلاد إن شاء الله، فقد رأيت فيها العناية بالعلوم الدينية والهمة في طلب العلوم الدنيوية لا تمنع إحداهما الأخرى وهذا ما أتمناه لأبناء بلادي، فإنهم كلما تقدموا في العلم بأمور معاشهم ومعادهم انفسح لهم الأمل للتقدم في سبيل النجاح والفلاح. وإني لفي أمل عظيم للحصول على هذه الغاية المطلوبة من هذه المدرسة بهمة حضرات أساتذتها ومدبري شؤونها ومداومة الطلبة على ما شاهدته فيهم من الانقياد لأوامر القائمين بأمورهم فيها. فإن المحافظة على النظام هي نوع من أنواع التعاون على المقاصد الشريفة، وهي المميز بين المتعلم والجاهل.
وإني الآن أوافيكم بمرسومي هذا مصرحا بما حق علي من الشكر لكل من كانت له يد بيضاء في تأسيس هذا المعهد الشريف، وإيصاله لهذه الدرجة الممدوحة التي يغبطه عليها غيره داعيا له بالاستمرار في هذه الخطة الحميدة متمنيا لباقي المعاهد العلمية السير على منهاجه. وإني قد أمرت بتخصيص جائزتين من خزينتي الخاصة السلطانية سنويا: الأولى ستون جنيها، والثانية أربعون جنيها للأول والثاني من الناجحين في الامتحان السنوي من طلبة هذا المعهد اعتبارا من آخر السنة الدراسية الحاضرة. وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينير بصائرنا للسعي في أمور ديننا ودنيانا على ما يرضيه من الخير والتقوى وحسبنا في أعمالنا قوله عز وجل:
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى
صدق الله العظيم.
ثم تشرف بعد ذلك بمقابلة عظمته لجنة إدارة مدرسة القضاء الشرعي، فرفعوا إلى عظمته فروض الشكر لتنازله إلى زيارة المدرسة، وتعطفه بتنشيط القائمين بأمرها، فلقوا من لطف عظمته وعنايته ما أطلق ألسنتهم بالدعاء والثناء.
وقد نال شرف المقابلة معهم الطالبان الشيخ عبد الوهاب خلاف والشيخ محمد راضي عثمان، فقرأ أحدهما ما تيسر من القرآن الكريم وتلا ثانيهما خطبة لطيفة، فنالا الرعاية السلطانية والعطف العالي، وقد أنعم عظمته على كل منهما بساعة من الذهب مع سلسلتها. (3) في مدرسة المعلمين الناصرية
تأسست مدرسة دار العلوم (المعلمين الناصرية الآن) في سنة 1289ه/1872م في عهد وزارة مولانا السلطان الكامل للمعارف العمومية، فيكون قد مضى عليها اثنان وأربعون سنة وهي سائرة في طريق الرقي والتقدم، وقد تخرج منها من حين نشأتها إلى اليوم 614 معلما التحقوا بوظائف التعليم وغيرها بالمدارس الأميرية ومعاهد التعليم وبعض مصالح الحكومة ومجالس المديريات والمحاماة شرعية وأهلية، والموجود بها الآن من الطلبة 331 طالبا وفيها اثنان وعشرون أستاذا.
وقد تفضل صاحب العظمة مولانا السلطان فزار عند الساعة العاشرة والربع من صباح 3 ربيع الثاني سنة 1333 / 17 فبراير سنة 1915 مدرسة المعلمين الناصرية قادما من قصر عابدين بموكبه الحافل، فاستقبل عظمته في مدخل المدرسة صاحب السعادة إسماعيل حسنين باشا وكيل وزارة المعارف والمستر دنلوب مستشارها وحضرة صاحب العزة عبد الرحيم أحمد بك ناظر المدرسة وغيرهم من كبار الموظفين والمفتشين والمدرسين، وحيته ثلة من رجال البوليس التحية الواجبة. وبعد أن صافح عظمته جمهور المستقبلين دخل إلى المدرسة، فإذا تلاميذها كلهم في فنائها منقسمون إلى صفين، فلما طلع عليهم نادوا بملء أفواههم ثلاث مرات: «ليعش مولانا السلطان»، وأعاد المجتمعون هذا النداء ثم انصرف التلاميذ إلى صفوفهم بأسرع من لمح البصر وبدأ عظمته يتعهد الصفوف، فلما دخل إلى الفصل الأول أو الفرقة الأولى قرأ طالب سورة «الفتح» وتلا آخر الكلمة الآتية محييا بها عظمته قال:
يا صاحب العظمة!
إن سعي عظمتكم الكريم، ومزيد عنايتكم بزيارة دور العلم ومعاهد التربية وشغفكم برقيها وإسعاد أبنائها، لهو أجل منقبة تضاف إلى مناقبكم الغراء، التي كللتم بها تاريخ عظمتكم المجيد المملوء بالعمل الصالح للأمة المصرية من فلاحيها وصناعها إلى سراتها وعلمائها.
وإن زيارتكم لمدرستنا التي هي غرس يمينكم في عهد توليتكم نظارة المعارف المصرية؛ لأجمل ذكرى يسطرها التاريخ بين ابن بار وأب رحيم.
وهي الآن بهذه الزيارة العزيزة تحيي فيكم رجل التاريخ والعلم ومثال الحكمة ومصدر الرحمة، وتعرض على عظمتكم حياة نيف وأربعين سنة؛ نشرت في خلالها العربية الصحيحة وآدابها في أنحاء الوطن، وهيأت أبناءه للنهضة الأدبية المشاهدة الآن، فتقبل منها صادق الولاء ومزيد الإخلاص لبيتكم الكريم وعرش ملككم.
دار العلوم عند كل عارف
ما برحت في ظل عيش وارف
مذ أنشئت بأكرم العواطف
في عهدك الماضي الكريم السالف
أيام كنت ناظر المعارف
في عصر إسماعيل ذي العوارف
كم نفحت بالنعم السوالف
وحسن رأي آلك الغطارف
حتى غدت كعبة كل طائف
وأينعت ثمارها لقاطف
من كل أستاذ بعلم هاتف
وكل قاض عادل لا حائف
ومن خبير رد كيد القارف
ومدره عن الحقوق كاشف
وكاتب على الأمور واقف
كل على الولاء خير عاكف
كم دون التاريخ في الصحائف
مكارما تتلى على الترادف
من تالد من بيتكم وطارف (فإن تزرها زور بر رائف)
في الحال فهي من غراس الآنف
ما أحوج الغرس لغيث واكف
يجعله قرة عين الواصف
اللهم يا مجيب الدعاء ويا محقق الرجاء أيد في عصر مولانا دولة العلم والأدب، وأعد لمصر في عهده حياة جديدة طيبة مباركة، اللهم هب له منك عمرا طويلا، وحياة فسيحة حتى يرى بلاده زهرة البلاد العربية وأمته قدوة الأمم المشرقية؛ إنك سميع قريب آمين.
وانتقل عظمته من هذا الفصل إلى فصل الدروس الطبيعية ففصل الرسم فالتاريخ فتفسير الأحاديث، وكان الأستاذ الشيخ محمد الحسيني يشرح فيه للطلبة قوله: (الإمام راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فأصغى إليه عظمته كل الإصغاء ولما أتم شرحه قال عظمته: أحسنت أيها الأستاذ وقد قبلنا نصحك.
وهكذا تعهد عظمته الفصول فصلا فصلا مشجعا طلبتها وملاطفا أساتذتها.
خطبة السلطان وجائزتاه
وعلى أثر ذلك ارتجل عظمته الكلمات الآتية مخاطبا بها المدرسين والطلبة والواقفين معهم قال:
أنا مسرور جدا بزيارتي لهذه المدرسة كما سررت جدا كذلك بزيارتي لمدرسة القضاء الشرعي.
وأنتم أيها الطلبة الذين تتمون دراستكم في هذا العام إني أود أن أراكم نابغين في العلوم ومتربعين في المناصب الأميرية وغيرها، وأود أن تذكروا للأمة فضلها في الإنفاق على تعليمكم وتذكروا أنكم مدينون به لها فتخدموها خدمة الأوفياء العارفين بالجميل، ولا تنسوا التخلق بالأخلاق الحسنة والتربية في مستقبل حياتكم لأنكم ستتولون تربية الأطفال، وتربية الأطفال مسألة غير هينة بالنظر إلى عدم بلوغ الأمهات في القطر حتى الآن الدرجة المبتغاة. ولأجل أن أشجعكم على المسابقة في النبوغ عينت جائزتين سنويتين من مالي الخاص: الأولى قدرها 60 جنيها مصريا، والثانية قدرها 40 جنيها تعطيان للأول والثاني منكم من الناجحين في الامتحان النهائي، وقد أبلغت وزير المعارف ذلك.
