التصيير، وَإِذا تعدى إِلَى مفعول وَاحِد يكون بِمَعْنى الْخلق والإيجاد، وَلَا فرق على عرف أهل الْحِكْمَة بَين الْجعل الإبداعي والجعل الاختراعي فِي اقتضائه المجعول وَهُوَ الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ والمجعول إِلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُود، وَإِن كَانَ بَينهمَا فرق، من حَيْثُ إِن الأول إِيجَاد الأيس عَن مُطلق الليس، أَي أَعم من أَن يكون مُقَيّدا بِمَا ذكر أَو غير مُقَيّد بِهِ
وَاعْلَم أَن الْحَقَائِق من حَيْثُ معلوميتها وعدميتها، وَتعين صورها فِي الْعلم الإلهي الذاتي الأزلي يَسْتَحِيل أَن تكون مجعولة لكَونه قادحا فِي صرافة وحدة ذَاته تَعَالَى أزلا، غير أَن فِيهِ تحصيلا للحاصل، فالتأثير إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي اتصافها بالوجود، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من أهل الْكَشْف وَالنَّظَر
والإبداع: من محسنات البديع، هُوَ أَن يشْتَمل الْكَلَام على عدَّة ضروب من البديع، كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿يَا أَرض ابلعي ماءك﴾ إِلَى آخِره، فَإِنَّهَا تشْتَمل على عشْرين ضربا من البديع، وَهِي سبع عشرَة لَفْظَة، كَذَا فِي " الإتقان "
الِابْتِدَاء: هُوَ اهتمامك بِالِاسْمِ وجعلك إِيَّاه أَولا لثان يكون خَبرا عَنهُ، والأولية: معنى قَائِم بِهِ يكسبه قُوَّة إِذا كَانَ غَيره مُتَعَلقا بِهِ، وَكَانَت رتبته مُتَقَدّمَة على غَيره
والبدء: من بَدَأَ الشَّيْء، أنشأه واخترعه قَالَ الله تَعَالَى: ﴿أولم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق﴾ ثمَّ قَالَ: ﴿كَيفَ بَدَأَ الْخلق﴾ هَذَا فِيمَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ
وبدأت بالشَّيْء، وبدأته، وابتدأت بِهِ وابتدأته: بِمَعْنى قَدمته على غَيره وَجَعَلته أَو الْأَشْيَاء، وَمِنْه (بدأت الْبَسْمَلَة)، وَقَول الخطباء: " إِن الله أَمركُم بِأَمْر بَدَأَ فِيهِ بِنَفسِهِ " إِلَّا أَن فِي الِابْتِدَاء زِيَادَة كلفة كَمَا فِي مثل: (حملت)، و(احتملت)
وَإِذا شرعت فِي قِرَاءَة الْكتاب مثلا وَقلت: (بدأت الْكتاب، وابتدأت بِالْكتاب) فَلَا اسْتِحَالَة فِي أَن يكون مَعْنَاهُ: أنشأت قِرَاءَته وأحدثته، لَكِن الظَّاهِر الْمَعْقُول أَن هَذَا البدء والابتداء يستعملان فِيمَا لَهُ أَجزَاء أَو جزئيات، وَيكون حُدُوثه على التدريج كالقراءة وَالْكِتَابَة، فالبدء إضافي بِالْإِضَافَة إِلَى سَائِر أَجْزَائِهِ أَو جزئياته
والابتداء: أَمر عَقْلِي وَمَفْهُوم كلي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج إِلَّا فِي ضمن الْأَفْرَاد كَسَائِر الْأُمُور الْكُلية، وَلَا أَفْرَاد لَهُ فِي الْخَارِج حَقِيقَة، كالإنسان مثلا، وَإِنَّمَا أَفْرَاده حصص الْجِنْس الْحَاصِلَة بِالْإِضَافَة إِلَى الْأَزْمِنَة والأمكنة، وَهَكَذَا مفهومات المصادر كلهَا، فَإِنَّهَا لكَونهَا أمورا اعتبارية نسبية لَا وجود لَهَا إِلَّا فِي ضمن النّسَب الْمعينَة، والإضافات الخارجية فالابتداء الْحَقِيقِيّ: هُوَ الَّذِي لم يتقدمه شَيْء أصلا؛ والإضافي: هُوَ الَّذِي لم يتقدمه شَيْء من الْمَقْصُود بِالذَّاتِ، والعرفي: هُوَ الِابْتِدَاء الممتد من زمن الِابْتِدَاء إِلَى زمن الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود، حَتَّى يكون كل مَا يصدر فِي ذَلِك الزَّمَان يعد مُبْتَدأ بِهِ
قَالَ بَعضهم: الإضافي: يعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعده شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى الْمَقْصُود بِالذَّاتِ
1 / 30