ذَلِك إِجْمَاعًا وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نَص الْبَعْض وَسكت الْبَاقُونَ لَا عَن خوف وضرورة بعد اشتهار القَوْل وانتشار الْخَبَر ومضي مُدَّة التَّأَمُّل فَقَالَ عَامَّة أهل السّنة يكون ذَلِك إِجْمَاعًا، وَيكون حجَّة، فَإِن مَا هُوَ حجَّة فِي حَقنا إِن كَانَ من الله يُوحى بِالروحِ الْأمين، وَقد تَوَاتر نَقله فَهُوَ الْكتاب، وَإِلَّا فَإِن كَانَ من الرَّسُول فَهُوَ السّنة؛ وَإِن كَانَ من غَيره، فَإِن كَانَ آراء جَمِيع الْمُجْتَهدين فَهُوَ الْإِجْمَاع، أَو رَأْي بَعضهم فَهُوَ الْقيَاس وَأما رَأْي غير الْمُجْتَهد سَوَاء كَانَ الْحَاكِم وَهُوَ الإلهام، أَو رَأْي غَيره وَهُوَ التَّقْلِيد، فَلَا يثبت بهما الحكم الشَّرْعِيّ، لعدم كَونهمَا حجَّة وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يجوز الْإِجْمَاع إِلَّا عَن سَنَد من دَلِيل أَو أَمارَة، لِأَن عدم السَّنَد يسْتَلْزم الْخَطَأ، إِذْ الحكم فِي الدّين بِلَا دَلِيل خطأ، وَيمْتَنع إِجْمَاع الْأمة على الْخَطَأ
وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع حرَام، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَسَاءَتْ مصيرا﴾ وَكفر جَاحد الْإِجْمَاع لَيْسَ بكلي أَلا يرى أَن متروكة التَّسْمِيَة عمدا مُحرمَة عِنْد الْحَنَفِيَّة، ثَابِتَة بِالْإِجْمَاع؛ مَعَ أَن الشَّافِعِي قَائِل بحلها وَالْخلْوَة الصَّحِيحَة كَالْوَطْءِ عِنْد الْحَنَفِيَّة بِالْإِجْمَاع، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد الشَّافِعِي، وترث زَوْجَة الفار عِنْد الْحَنَفِيَّة بِالْإِجْمَاع، وَلم تَرث عِنْد الشَّافِعِي، وَأَشْبَاه ذَلِك
وَالِاسْتِدْلَال على حجية الْإِجْمَاع بقوله تَعَالَى: ﴿كُنْتُم خير أمة﴾ إِلَخ لَيْسَ بتام
[والعامة تمسكوا فِي حجية الْإِجْمَاع بِالدَّلِيلِ النقلي، وَأَنه يَنْقَسِم إِلَى مُصَرح بِهِ وَإِلَى مُقَدّر أما الْمُصَرّح بِهِ فَقَوله تَعَالَى: ﴿كُنْتُم خير أمة﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وتنهون عَن الْمُنكر﴾ فَلَو اتَّفقُوا على مُنكر لما نهوا عَنهُ وَكَانَ (لما) نَاقِصَة أَو تَامَّة أَو زَائِدَة فَلَا دلَالَة فِيهَا على عدم كَونهم كَذَلِك فِي الْحَال وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ﴾ وَالْحكم الْمجمع عَلَيْهِ سَبِيل الْمُؤمنِينَ مَا يخْتَار لنَفسِهِ قولا وفعلا فَيجب اتباعهم فِيهِ لِأَن الله تَعَالَى جعل مُخَالفَة سَبِيل الْمُؤمنِينَ أحد أَسبَاب اسْتِحْقَاق النَّار وَأما النقلي الْمُقدر فَهُوَ أَنا نستدل بِالْعَادَةِ المطردة أَن جمعا من الْعلمَاء الْمُتَّقِينَ الْبَالِغين عَددهمْ التَّوَاتُر لم يجز عَلَيْهِم الِاتِّفَاق على الْكَذِب، فَإِذا قطعُوا بتخطئة الْمُخَالف دلنا ذَلِك أَنه بَلغهُمْ نَص من رَسُول الله ﷺ وَإِن لم ينْقل إِلَيْنَا لاحْتِمَال أَنهم استغنوا بِالْإِجْمَاع عَن الدَّلِيل أَو نقل ثمَّ اندرس والتمسك بِهَذَا أولى مِمَّا يحْتَمل وُجُوهًا، على أَن التَّمَسُّك بالظواهر إِنَّمَا بثبت بِالْإِجْمَاع فَلَزِمَ الدّور وَالِاخْتِلَاف على الْأَقْوَال الثَّلَاثَة إِجْمَاع مِنْهُم على بطلَان القَوْل الرَّابِع؛ وَهَذَا وَارِد فِي كل مَوضِع كاختلاف عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة فِي حكم المَاء الْمُسْتَعْمل على الْأَقْوَال الثَّلَاثَة من كَونه نَجَاسَة غَلِيظَة وخفيفة وطاهر أَو غير طَاهِر فَقَوْل سيدنَا مَالك وَالْإِمَام الشَّافِعِي ﵏ بِأَنَّهُ طَاهِر ومطهر قَول رَابِع يُخَالف الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فَهُوَ مَحْكُوم بِالْبُطْلَانِ عِنْد الثَّلَاثَة لوُقُوعه مُخَالفا لإِجْمَاع الثَّلَاثَة]
ثمَّ الْإِجْمَاع على مَرَاتِب: إِجْمَاع الصَّحَابَة وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْآيَة وَالْخَبَر الْمُتَوَاتر يكفر جاحده ثمَّ
1 / 43