أيها الطلبة إن العلم بغير الأخلاق لا فائدة منه، فتحلوا بالأخلاق الكريمة لترقوا رقيا صالحا لأن الأخلاق هي التي تعلي مكان الشخص خصوصا المعلم الموكول إليه تعليم النشء، وإن شاء الله أسمع عن نجاحكم في الامتحان المقبل وعن تفوقكم في العلوم والأخلاق.
فكان لكلام عظمته أحسن وقع في النفوس.
وبعد ذلك تفضل عظمته فمر بالغرف التي يتغدى فيها الطلبة، فسر بحسن ترتيبها ونظامها، ولما خرج وجد المدرسين مجتمعين في خارجها فحياهم وارتجل الكلمات التالية مخاطبا إياهم بها قال:
أيها الأساتذة!
أهنئ حضراتكم بما رأيته في هذه المدرسة المباركة من تقدم الطلبة واستعدادهم لتلقي العلوم وارتقائها، وإن شاء الله نراها دائما في الارتقاء وأنتم كذلك، ولا تنسوا ما ورد في كتاب الله الكريم:
إن الله مع الصابرين
فاصبروا مع الطلبة وصابروا على تعليمهم، لأن التدريس ليس من الصناعات بل في الحقيقة ونفس الأمر إنه (غيه) ومحبة في العلم وفي نفع الناس به، فأحدكم يأخذ مرتبا ربما كان ضئيلا ولكن عشق العلم والتعليم ومحبتهما يسهلان له وظيفته.
إن في التعليم فوائد كثيرة لا تجهلونها طبعا، وكلما طال عليكم العهد كلما تقدمتم في إتقان الدروس والتشبع بفضائل العلم وهذا أملنا فيكم.
ذهب بعضكم إلى أوروبا ورأيتم حال التعليم هناك النهضة والعلمية التي أتمنى أن تكون لنا، وإنني أطلب من الله أن يعطي السعادة للأمة ودوام اجتهادكم حتى تخرج المدرسة ثمرات طيبة، والسلام عليكم ورحمة الله.
فقال الجميع: وعلى مولانا السلام ورحمة الله.
وانتقل من بينهم إلى غرفة صاحب العزة الأستاذ عبد الرحيم أحمد بك ناظر المدرسة، فجلس وتفضل فهنأه بحسن نظام مدرسته، وتناول سجل المدرسة وكتب بيده تاريخ زيارته لها باللغتين العربية والإفرنجية، وفي خلال ذلك جاء طالب وتلا بين يديه كلمة شكر سامية المبنى لطيفة المعنى ختمها بالأبيات الآتية:
يا مالكا ملك القلو
ب ولم أشتات الرعيه
لك في العلا كعب وأي
د في المكارم حاتميه
لك سيرة كصحيفة الأب
رار طاهرة نقيه
لك فكرة يجري الهدى
فيها وتكلأها الرويه
كالسهم لا تنبو إذا
نظرت ولا تخطي الرميه
هزتك نحو العلم عا
طفة فنعم الأريحيه
أعلى أبوك بناءه
وعليك إتمام البقيه
دار العلوم تشرفت
بشروق طلعتك السنيه
فلو أنها نطقت لكا
نت تملأ الدنيا تحيه
هذي قلوب رجالها
تعنو لسدتك العليه
فاقبل ولاء المخلص
ين وعش تعش كل البريه
اللهم كما وفقت مولانا الكامل لحب الخير، فاجعل عهده خير العهود ونجمه سعد السعود. اللهم إن لنا فيه أمالا كبارا، فشد به أزر العلم، وأيد به دولة العرفان. اللهم احفظه برعايتك، والحظه بعنايتك، وأطل في حياته ليرى آثار أعماله الجليلة وأغراضه السامية النبيلة، وتوج باليمن مآربه واجعل الخير غايته آمين. •••
ألقى بين يديه الكريمتين التلميذ عزيز ثروت أفندي نجل صاحب السعادة عبد الخالق ثروت باشا وزير الحقانية البيتين التاليين، قال مخاطبا عظمته:
أرج الطريق فما مررت بموضوع
إلا أقام به الشذا مستوطنا
لو تعقل الشجر التي لاقيتها
مدت محيية إليك الأغصنا
ثم تلاه التلميذ ناجي أفندي الهلباوي مخاطبا عظمته بالأبيات التالية قال:
إني رضيت من الحيا
ة بأسرها نظري إليك
وعرفت أسباب الهنا
ء بقبلة من راحتيك
فامدد إلي يد الندى
ليكون لي حظ لديك
واسمح بتقبيلي لها
أن المعالي في يديك
وتقدم فقبل راحتيه وقبله عظمته في جبينه.
ثم انصرف عظمته مشيعا بمثل ما قوبل من الحفاوة والإجلال والإكرام. (4) في مدرسة المعلمين السلطانية
تفضل عظمة مولانا السلطان فزار مدرسة المعلمين السلطانية في درب الجماميز صباح الأربعاء الموافق 17 فبراير سنة 1915 / 4 ربيع الثاني سنة 1333، فسار بموكبه الحافل إليها حيث استقبله عند مدخلها صاحب السعادة إسماعيل باشا حسنين وكيل وزارة المعارف وغيره من كبار الموظفين والمفتشين في تلك النظارة. فتنازل عظمته وصافحهم شاكرا لهم حفاوتهم به، وكان تلامذة المدرسة مصطفين في فنائها صفين، فلما طلع عليهم عظمته هتفوا ثلاثا: (ليحيى مولانا السلطان حسين)، ثم تفقد عظمته الصفوف، ولما دخل غرفة الانفتياتر تقدم التلميذ فهمي أفندي الرشيدي وفاه بين يدي عظمته كلمة ترحيب افتتحتها بالبيت الآتي:
اليوم أصبح نور العلم منتشرا
واختال معهدنا تيها بمولاه
فوقعت كلمته في نفس مولانا السلطان وقعا حسنا، وأجاب أعزه الله على ذلك بالنطق العالي الآتي:
أنا متشكر وممنون جدا من زيارتي لمدرستكم ومن سماعي لهذه الخطبة المكتوبة بقلم عال وبفكرة نيرة.
وليكن في علمكم أن زيارة المدارس من أوجب الواجبات علي وتشجيعها والسعي في تقدمها من أهم الفروض، واعلموا أن الأمة لا يمكن أن تصل إلى درجة الارتقاء إلا بالعلم والتربية المصحوبين بالأخلاق الحسنة، وإنما الأمم بالأخلاق.
لذلك جعلت تشجيعكم وزيارتكم من الفروض الكبرى، لكي تعلموا ويعلم الجميع أنكم معي وأنا معكم، وأني مسئول عن سعادتكم، وأنني وهبت نفسي ومالي لخدمة الأمة والقيام بأعباء شؤونها وسعادتها، وأنني لا أهتم إلا بما يعود عليكم وعليها من الخير والإسعاد.
أيها الطلبة أطيعوا أساتذتكم وأخلصوا في الخدمة لأمتكم، فهي التي ربتكم وهي التي جعلتكم رجالا، ولا نطلب منكم إلا الإخلاص لها، فالإخلاص للوطن هو أول الواجبات عليكم، لتفوزوا بالسعادة الدائمة.
نعم، فليكن في علمكم أنني وهبت روحي ومالي وكل قواي لخدمة الوطن، وأنتم من أبنائه الذين ستقومون بخدمته وفي ترقية شؤونه اقتصاديا وماليا وعمليا، إن الأمة لا يهمها إلا ترقية المدارس ولذلك أنا أسعى وأبذل كل ما في جهدي في تشجيعكم لتكونوا نابغين مخلصين، وأنا أسديكم شكري وممنونيتي.
وأحسن ما يؤثر عن عظمته قوله لطالب في الصف المنتهى:
إنك ستخرج من هذه المدرسة في هذا العام حائزا لشهادة الدبلوم وستهذب نفوس الطلبة بالدروس التي تلقيها عليهم، فعليك بالأخلاق وبثها في النشء ولا ترتكن أنت وزملاؤك على التعليم وحده.
وقوله لطالب آخر علم منه أن شقيقه الذي ينفق عليه:
أيها الطالب أنت مدين لأخيك الذي يقتطع من نقوده الخصوصية ما ينفقه عليك حتى تكمل دراستك، فاحفظ دينه وأخلص لوطنك.
وختم عظمته طوافه بكتابة تاريخ زيارته لهذه المدرسة في دفترها بخط يده الكريمة، ثم جاء طالب واستأذن وتلا بين يديه كلمة الشكر التالية، قال:
مولاي!
إن زيارة عظمتكم السلطانية حرسها الله لمدرستنا نقشت على صفحات قلوبنا شكرا يجدده الزمن بتجدد سيرتكم الحميدة وذكر آلائكم العميمة.
والله نسأل ونبيه
صلى الله عليه وسلم
نتوسل أن يديم مولانا عضدا للدين وأهله وللعلم وطلابه ويمتع أمته بطول مدته وشمول عدله.
