وقد عرف الشرق الأدنى في العصور القديمة جمع التحف، على أن ذلك كان لأغراض دينية وجنائزية؛ كما يتجلى لنا مما تكشف عنه الحفائر في معابد قدماء المصريين وقبورهم.
وكذلك عرف الشرق الأقصى، ولا سيما اليابان، جمع التحف الفنية؛ ولكن أكبر الظن أنهم كانوا يجمعونها لأغراض دينية أيضا، مثال ذلك: آلاف التحف التي أهدتها إمبراطورة يابانية إلى الإله بوذا، صدقة على روح زوجها في سنة 756 ميلادية، وحفظت التحف المذكورة في معبد بمدينة نارا، التي كانت عاصمة اليابان في القرن الثامن الميلادي. (4) العالم الإسلامي
أما المسلمون فقد عرفوا جمع التحف الغالية منذ اختلطوا بالأمم المعاصرة، وتقدمت مدنيتهم المادية، فكانت قصور الأمويين والعباسيين تضم بين جدرانها شتى الأواني والمنسوجات الفاخرة.
3
على أننا نظن أنهم كانوا يرمون بجمع هذه التحف إلى الانتفاع بها واستخدامها في حياتهم اليومية، وأكبر ظننا أن الفاطميين هم أول من عمل في الإسلام على جمع التحف الفنية جمعا منظما، ليس للانتفاع بها فحسب؛ بل تقديرا لقيمتها الفنية والأثرية، وقد وصل إلينا اسم تاجر يهودي في العصر الفاطمي - هو أبو سعد إبراهيم بن سهل التستري - كان تاجرا في التحف الثمينة النادرة.
4
الفاطميون
والفاطميون كما نعرف أسرة شيعية، قامت في المغرب الأدنى والأوسط حين أقبل دعاة الإسماعيلية على نشر مذهبهم، حتى أفلح عبيد الله - أول الخلفاء الفاطميين - في القضاء على حكم الأغالبة في إفريقية عام (296ه/909م)، ثم استطاع أن يبسط نفوذه على بلاد المغرب، واتخذ مدينة المهدية - على مقربة من تونس - مقرا لحكمه سنة (308ه/920م).
وكأن الفاطميين كانوا يشعرون منذ البداية بأن دولتهم في المغرب لم تكن قوية الدعائم، فنراهم يعملون على فتح مصر لثروتها ولضعف حكومتها في ذلك الوقت؛ ولتكون مركزا لقيصرية تتسع أرجاؤها فتنافس الدولة العباسية؛ ولكن سعي الفاطميين يفشل في عهد عبيد الله، وفي عهد ابنه وخليفته القائم بأمر الله، ولا ينجحون في بلوغ هذه الأمنية إلا في عهد المعز لدين الله، خليفتهم الرابع، الذي فتحت مصر على يد قائده جوهر سنة (357ه/969م) فاختط القاهرة، وشيد الجامع الأزهر، ورحل المعز وأفراد أسرته عن المغرب، ونقلوا مقر حكمهم إلى القاهرة، فكان ذلك فاتحة لضياع ممتلكاتهم في شمالي أفريقيا، وفي جزائر البحر الأبيض المتوسط؛ إذ لم يلبث عمالهم بنو زيري وبنو حماد أن استقلوا بالحكم في تونس والجزائر، كما سقطت صقلية ومالطة في يد النورمنديين بعد حوادث لا مجال لسردها هنا.
ولكن عوض الفاطميين عن هذه الخسارة ازدهار حكمهم في مصر وسورية، فأصبحت القاهرة تنافس بغداد وقرطبة، وازدادت ثروة البلاد، وعم الرخاء، وصارت الإسكندرية مركزا عظيما للتجارة بين الشرق والمغرب، ثم بدأ الضعف يدب في ملكهم الواسع في النصف الثاني من حكم المستنصر بالله، وفي عهد خلفائه، وزادت سلطة الوزراء والجند - كما سنذكر في الصفحات التالية - حتى أسس صلاح الدين الدولة الأيوبية في مصر سنة (567ه/1171م).
Shafi da ba'a sani ba