نعم البرية في بقائك فلتدم
لهمو بطول بقائك النعماء (5) في مدرسة الحقوق السلطانية
وتفضل عظمته فزار مدرسة الحقوق السلطانية صباح الخميس 19 فبراير، فسار بموكبه السلطاني محفوفا بالجلال والوقار، فاستقبل فيها بما يليق بعظمته من الإجلال والإعظام، ثم زار الفصول جميعها وسمع التدريس فيها فسر سرورا عظيما، وقد كان في كل عظمته في كل فصل ينثر على الطلبة درر الحكم وغرر الكلم، ومما قاله للطلبة من النصائح الغالية ما يأتي:
إني أهنئكم بما تتلقونه من الدروس العالية في هذه المدرسة، وأسأل الله أن يهديكم إلى الرشاد، فأنتم خريجو مدرسة الحقوق السلطانية، ويجب أن يعلم كل منكم متى أحرزتم شهادة الحقوق أنه لا يحسن لحامل هذه الشهادة أن يقصر كل آماله على التوظف في الحكومة، فالحكومة لا تتقاعد عن توظيف من يمكن توظيفه منكم، وإذا أتاح لها الله أن تدخل في خدمتها عددا ولبيرا من الذين يتخرجون في هذه المدرسة بادرت إلى ذلك بطيبة خاطر ككن المتخرجين كثيرون، ويجدر بالذين ينالون هذه الشهادة أن لا يكون اعتمادهم على التوظف وحده، فشهادة الحقوق هي شهادة عالية يفتخر بها وتدل على منزلة حاملها العالية في الهيئة الاجتماعية سواء جلس على كرسي القضاء أو كرسي النيابة أو اشتغل بالمحاماة أو خرج عن ذلك واشتغل بالزراعة أو التجارة أو غيرهما من شؤون العمران.
ولو ذهبتم إلى أوروبا لوجدتم بين حاملي شهادة الحقوق التاجر والمزارع والفلاح وصاحب الأشغال الأخرى، وجميعهم يشتغلون بأعمالهم المختلفة التي يتعاونون بها على خدمة بلادهم. ولكن ذلك لا يمنعهم من الافتخار بشهاداتهم الحقوقية، فيكتبون جميعهم على محالهم أسماءهم مقرونة بالألقاب التي أحرزوها من مدرسة الحقوق التي أخرجتهم وهي: «لسانسيه في علم الحقوق» أو (دكتور في علم الحقوق)، فعسى أن تسيروا على أثرهم في ذلك وتخدموا الأمة بالأعمال المختلفة النافعة لها فتكون العلوم التي تعلمتموها خير نبراس لكم تهتدون به إلى السبيل السوي. سيروا في طريق النور الذي استنارت به أذهانكم، وتفرغوا لدروسكم، وإياكم والتطرف أو الاشتغال بما لا ينفعكم ولا يعنيكم فأنتم لا تزالون شبانا يعوزكم الاختبار، وهذا الوطن هو وطني ووطنكم وقد وقفت حياتي على خدمتكم وأنا أقدر منكم على إسعاده، فدعوني أعمل لخيره واتكلوا علي وعلى أولياء الأمر في أموره المعضلة، وتعاونوا أنتم بعلمكم واجتهادكم على ترقيته بنشر العلم والتربية الصحيحة بين طبقات الأمة، إني لا أكلمكم بذلك كحاكم بل أكلمكم كأب بار بأبنائه. إنكم ستخرجون بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من هذه المدرسة حائزين لشهادتها، فأرجو لكم النجاح والتوفيق في أعمالكم، وأنصح لكم أن تتذرعوا بالصبر على نيل أمانيكم حتى تصلوا تدريجا إلى تحقيق رغباتكم إذ الطفرة محال، فأنا سلطان مصر وابن ساكن الجنان الخديوي إسماعيل، هل تظنون أنني وصلت إلى ما أنا فيه طفرة؟ كلا ثم كلا، إنني تقلبت في وظائف كثيرة صغيرة وكبيرة ومرت علي أيام كنت فيها مفتشا في الأقاليم فذقت الأمرين، وكنت أسير مع الفلاح قدما وأقطع المسافات الشاسعة على ترعة الخطاطبة قبل إنشاء سكة الحديد، وأقسم لكم إنني كنت أقضي حينئذ أياما بدون أن أذوق الخبز الطري ولم يكن لي طعام إلا البقسماط اليابس، فالصبر يا أولادي مفتاح الفرج، فاستعينوا به على تذليل المصاعب التي تعترضكم، وبرهنوا بالعمل الطيب على حبكم وإخلاصكم، وإني أشكركم وأتمنى لكم مستقبلا سعيدا.
فأثرت أقواله الدرية ونصائحه الأبوية أعظم تأثير في الحاضرين. (6) في مدرسة الزراعة
أنشئت مدرسة الزراعة الحالية عام 1889 في عهد المغفور له توفيق باشا، وقد تجدد بناء المدرسة الحالية في عام 1902 وكان الإقبال عليها في أول عهدها ضعيفا، ولكنه لم يلبث أن أصبح وطلبات الدخول فوق ما تستطيع المدرسة قبوله، فقد بلغ عدد طالبي الدخول في عام 1914: 99 طالبا كلهم من حملة الشهادة الثانوية، وكان التعليم منذ افتتاح هذه المدرسة إلى عام 1910 باللغة الإنجليزية ثم جعل باللغة العربية بعد ذلك، وكانت واسطة الالتحاق بها قبل عام 1911 هي الشهادة الابتدائية، فاستبدلت بالشهادة الثانوية منذ تلك السنة، وبذلك رفعت درجتها فأدرجت في سلك المدارس العليا. ويبلغ عدد الطلاب الذين يتلقون العلم بالمدرسة الآن 153. وقد بلغ عدد خريجي المدرسة الحاصلين على دبلومها منذ افتتاحها 269 يشغل كثير منهم وظائف ذات مسؤولية في وزارات الزراعة والداخلية والأوقاف، وفي مصلحة الأراضي الأميرية والجمعية الزراعية وغيرها. وعدد أساتذتها 30، وقد قامت المدرسة بخدمات جليلة للبلاد في ترقية الزراعة وتربية الطيور الداجنة وغير ذلك، وفي شهر يناير سنة 1914 ألحقت بوزارة الزراعة.
وقد تفضل عظمة مولانا السلطان فزار هذه المدرسة صباح الثلاثاء الموافق 10 ربيع الثاني/24 فبراير، فسار إليها محفوفا بموكبه السلطاني المهيب وعن يساره في مركبته صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وزير الزراعة وخلفه في مركبة أخرى صاحب السعادة محمود شكري باشا رئيس الديوان السلطاني وسعيد ذو الفقار باشا كبير أمنائه، فاستقبله في بابها جناب المستر هينز وكيل وزارة الزراعة وصاحب السعادة محمود نصرت بك مدير الجيزة وسالم محمد بك وكيل مديريتها وجناب المستر شيرر ناظر المدرسة وحضرة عبد الحميد بك فتحي وكيلها، وحيت عظمته ثلة من رجال البوليس التحية الواجبة، وبعد أن صافح عظمته جمهور المستقبلين دخل إلى المدرسة فزار فرقة السنة الرابعة متعهدا حالة الطلبة والتدريس ومستمعا الدرس الزراعي الذي يلقى عليهم، فسر بذلك سرورا عظيما والتفت إلى الطلبة فقال:
أبنائي، أنتم تتمون دراستكم في هذا العام فإذا لم تسمح ميزانية وزارة الزراعة لاستخدامكم جميعا فأنا أتكفل باستخدام الباقين منكم في الدائرة الخاصة السلطانية والأوقاف الخصوصية السلطانية.
فضج الطلبة بالدعاء لعظمته وشكروا له عطفه عليهم شكرا جزيلا.
وبعد ذلك تفضل عظمته فزار فريقا من الطلبة وهم يتلقون الدروس البيطرية، وكان يسأل كثيرين منهم عن أسمائهم وأسماء آبائهم وبلدانهم ويشجعهم على مواصلة الدروس والاجتهاد والسهر ليكونوا رجالا نافعين لأنفسهم ولوطنهم.
ثم تفضل حفظه الله فزار المستر شيرر ناظر المدرسة في غرفته وتناول سجل المدرسة وكتب بيده الكريمة تاريخ زيارته لها وأعرب له عن سروره الخالص بما رآه فيها، ومن قوله له:
إني زرت هذه المدرسة ثلاث مرات قبل الآن ولا أخفي عنك إعجابي بها في زيارتي هذه، فإني رأيت في نظامها وفي حالتها تغييرا كبيرا سرت به نفسي، ولا سيما في تفهم الطلبة الدروس التي تلقى عليهم وحسن أجوبتهم على الأسئلة التي وجهتها إليهم في الزراعة والحشرات والنباتات وغيرها.
والتفت عظمته على أثر ذلك إلى حضرة صاحب العزة محمود نصرت بك مدير الجيزة باسما، وسأله عن حال الأمن والزراعة والتحصيل في مديريته، فأجابه على ذلك جوابا مرضيا ودعا لعظمته بدوام العز والنعم.
ثم انصرف عظمته بعد ذلك مودعا بمثل ما قوبل به من الحفاوة والتجلة والتعظيم.
وقد رفعت المدرسة لعظمته كلمة ترحيب تتضمن ملخص تاريخ المدرسة وقصيدة تمتدح بها عظمته وهي:
طف بالزراعة يا أبا الفلاح
وانظر بشائر غرسك الفياح
هذي أياديكم بقين على المدى
خضرا وتلك مآثر الإصلاح
هذي ثمار محمد وحفيده
وابنيه بعد تعهد ولقاح
بكم اطمأن النيل حتى أزهرت
جنباته وتبسمت بأقاح
لم يبق في واديه إلا شاكر
طرب لما لاقى من الإفلاح
فالأرض تحمد ربها من بعد ما
كانت كأظمأ بلقع ملتاح
والنيل إذ أجريتموه كوثرا
داع لكم ولبيتكم بفلاح
ولئن رأيت من الغصون تأودا
فلتلك ميلة غبطة ومراح
ولئن سمعت من النسيم حفيفه
بالزرع فهو قصائد المداح
وإذا أظلتك الغصون وريقة
خضراء فهي معالم الأفراح
والطير في الأفنان تطلق حمدها
لأبيك من شاد ومن صداح
وإذا المعاهد قمن عالية الصدى
في مصر فهي صدى أب مسماح
نغشى مواردها العذاب فنستقي
منها ونسقي الناس بالأقداح
حتى نكون من الكرام فإنما
جدتم بجود الواهب المناح
إن يخلق الرحمن مصر فأنتمو
جدتم لمصر بهذه الأرواح
سلطان مصر بنوك نحن وكلنا
داع لكم بتأيد وفلاح
هذي النفوس فداك فارع نفوسنا
فلأنت خير رعاتها الصلاح
هل مصر إلا مطلع المجد الذي
أوفى على الدنيا بنور ضاح
من أحمد سلطانها ومحمد
أخشيدها ومعزها وصلاح
أن تخل فيما بينكم عصر دجت
فلقد أتيت بفجرها الوضاح
والخير أوسم ما يكون إذا أتى
عند اقتبال نسائم الإصباح
عش يا حسين أبا لمصر ونيلها
والناس طرا يا أبا الفلاح
ترحيب مدرسة الزراعة
تبارك الله هذا النبت والشجر
لولا محياك لم يظهر له ثمر
أيان سرت فإن الجدب منصلح
وإن حللت فإن الخصب مزدهر
والعود إن لامسته كفك انبعثت
فيه الحياة فيمسي كله زهر
والقفر إن سرت في أنحائه نبتت
فيه الزهور فأنت السحب والمطر
ومن نداك رأينا النيل مكتسبا
كالشمس لولا سناها لم يكن قمر
يا وارث الملك عن جد وخير أب
قد بايعتك عليه البدو والحضر
أعدت في مصر عهد الراشدين فإن
مررت بالناس قالوا ذلكم عمر
لقد حوتك قلوب الناس من قدم
ومذ أتيت حواك السمع والبصر
ومذ جلست على العرش العظيم غدا
في عصرك النبل وابن النيل يفتخر
الأمر والنهي في كفيك حبلهما
مهما أمرت به لم يعصك القدر
والتاج من تحته العرفان منبعث
والعرش من جانبيه الخير منهمر
يا مالك الملك والأيام خاضعة
لما تشاء وهذا الدهر ينتظر
هذي الزيارة يا رب البلاد لها
في كل قلب على طول المدى أثر
فسر بنا للعلا يا خير من ملكوا
فنحن قوم على حب العلى فطروا
محمد خطاب - بالسنة الثالثة
ورفع إلى عظمته كذلك التلميذ صادق روفائيل أفندي كلمة ترحيب رقيقة المبنى والمعنى، فسلمها عظمته إلى كبير أمنائه شاكرا له إخلاصه وولاءه وأجمل ما فيها قوله:
مولاي، ورثت عن جدك الخالد الأثر والذكر تفانيه في تنمية الثروة المصرية خصوصا من طريق الزراعة، فلقد أدخل رحمة الله عليه زراعتي القطن والقصب ببلادنا العزيزة، فأوجد بذلك أهم أركان الثروة المصرية: فحذوت حذوه وأقمت هذا البناء العظيم على ذاك الأساس المتين، بأن عالجت بنفسك كل معتل، وكنت إماما للعاملين بأفكارهم وأيديهم، فأوجدت الجمعية الزراعية السلطانية التي كانت ولا تزال نبراسا للزراعة المصرية، وأقمت المعارض فحركت في القوم روح المسابقة والإتقان، وأنشأت النقابات الزراعية فعلمت المزارعين معنى التضامن، ووحدت مصالحهم فأسعدت العباد؛ إلى غير ذلك من الخدمات الخالدة التي لا حصر لها ولا حد.
لجدك كان المجد ثم حويته
ولابنك يبني منه أشرف مقعد
بر السلطان بوالدته
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير .
1
وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي لم يجعلني جبارا شقيا .
2
وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا .
3 (أكرم أباك وأمك ليحسن إليك ويطول عمرك على الأرض التي أعطاك إياها الرب إلهك).
4 (يا بني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أم، اربطها على قلبك دائما، قلد بها عنقك، إذا ذهبت تهديك، إذا نمت تحرسك، وإذا استيقظت فهي تحدثك).
5
للملك في نفوس الملوك ما تترفع به وتسمو، حتى لا يكون لما حولها من الوجود إلا ما تشعر بأنه لها. فهم أجل من أن تتنزل عواطفهم إلى ما لا تتصور به العظمة والمهابة، فإن رقت عواطف السلطان رقة تتطلب منه الحنو أو الإشفاق، أو الإعجاب، أو ما فيه تكريم لأحد الرعية؛ اقتضى مكانه من المملكة وهو وليها وربها الآمر الناهي فيها أن يجعل للرقة حدا يدوم به شموخ صرح المهابة. بل الملوك يقفون بعواطفهم الكريمة عند حد العزة السلطانية في استدناء الأمراء من أسرهم وكبار رجال الدولة في حكوماتهم، ولم نر في التاريخ أن سلطانا تجاوز في التلطف حد المالك مع المملوك، والمولى مع الخادم، والأب مع الابن. اللهم إلا إذا شاء الإحسان إلى ضعيف، أو الأخذ بيد عاثر. وقد كان ملوك العرب وأمراؤهم في صدر الإسلام يلاقون المسترفدين والمتظلمين كما يلاقي الند نده. ويحاورونهم في شؤونهم محاورة النظراء، ولا يلاقون العظماء بمثل ذلك بل يلزمونهم ما يليق بمنازلهم من المواقف، فلا يرفعون أقدارهم إلا إلى حيث يسيغون لهم الطمأنينة ويحضر أذهانهم ويطلق ألسنتهم وكل في مكانته، الحاكم حاكم والمحكوم محكوم، وتلك خطة لا بد منها السلاطين إذا أحسنوا إلى الرعية ورغبوا في العدل ورفع شأن البلاد.
أما الوالدان فلهما ما ليس لغيرهما في نفوس الملوك لأن القلوب سواء في إكبار شأن الأبوين، وحقوق الآباء على الأبناء مقدسة في القصور كما هي مقدسة في الأكواخ، وقد أمر الله عباده ببرهما في كتبه المقدسة، وعلى ألسنة رسله وأنبيائه والمقربين من أوليائه، وفي القرآن الشريف آيات في هذا يتدبرها أولو الأبصار. لم يستثن الله فيها ملكا ولا سوقة، ولم يختص بها فريقا دون فريق.
ولقد رأى الملأ من هذه الأمة كيف أعاد مولانا السلطان الكامل عهد الصدر الأول من الإسلام، فوطأ أكنافه لأصاغر الرعية حتى غبطهم أكابرها، فأصبح الوزير الكبير يود لو يكون بعض طلاب العلم في بعض المدارس يبتسم السلطان له ويداعبه ويعرك أذنيه تلطفا كأنه أبوه، أو أن يصبح كاتبا أو مربيا ولو ساعة بلغ فيها من تلطف عظمته أن يعلن إعجابه به ويسأله عما هو خصيص به من شؤونه كأنه من ذويه.
رأى الملأ ممن تقلهم أرض مصر وتظلهم سماؤها هذا، ورأوا بر السلطان بوالدته، وملازمته زيارتها، وتحببه إليها، واستماحته رضاءها ودعاءها؛ وكيف يتحين الأوقات التي يخلو فيها من شواغل السلطنة لرؤيتها ومحادثتها والاستمتاع بشرح صدرها ومؤانستها، ولديها من الأمراء والأميرات والحشم من يقوم عن عظمته بهذا الواجب الديني الإنساني الذي تأبى نفسه الكريمة وضميره الحي وشعوره الرقيق إلا أن يقوم به هو إرضاء لله ولعظمتها ولفؤاده.
تلك هي الخلائق الرضية، وذلك هو السلوك السلطاني الذي كنا نتلو ما ورد فيه من أنباء ولاة الأمر الذين خلفوا الرسول في عصر الراشدين ومن اقتفى أثرهم من الخلفاء والملوك والسلاطين، ثم لم نر له أثرا أو خبرا فيمن جاءوا بعدهم إلى أن بزغت هذه الشمس، وسطع هذا النور، وتبوأ مولانا الكامل عرش مصر، يؤدب الأمة بأدبه، ويخلقها بأخلاقه، ويوضح لها مناهج السعادتين؛ سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، بما يريها من التقوى والبر والإحسان وتطبيق الأعمال على قواعد الدين الحنيف.
وإن في بر عظمته بوالدته لمعنى لو تفهمته الأمة وجعلت له في نفوسها الأثر الصالح لارتقت إلى أسمى ذرى الكمال والمدنية، فإن في إعظام شأن الأمهات إعظاما لشأن بنات حواء، ومعرفة لحقوقهن الشرعية، وتنبيها إلى وجوب العناية بهن ليكن في مستقبلهن أمهات صالحات فضليات ينجبن النابغين من أولي الأمر والعلماء والعاملين لرفع مقدار الهيئة الاجتماعية. في هذا المعنى الذي نفهمه من بر مولانا بوالدته ما نعرف به حقيقة السيدات من صواحبات العظمة السلطانية إلى بنات الفقراء، ونعرف أن إجلالهن يقتضي تعليمهن؛ ليعود العصر الإسلامي الأول بجلاله وهيبته، فنرى أمثال عائشة أم المؤمنين، ونفيسة العلم والأدب، وأم كلثوم العاطفة على المنكوبين المواسية للمعوزين، وأمثالهن من أمهات المؤمنين. في هذا المعنى درس لو عنى بشرحه العلماء لأفاضوا وأنشأوا الأسفار متونا وحواشي وتعليقات. فعظمته ببره بوالدته يقتفي أثر الرسل والصحابة والحواريين وينفذ أوامر الله ويدعو إلى تنفيذها، ويعلم شعبه كيف يسلك جادة الصعود إلى المكانة التي يتساوى فيها الشرقي والغربي، ويتأهب لسبقه كما سبقه في القرون الخالية التي يذكرها التاريخ للشرق بما يخلد المجد، ويوطن أسس المفاخر.
يدلنا مولانا السلطان على أن الوالدة الصالحة يجلها الولد الصالح ولو كان سلطانا تعنو له الجباه، وتطأطأ له الرؤوس، وتميل بين يديه الأعناق وتغض في حضرته الأبصار. يدلنا على أن الأم التقية النقية البارة المحسنة لها المنزلة العليا ولو بلغ ولدها ما لم يبلغ إليه أحد من العلياء، وفي هذا أبلغ التحضيض على تربية البنات ليكن أمهات تقيات نقيات محسنات، يلدن عظماء الرجال ويقومن المعوج من أخلاق البلاد ويطهرن فطرة الجيل المقبل من أدران مفاسد الأجيال المنصرمة.
فمن من المصريين لا يريد لبلاده الرفعة والمجد؟ من منا لا يتخذ سلطانه قدوة صالحة؟
اللهم أطل بقاء مولانا السلطان، وأثبه على الإحسان وأعز به الوطن، إنك قدير على ما تشاء.
هوامش
التهانئ السلطانية
هذا ابن إسماعيل نجم طالع
اليوم آن لشاكر أن يجهرا
بالشكر مرتفع العقيرة في الورى
إن الإمارة لم تزل في أهلها
شماء عالية القواعد والذرى
والتاج مقصور عليهم ينتقي
منهم كبيرا للعلاء فأكبرا
والعرش إن أخلاه منهم ماجد
ذكر الأماجد بينهم وتخيرا
أحسين حبك في القلوب محقق
قد أظهر الإخلاص منه المضمرا
فاحرص عليه فهو ملك آخر
إن شئت ملكا جنب ملك أنضرا
والملك آل إليك يحدو خطوه
شوق إليك وإن أتى متأخرا
لم يعد في ما فات بابك ناسيا
بل وانيا حتى يشب ويكبرا
عزى عن العباس أنك عمه
وأجل من ساس الأمور ودبرا
وأزال لوعة كل قلب بعده
أن الدواء لما به بك قدرا
يا ناظر الماضي وشاكر عهده
والحال بين يديه أجمل منظرا
هذي الحقائق باهرات فانتبه
لا يلهينك طيف ماض في الكرى
هذا ابن إسماعيل نجم طالع
لهداية الساري فحي على السرى
الملك من يمناه في يد حازم
إن أورد الأقوام وردا صدرا
والنيل لم يبرح على العهد الذي
أخذته قبل عليه ناضرة القرى
متهاديا بين البقاع مناجيا
أرجاءها بالخصب يكتنف الثرى
والشرع بين الناس ناه آمر
ما زال حكم الله فيه موقرا
والبيت بيت محمد قد شاده
لبنيه لم يستثن منهم معشرا
والعم أكبر حكمة ودراية
بالأمر لو أن المكابر فكرا
حال إذا نظر الأديب جمالها
شكر الإله وحقه أن يشكرا
إسماعيل صبري
ملكا عليها صالحا مأمولا
الملك فيكم آل إسماعيلا
لا زال بيتكم يظل النيلا
لطف القضاء فلم يمل لوليكم
ركن ولم يشف الحسود غليلا
هذي أصولكم وتلك فروعكم
جاء الصميم من الصميم بديلا
الملك بين قصوركم في داره
من ذا يريد عن الديار رحيلا (عابدين) شرف بابن رافع ركنه
عزا على النجم الرفيع وطولا
ما دام مغناكم فليس بسائل
أحوى فروعا أم أقل أصولا
أنتم بنو المجد المؤثل والندى
لكم السيادة صبية وكهولا
النيل إن أحصى لكم حسناتكم
ملأ الزمان محاسنا والجيلا
أحيى أبوكم شاطئيه وابتنى
مجدا لمصر على الزمان أثيلا
نشر الحضارة فوق مصر وسوريا
وامتد ظلا للحجاز ظليلا
وأعاد للعرب الكرام بيانهم
وحمى إلى البيت الحرام سبيلا •••
حفظ الإله على الكنانة عرشها
وأدام منكم للهلال كفيلا
بنيان (عمرو) أمنته عناية
من أن يزعزغ ركنه ويميلا
وتدارك الباري لواء (محمد)
فرعى له غررا وصان حجولا
في برهة يذر الأسرة نحسها
مثل النجوم طوالعا وأفولا
الله أدركه بكم وبأمة
كالمسلمين الأولين عقولا
حلفاؤنا الأحرار إلا أنهم
أرقى الشعوب عواطفا وميولا
أعلى من الرومان ذكرا في الورى
وأعز سلطانا وأمنع غيلا
لما خلا وجه البلاد لسيفهم
ساروا سماحا في البلاد عدولا
وأتوا بكابرها وشيخ ملوكها
ملكا عليها صالحا مأمولا
تاجان زانهما المشيب بثالث
وجد الهدى والحق فيه مقيلا •••
سبحان من لا عز إلا عزه
يبقى ولم يك ملكه ليزولا
لا تستطيع النفس في ملكوته
إلا رضى بقضائه وقبولا
الخير فيما اختاره لعباده
لا يظلم الله العباد فتيلا
يا ليت شعري هل يحطم سيفه
للبغي سيفا في الورى مسلولا
سلب البرية سلمها وهناءها
ورمى النفوس بألف عزرائيلا
زال الشباب عن الديار وخلفوا
للباكيات الثكل والترميلا
طاحوا فطاح العلم تحت لوائهم
وغدا التفوق والنبوغ قتيلا
الله يشهد ما كفرت صنيعة
في ذا المقام ولا جحدت جميلا
وهو العليم بأن قلبي موجع
وجعا كداء الثاكلات دخيلا
مما أصاب الخلق في أبنائهم
ودها الهلال ممالكا وقبيلا
أأخون إسماعيل في أبنائه
ولقد ولدت بباب إسماعيلا
ولبست نعمته ونعمة بيته
فلبست جزلا وارتديت جميلا
ووجدت آبائي على صدق الهوى
وكفى بآباء الرجال دليلا
رؤيا (علي) يا (حسين) تأولت
ما أصدق الأحلام والتأويلا
وإذا بناة المجد راموا خطة
جعلوا الزمان محققا ومنيلا
القوم حين دها القضاء عقولهم
كسروا بأيديهم لمصر غلولا
هدموا بوادي النيل ركن سيادة
لهم كركن العنكبوت ضئيلا
ارفأ سرير أبيك والبس تاجه
وأكرم على (القصر المشيد) نزيلا
مرت أويقات عليه موحشا
كالرمس لا خلوا ولا مأهولا
ليست معالي الأمر شيئا غائبا
عنكم وليس مكانكم مجهولا
كم سستموه في الشبيبة مضلعا
وحملتموه في المشيب ثقيلا
وحميتم زرع البلاد وضرعها
وهززتم للمكرمات بخيلا
يا أكرم الأعمام حسبك أن نرى
للعبرتين بوجنتيك مثيلا
من عثرة ابن أخيك تبكي رحمة
ومن الخشوع لمن حباك جزيلا
ولو استطعت إقالة لعثاره
من صدمة الأقدار كنت مقيلا
يا أهل مصر كلوا الأمور لربكم
فالله خير موئلا ووكيلا
جرت الأمور مع القضاء لغاية
وأقرها من يملك التحويلا
أخذت عنانا منه غير عنانها
سبحانه متصرفا ومديلا
هل كان ذاك العهد إلا موقفا
للسلطتين وللبلاد وبيلا
يعتز كل ذليل أقوام به
وعزيزكم يلقى القياد ذليلا
دفعت بنا فيه الحوادث وانقضت
إلا نتائج بعدها وذيولا
وانقض ملعبها وشاهده على
أن الرواية لم تتم فصولا
فأدمتموا الشحناء فيما بينكم
ولبثتمو في المضحكات طويلا
كل يؤيد حزبه وفريقه
ويرى وجود الآخرين فضولا
حتى انطوت تلك السنون كملعب
وفرغتم من أهلها تمثيلا
وإذا أراد الله أمرا لم تجد
لقضائه ردا ولا تبديلا
شوقي
قد عاد مصر زمان سؤددها
في مثل عهدك يزهر الأمل
يا دولة شخصت لها الدول
الآن أبدى الغيب أحسن ما
فيه وأنجز وعده الأزل
قد عاد مصر زمان سؤددها
وتجددت أيامها الأول
راقت فسامع طيرها طرب
وصفت فوارد نيلها ثمل
فلينشد الشعراء ما نظموا
أما أنا فاليوم أرتجل •••
يا مصر جاد لك الزمان بما
قد صده عن بذله البخل
هذا الربيع وأنت روضته
فتآلفا فكلاكما خضل
إن ينتقل عنك الهلال فلا
عجب فإن أخاه ينتقل
أو ترتضي من بعده بدلا
فاليوم شمسك بعده بدل
أدنى العلاء إليك غايته
وتمهدت منه لك السبل
نهج كحد السيف مطرد
ومدى كعود الرمح معتدل
لو أن نسل الشمس قد بعثوا
ورأوا مكانك في العلى ذهلوا
هذا الذي راموا فما قدروا
وسعوا لغايته فما وصلوا
ملك أقام على قواعده
كالدهر لا وهن ولا ميل •••
الشرق بعد بكاه مبتسم
قد ناب عن جزع به الجذل
لما أماد الظلم دولته
وتبينت في جسمها العلل
وتكاثرت فتن على فتن
وغدت بها كالنار تأتكل
وجفت من الأبناء من علموا
ورعت من الأبناء من جهلوا
وغدا بناء الملك منهدما
وأقام عنه ذلك الطلل
بعث الزمان لها حوادثه
فأصابهم وأصابها الأجل
ما كان خالقهم ليظلمهم
لو أنهم في حكمهم عدلوا •••
أزكى السلام على الحسين إذا
دعت البلاد ولبت الملل
ملك جميل الرأي يصحبه
فكلاهما بأخيه متصل
الناس تحسب أنه ملك
والله يعلم أنه رجل
تملي مدائحه مناقبه
ما تصنع الألفاظ والجمل
تقع العيون على أنامله
فكأنها من أهلها قبل
مولاي مصرك روضة أنف
وقطوفها للمجتني ذلل
فانهض بها بين الحوادث لا
وان إذا جدت ولا وكل
إن كنت كهل السن لا حرج
إن العزائم ليس تكتهل
والرأي تنميه تجاربه
ويبين في رأي الفتى الخطل
أنت المملك حكمه حكم
فاحكم فإن الدهر ممتثل
الأمر يا حسين ونحن نتلو
هنيئا أيها الملك الأجل
لك العرش الجديد وما يظل
تسنم عرش إسماعيل رحبا
فأنت لصولجان الملك أهل
وحصنا بإحسان وعدل
فحصن الملك إحسان وعدل
وجدد سيرة العمرين فينا
فإنك بيننا لله ظل
لقد عز السرير وناه لما
تبوأه المليك المستقل
وهش التاج حين علا جبينا
عليه مهابة وعليه نبل
تمنى لو يقر على أبي
تذل له الخطوب ولا يذل
وقد نال المرام وطاب نفسا
فها هو ذا بلابسه يدل
وما كنت الغريب عن المعالي
ولا التاج الذي بك بات يعلو
فإنك منذ كنت ولا أغالي
حسام للأريكة لا يفل
فكم نهنهت من غرب العوادي
وكم لك في ربوع النيل فضل
وما من مجمع للخير إلا
ومن كفيك سح عليه وبل
فقد عرف الفقير نداك قدما
وقد عرف الكبير علاك قبل
لك العرشان هذا عرش مصر
وهذا في القلوب له محل
فآلف ذات بينهما برأي
وعزم لا يكل ولا يمل
فعرش لا تحف به قلوب
تحف به الخطوب ويضمحل •••
أبا الفلاح كم لك من أياد
على ما فيك من كرم تدل
وآلاء وإن أطنبت فيها
وفي أوصافها فأنا المقل
عنيت بحالة الفلاح حتى
تهيب أن يزور الأرض محل
وكيف يزور أرضا سرت فيها
وأنت الغيث لم يمسكه بخل
وكم أحييت من أرض موات
فأضحت تستراد وتستغل
وأخصب أهلها من بعد جدب
وفاض عليهم رغد ونفل
وكم أسعفت في مصر جريحا
عليه الموت من كثب يطل
وكنت لكل مسكين وقاء
وأهلا حين لم تنفعه أهل
وكنت فتى بعهد أبيك ندبا
له رأي يسدده وفعل
لكل عظيمة تدعى فتبلي
بلاء مجرب يحدوه عقل
توليت الأمور فتى وكهلا
فلم يبلغ مداك فتى وكهل
وجربت الحوادث من قديم
ومثلك من يجربها ويبلو
وكنت لمجلس الشورى حياة
ونبراسا إذا ما القوم ضلوا
فلم يلمم بساحته جمود
ولم يجلس به عضو أشل
وما غادرته حتى أفاقوا
ومن أمراض غشيتهم أبلوا
فعش للنيل سلطانا أبيا
له في ملكه عقد وحل
ووال القوم إنهم كرام
ميامين النقيبة أين حلوا
لهم ملك على التاميز أضحت
ذراه على المعالي تستهل
وليس كقومهم في الغرب قوم
من الأخلاق قد نهلوا وعلوا
فإن صادقتهم صدقوك ودا
وليس لهم إذا فتشت مثل
وإن شاورتهم والأمر جد
ظفرت لهم برأي لا يزل
وإن ناديتهم لباك منهم
أساطيل وأسياف تسل
فماددهم حبال الود وانهض
بنا فقيادنا للخير سهل
وخفف من مصاب الشرق فينا
فنحن على رجال الغرب ثقل
إذا نزلت هناك بهم خطوب
ألم بنا هنا قلق وشغل
حيارى لا يقر لنا قرار
تنازلنا الخطوب ونحن عزل
فأهلا بالدليل على المعالي
ألا سر يا حسين ونحن نتلو
وأسعدنا بعهدك خير عهد
به أيامنا تصبو وتحلو
فأمرك طاعة ورضاك غنم
وسيفك قاطع ونداك جزل
حافظ إبراهيم
صدى الإخلاص
يا مصر دوسي هامة الأمصار
وتزيني بثياب الاستبشار
قد كنت قبل اليوم تحت سيادة
مملوءة بغوامض الأسرار
والآن تم لك المراد ونلت ما
تبغين من شرف وكل فخار
بسطت بريطانيا عليك حماية
تحميك شر طوارئ الأخطار
وتذود عنك بقوة ملكت بها
سبل البحار وشاسع الأقطار
ولت عليك (حسين) سلطانا ولا
عجب فهذا خيرة الأخيار
هذا ابن من نشر المعارف وابتنى
من أجلها دارا تضاف لدار
هذا ابن من أولى البلاد مفاخرا
بقيت له ذكرى مدى الأعصار
هذا ابن إسماعيل من ضربت به الأم
ثال في الإحسان والإيثار
هذا أبو الفلاح مصلح أرضه
هذا له من أكبر الأنصار
هذا دواء البائسين وسرهم
لجراح أهل الفقر والإعسار
قد كان في الشورى منار هداية
لنتائج الآراء والأفكار
بالله سل جمعية خيرية
عما أتى فيها من الآثار
سلها تنبئك الحديث فإنها
في ذا المقام جهينة الأخبار
سلطان مصر ألبس بعز ذلك الت
اج الذي يزري بشمس نهار
وبعابدين أصعد سرير الملك مح
فوفا بكل مهابة ووقار
واحكم رعيتك المطيعة بالهدى
واعدل فإن العدل خير شعار
لا زلت محفوظا بعين عناية
ما غنت الأطيار بالأشجار
عبد الفتاح الصواف
خادم العلم بسمنود
حال الملوك دليل أمتهم
بك مصر عزت وانتفى الكدر
وفتحت عصرا كله غرر
فتهلل العرب الأولى وجدوا
في ملكك المولى الذي انتظروا
ملك عظيم الشأن أسسه
أباؤك الأقيال والقدر
الصولجان هم الأولى غرسوا
لبلادهم والتاج هم ضفروا
ما زالت الأيام عاملة
حتى تمثل فيك ما فكروا
فعلوت عرشا محييا أمل ال
عرب الأولى نابتهم العبر
وسينضوي حوليك شملهم
وكأنك المأمون أو عمر
فيعود فيهم مجد أمتهم
والفضل والعلم الذي نشروا
سعديك مصر فأنت منبعث ال
آمال يوم الجو معتكر
عم الردى والهول حولك في ال
دنيا وفيك الأمن منتشر
تتمتعين بكل طيبة
خيرا ويخزي حولك الخطر
أكرم به فألا وفاتحة
غرا لملك كله ظفر
حال الملوك دليل أمتهم
تشقى به أو تسعد البشر
فارقي إذن يا مصر آمنة ال
عثرات إن مليكك القمر
ملك جليل هيب عزك ال
أيام لا وان ولا ضجر
في الهول يوري كالزناد وعن
د المشكلات مفكر حذر
ولي الأمور فتى فكان أجل
وخير من ولوا ومن أمروا
ماذا يكون وفوق هامته
تاج حكاه النور والزهر
أورى المشيب مضاء همته
ونهاه فهو الصارم الذكر
ملك كريم كم سعى ليرى
مصرا تعز وقومه يسروا
هو روح مصر له بكل ثرى
منها وكل فضيلة أثر
النيل فيه رأى مساجله
محيي الثرى فكأنه المطر
فاض النماء بفضل همته
وكسا الموات الزرع والشجر
وتيمن الفلاح منتعشا
يجني الحياة وكان يحتضر
زهت الصناعة والزراعة والش
ركات وهي لسعيه ثمر
سعدت به مصر وقاطنها
وسريرها والبدو والحضر
أعظم به ملكا يمثل من
يرعى جميعا وهو مختبر
فرد حوى الشورى بخبرته
ووفاه لا يلوي ولا يذر
مالي أعدد من مناقبه
فحسين يوصف حين يذدكر
مولاي عفوا لست أقصد أن
أحصي شمائل فيك تزدهر
ما ذاك بالأمر اليسير وهل
تحصى النجوم وتجمع الدرر
لكن إذا بكر الرياض ربي
ع المزن فاح أريجها العطر
أوليتني نعما أنوء بها
أفلا أكون أبر من شكروا
ما عشت لن أنسى صنيعة مو
لاي الذي برضاه أفتخر
حبيب زين بك المحامي
إن الرعايا بالملوك تسود
الله يعلم والأنام شهود
إن الرعايا بالملوك تسود
واليوم عرش النيل أصبح ربه
ملكا له كل القلوب عبيد
واليوم ثغر القطر أصبح باسما
والطالعات بأفق مصر سعود
لك يا ابن إسماعيل من إخلاصنا
ومن العناية والجلال جنود
العرش قبلتنا وإن قلوبنا
من حول عرشك ركع وسجود
إن الملوك قصيدة منظومة
ولأنت بيت في القصيد فريد
كم من يد أسديتها ومآثر
في كل آونة لها تجديد
العلم أنت نصيره وظهيره
وعليه بالذهب النضار تجود
والبائسون على الزمان أعنتهم
فشدا بحمدك أشيب ووليد
ونهجت للزرع نهج فلاحهم
فاخضر عيشهم وأورق عود
والرأي في الشورى التي قلدتها
رأي يحل المعضلات سديد
حزت الفضائل كابرا عن كابر
فالفضل عندك طارف وتليد
الجد أسس في الكنانة ملكه
وبنى أبوك وجئت أنت تشيد
تزجي الوفود لعابدين مطيها
ومن العواطف والولاء وفود
ويقبلون يدا وفي تقبيلها
شرف على الشرف التليد يزيد
والجيش يهتف بالدعا فيجيبه
نصر على رغم العداة عتيد
يا ابن الألى قادوا الفيالق للوغى
فوق الجياد بهم تموج البيد
يتفيأون من السيوف ظلالها
وتظلهم فوق السيوف بنود
أرج الذي ترجو تنل ما تبتغي
ومر الزمان بما ترى وتريد
فالله عونك والنفوس لك الفدا
ولملكك التوطيد والتأييد
العبد المخلص الأمين
سليم قبعين
قلادة العقبان في تهنئة عظمة السلطان
تهادى الموكب الملكي دلا
يحف جلاله الملك الأجلا
مشى بالكامل السلطان ترنو
إلى إقباله (عابدين) جذلى
إلى حيث ارتقى العرش المفدى
ككسرى العدل في الإيوان حلا
فظلت مصر تسأل ما تؤدي
وأي مراسم بالسبق أولى
تزف له التهاني أم تهني
بنور جبينه التاج المحلى
لئن ضاعفت مصر التهاني
لقد هنئت بالسلطان مثلا
ظفرت بمشبه العمرين عدلا
ومرحمة وإحسانا وفضلا
خلصت من القيود على يديه
فلم يترك بك التحرير كبلا
فسيرى في التقدم سير هاد
مجد لا يرى في السير مهلا
فيقفو الشرق خطوك في المعالي
فما زلت الدليل له الأدلا •••
أمولاي الحسين لأنت مولى
خلقت موفقا رأيا وعقلا
حفظت لمصر عرشا كاد يكبو
وزدت بأن تأيد مستقلا
وكان له من السودان بعض
فقد أحرزت بعد البعض كلا
فرتب ملكك الغالي ونظم
وباشر أمره عقدا وحلا
وأول الأرض عمرانا وخصبا
وأهليها مساواة وعدلا
وعدت بنظرة نحو الرعايا
تخفف من أذى الأزمات ثقلا
فأضحى الناس يرتقبون وقتا
به ذات المليك لهم تجلى
إذا ما البدر حان له طلوع
غدا شغل النواظر أن يطلا •••
أبا الفلاح أسعده ببر
يراك لفعله كفوا وأهلا
وداو شؤونه من كل داء
بفضل تجارب حصلت قبلا
فما يدري عنا الفلاح ملك
إذا لم يخبر الفلاح فعلا
مر النيل السعيد يعد سخيا
فكم أصلاه وقت الجود بخلا
وخذ عهدا عليه الدهر أن لا
يحيد عن الوفاء ولا يخلا
لنأمن غدره الماضي وحاشا
نرى في عهدك الميمون محلا
أقامت مصر حبنا لم تشاهد
لهذا المهرجان الفخم مثلا
فقد وهب القلوب وضى وأنا
كما بهر العيون سنى وشكلا
وهز قرائح الشعراء هزا
فأرسلت القريض المستهلا
إذا وجدوا محل القول رحبا
فما عذر الذي يذر المحلا
لئن سلكوا لوصفك كل معنى
فما ذكروا القليل ولا الأقلا
وكيف ينال كنه الوصف شعر
علا الموصوف غايته وجلا
فدم للتاج والفلاح ذخرا
وللعرش الظليل ومن أظلا
ولا زلت المعظم طول عمر
ولا زالت لك الدعوات تتلى
بسطا بشاي
رئيس قسم رابع بمديرية جرجا
وقد نظم أخيرا حضرة الفاضل قسطنطين بك داوود ما يأتي مؤرخا وسينظم أيضا قصيدتين فرنسية وإنكليزية في هذا المعنى.
الحمد لله سعد الله قد كملا
بالكامل اليوم إذ قد نال ما أملا
لم لا يتم سعود القطر قاطبة
والعدل أشرق في الآفاق مكتملا
فالعدل حقا أساس الملك في أمم
والملك ما دام إلا للذي عدلا
لذاك حين استوى فينا الحسين على
عرش البلاد رأينا البشر قد شملا
كيف الهنا لا يعم الناس أجمعهم
أم كيف لا تمتلي أرواحنا جذلا
وهو المليك الذي فاضت مراحمه
وعدله في البرايا قد جرى مثلا
سلطاننا ذو الأيادي البيض من قدم
فكم لأمته أجرى وكم فعلا
محيي العلوم معين مجدها فيه
لقد زها روضها من بعد أن ذبلا
أبقاه رب السما في ظله أبدا
وفي سناء رفيع طلول الحملا
إن كان بين سلاطين الورى رجل
بالفعل كان حسين ذلك الرجلا
أو كان في قلبهم حب إلى وطن
يفدونه كان حقا بينهم بطلا
إذا دعوه أبا الفلاح لا عجب
فإن مجهوده من أجله بذلا
بل إنه لجميع الناس خير أب
ودونه أبدا لا نبتغي بدلا
فكلنا أمل أن البلاد به
ترقى ويهمي عليها الخير منهملا
لا زال مع أسرة في العز مرتفعا
ومد في نعم ربي له الأجلا
قد قلت للقوم إذا ولى الحسين نص
ر العلم والعلما والفضل والفضلا
يا قوم ما لك مسرورا فقال لنا
بيتا من الشعر تاريخاه قد فصلا
الخير فاض لنا منه وآب به
بالكامل الخير والإسعاد قد كملا
841 881 81 95 9 7
124 841 173 104 91
سنة 1914
سنة 1333
بشرى لمصر فإن المجد عادلها
بل أدركت بحسين أوج كل علا
لذاك قد أصبحت في السعد رافلة
تقول لاح فلاحي والسرور حلا
وأرخت لي الصفا أنواره بزعت
مع كامل القطر صفوي عاد مكتملا
40 202 263 1409
110 91 340 86 75 531
سنة 1914
سنة 1333
نظم حضرة الفاضل الشدياق منصور اسطفان من أساتذة مدرسة الآباء اليسوعيين في القاهرة معجزة شعرية رفعها إلى أعتاب صاحب العظمة السلطان الكامل حسين الأول سلطان مصر، وهي تتضمن اثنين وسبعين تاريخا لعام 1333 هجريا تؤخذ من كل من الأشطر الثمانية ومن ضم معجم أي صدر إلى مهمل أي عجز ومن معجم أي عجز إلى مهمل أي صدر.
وتتضمن أيضا أربعة وستين تاريخا لعام 1914 مسيحيا، تؤخذ من ضم كل من الصدور إلى معجم كل من الأعجاز بعد حذف 85 من أعدادها، وإلى مهمل كل من الأعجاز بعد حذف 86، ثم من ضم كل من الأعجاز إلى معجم كل من الصدور بعد حذف 86 وإلى مهمل كل من الصدور بعد حذف 85.
وقد افتتحت صدور الأبيات بحروف إذا جمعت كان منها اسم حسين:
حسين شد له عرشا رسا وزكا
بفرع بيت رفيع بادعا فلكا
سامي الخصال سرى أصلا لزان هدى
ابنا بخير أب رام العلا ملكا
بالأمس العزم نصر الله خولكا
تاجا وريق القنى والرسل جملكا
نصل الكنانة صدر العز يقصده
مصرا خصيبا بمن أسموا بها ملكا
هذا المليك حسين شرف ملكه
اليوم يوم الفوز والآمال
ومطالع الإسعاد والإقبال
ومسرة قد أينعت أغصانها
في روضة العلياء بالإجلال
وبدور أنس أسفرت عن صفوها
بين الورى بمقاصد ونوال
والدهر في شرف بها يزهو كما
تزهو الكنوز بجوهر ولآلي
والكون بالبشرى تجلى بالبهى
في موكب الحسنى بحسن كمال
والناس في فرح وفي مرح وفي
أنس يدوم لها مدى الأجيال
وبلاد مصر بمثل هذا اليوم قد
يأتي الهناء لها بغير مثال
يوم الجلوس بدا ليمن زاهر
من فوق عرش أريكة بمعالي
الله أكبر فهو عيد أكبر
أضحت به الأعداء في الأغلال
لو قلت ليس كمثله في صفوه
أقسمت أنك لم تكن متغال
هذا المليك حسين شرف ملكه
حاز العلا باليمن والأفضال
ملك له في كل جارحة هوى
ملك القلوب جميعها بجلال
بالعز يا مولاي دمت وبالهنا
متمتعا بالآل والأنجال
يا خير مولى للبلاد وعزها
وأعز من يرجى لأمر عالي
يا مالكا مهج الجميع بعدله
غاية المقصود والآمال
كل البلاد وأهلها يا سيدي
تفديك بالأرواح والأموال
أنت الكريم بن الكرام حقيقة
وأقل مدح في صفاتك غالي
أوليت مصر محامدا ومنحتها
سعدا يزف لها المنى بنوال
فاقبل نشيد المغربي محمد
وكفى قبولك فهو خير نوال
واهنأ بيوم قلت فيه مهنئا
اليوم يوم الفوز والآمال
محمد محمد المغربي
مدير الجوق الإسكندري العربي
وقد هنأ عظمته في يوم جلوسه بالبيتين الآتيين حضرة المحامي نجيب بك هواويني خطاط الحضرة السلطانية والخبير في مضاهاة الخطوط.
بشرى لوادي النيل في سلطانه
ملك المفاخر والمعالي الأكبر
فلقد زهت مصر بيوم جلوسه
وغدت مؤرخة «بكامل تفخر»
ولما شبت النار في إحدى غرف سراي عابدين وأطفئت في الحال، قال صاحب العزة الناثر الناظم إبراهيم بك رمزي رئيس قلم الترجمة بالديوان السلطاني:
لا تفزعنك النار سلطاننا
إن لم تكن نار القرى فالهدى
حفظت بيت الملك من نكبة
يحفظك الله ويردي العدا
لو تفتدي الأنفس مختارة
سلطانها الشهم فنحن الفدا
قال حضرة الكاتب الفاضل صاحب التوقيع تحت العنوان الآتي:
الحمد لله
قد حفظ الله سلطاننا
فالحمد لله على فضله
أجبت يا رب دعا أمة
نالت جزيل الخير في ظله
يوسف حمدي يكن
بالديوان العالي السلطاني
عظمة السلطان في المعاهد العلمية
أنعم بعهدك يا ابن إسماعيلا
أبلغت مصر مرادها المأمولا
تالله ما في القوم غير محبذ
لعطاك أو محص لديك جميلا
ما كنت للفلاح إلا موثلا
ولذي العثار مواسيا ومقيلا
حسب الرعية منك عطف مؤازر
يهب النضار ولا يرد نزيلا
لو كان للعليا لسان ناطق
نشدت بمدحك بكرة وأصيلا
يممت دور العلم فانتعشت بها
أرواح طلاب رأوك دليلا
فالفضل كل الفضل ما غرست لهم
أيديك من جود غدا مبذولا
رب الأريكة كم بمصر معالما
أحييتها غرا وكن طلولا
كل المكارم قد ملكت زمامها
والمجد أصبح في يديك ذلولا
فلتحي سلطان البلاد معززا
في عهدك الأسمى تسوس النيلا
بديع خيري
مدير مدرسة السلطان حسين الأول
تهنئة ودعاء
لما تشرف حضرات المحامين الفضلاء بتناول طعام العشاء على المائدة السلطانية قدم صاحب العزة الناثر الناظم إسماعيل عاصم بك المحامي الشهير إلى عظمته قصيدة ضمنها تاريخ جلوسه السعيد على أريكة السلطنة، فتقبلها عظمته قبولا حسنا وأثنى على حضرة إسماعيل بك وشكر له ولاءه وإخلاصه، وهذه هي القصيدة التي أجعلها حسن الختام:
العدل للملك تشييد وعمران
والعلم والفضل للعمران أركان
والصدق والحلم والإقدام إن وجدت
هناك يوجد للإصلاح إمكان
هذي السجايا لدى السلطان كاملها
يزينها منه إخلاص وإحسان
شهم عرفناه من عهد الشبيبة في
مجد وفضل به الأمصار تزدان
وافى له ملك مصر وهو زاهده
لولا رعايا تناديه وأوطان
ومالك الملك يؤتي الملك منه لمن
يشاء وهو له في خلقه شان
فاهنأ بما نلت يا سلطان وابق على
عرش الأولى بحجاهم ملكهم زانوا
فسعد ملكك لما أرخوه زها
في مصر كامل زان العرش سلطان
واحفظ بهمتك الشماء مصر وصن
وزارة كلها رشد وإمعان
قامت بأعباء هذا القطر وهو على
ما يعلم الله فاعتزوا وما هانوا
وزان ديوانك العالي جهابذة
عن الفضيلة ما حادوا ولا مانوا
في ظل راية قوم أينما وجدت
في الأرض كان لها في النجم ميدان
قوم كرام عزيز الجار عاهلهم
والمحتمي بحماهم حقه صانوا
واجعل لنا مجلس النواب نافذة
آراؤهم إنهم للحق معوان
والناس من جهة الشورى مشاربهم
تزاحمت واحتكاك الرأي تبيان
وقامت الخلفاء الراشدون بها
فقام في ملكهم للعدل بنيان
حتى أتت أمم والجهل رائدهم
قد استبدوا فباد العز والشان
فافتح بعصرك عصر الراشدين تكن
كأهل (لندن) عن الكل إنسان
والفرق ما بيننا علم وتربية
فامنحهما للورى فالشعب يقظان
وانشر بيمناك أعلام المعارف في
ربوع مصر فروح الملك عرفان
واقبل بشير الهنا فيما يؤرخه
حسين كامل زاهي الفضل سلطان
إسماعيل عاصم
المحامي
Shafi da ba'a sani ba