85

Kome da Fiye

كل شيء وأكثر: تاريخ موجز للانهائية

Nau'ikan

سنتعرف في عجالة على تغييرين واسعي النطاق في عالم الرياضيات. يتضمن التغيير الأول التجريد. تقوم أغلب الرياضيات منذ الإغريق وحتى جاليليو على أساس تجريبي: مفاهيم الرياضيات كانت عبارة عن تجريدات صريحة من الخبرة الواقعية. وهذا هو أحد أسباب أن الهندسة (مع أرسطو) هيمنت على المنطق الرياضي لفترة طويلة. وكان الانتقال الحديث من المنطق الهندسي إلى المنطق الجبري

19

هو في حد ذاته مؤشرا على حدوث تحول كبير. بحلول العقد الأول من القرن السابع عشر، أصبحت كيانات مثل الصفر والأعداد الصحيحة السالبة والأعداد غير النسبية تستخدم بشكل روتيني. والآن، سأضيف إلى ذلك ما شهدته العقود اللاحقة من تعريف الأعداد المركبة واللوغاريتمات النابيرية وكثيرات الحدود ذات الدرجات الأعلى والمعاملات الحرفية في الجبر - بالإضافة بالطبع إلى المشتقتين الأولى والثانية والتكامل - ومن الواضح أنه اعتبارا من تاريخ ما قبل عصر التنوير أصبحت الرياضيات بمنأى تام عن أي نوع من الملاحظة الواقعية حتى إن سوسور ونحن نستطيع القول بأنها الآن - بوصفها نظاما من الرموز - قد أصبحت «مستقلة عن العناصر المحددة»؛ بمعنى أن الرياضيات أصبحت الآن تهتم بالعلاقات المنطقية بين المفاهيم المجردة أكثر من أي تناظر معين بين هذه المفاهيم والواقع المادي. القصد أنه في القرن السابع عشر أصبحت الرياضيات بالأساس نظام تجريدات من تجريدات أخرى، بدلا من كونها نظام تجريدات من العالم.

أضفى هذا نوعا من التناقض على ثاني تغيير مهم: اتضح أن توجه الرياضيات الجديد نحو التجريد المفرط مفيد على نحو لا يمكن تصوره في تطبيقات العالم الحقيقي، في العلوم والهندسة والفيزياء وغيرها. ولنأخذ - كمثال واحد واضح على ذلك - حساب التفاضل والتكامل، الذي يعد أكثر تجريدا بكثير عن أي نوع من الرياضيات «العملية» (مثل: ما الملاحظة الحياتية التي يمكن من خلالها أن يتراءى للمرء أن ثمة علاقة ما بين سرعة الجسم والمساحة المحصورة بمنحنى؟)، ومع ذلك فإنه يصلح على نحو غير مسبوق في تمثيل/تفسير الحركة والعجلة والجاذبية وحركة الكواكب والحرارة - أي شيء يخبرنا به العلم عن العالم الحقيقي هو حقيقة. ومن ثم، لم يكن عبثا ما أطلقه دي بيرلينسكي على حساب التفاضل والتكامل من حيث كونه «القصة التي رواها هذا العالم لنفسه عندما أصبح العالم الحديث»؛ لأن موضوع العالم الحديث، وماهيته، هما العلم. وشهد القرن السابع عشر اكتمال الاندماج بين الرياضيات والعلم، حيث كانت الثورة العلمية سببا ونتيجة لانتشار الرياضيات الساحق؛ لأن العلم - الذي تحرر على نحو متزايد من قيود أرسطو بوضع الجوهر في مقابل المادة والاحتمالي في مقابل الفعلي - قد أصبح الآن مشروعا رياضيا بالأساس

20

حيث تشكل القوة، والحركة، والكتلة، والقانون كصيغة، القالب الجديد لفهم الآلية التي يعمل بها الواقع. وبحلول أواخر العقد الأول من القرن السابع عشر، أصبحت الرياضيات الجادة جزءا من علم الفلك والميكانيكا، والجغرافيا والهندسة المدنية وتخطيط المدن، وأعمال المحاجر والنجارة والتعدين، والكيمياء والهيدروليكا (علم السوائل المتحركة) والهيدروستاتيكا (علم توازن السوائل)، وعلم البصريات وصقل العدسات، والاستراتيجية العسكرية وتصميم البنادق والمدافع (علم الأسلحة)، وصناعة النبيذ، والهندسة المعمارية، والموسيقى، وبناء السفن، وضبط الوقت، وحساب التقويم، وكل شيء.

وكان التأثير العملي بمثابة سلاح ذي حدين. وهنا يحضرنا اقتباس حاسم من إم كلاين «عندما بدأ اعتماد العلم يزداد أكثر وأكثر على الرياضيات للوصول إلى استنتاجاته المادية، بدأ اعتماد الرياضيات يزداد أكثر وأكثر على النتائج العلمية لتفسير طرقها الخاصة.» وهذا الاتحاد - كما سنعرف بمزيد من التفصيل في الجزأين 4 و5 أدناه - مثمر، ولكنه أيضا محفوف بالمخاطر. باختصار، كل أنواع المقادير والطرق المشكوك فيها سابقا أصبحت مقبولة الآن للرياضيات نظرا إلى فعاليتها العملية، بمعنى أن الرياضيات إذا كانت تريد الاحتفاظ بصرامتها الاستنتاجية فسوف يتعين عليها أن تضع لها «نظريات» تفسرها بدقة ويكون لها أساس في مخطط الرياضيات البديهي. ترى ما الأمثلة التي سنهتم بعرضها هنا فيما يخص هذه المفاهيم التي ظلت موضع شك وتساؤل لفترة طويلة؟ فلنلق نظرة على كلاين بأسلوبه المستساغ مرة أخرى، في كتابه «الفكر الرياضي»، وتحديدا في فصل بعنوان «الرياضيات اعتبارا من عام 1700»: «أصبح لا بد [الآن] من التعامل مع المقادير المتناهية الكبر التي عمل الإغريق جاهدين على تجنبها، وكذلك المقادير المتناهية الصغر التي اجتنبها الإغريق بمهارة.»

الجزء 3(ج)

ثم بعد ذلك عندما ظهرت قصة اللانهاية في أواخر العقد الأول من القرن السابع عشر ، أصبحنا الآن ننطلق بسرعة فائقة لا رجعة فيها نحو كانتور وآخرين، وأصبحت الرياضيات أكثر تجريدا واختصاصا. ومن المتفق عليه سلفا أنك عند نقاط محددة سوف تكون في حاجة ملحة إلى معاجم صغيرة وسريعة تستعين بها عند الضرورة، تشتمل على تعريفات لبعض المصطلحات/المفاهيم التي لا يمكن تجنبها بحيث يتسنى لك بعد ذلك استخدامها دون أن تضطر باستمرار إلى التوقف وقضاء الوقت في استكشاف معناها. بعضها سيكون جديدا، وبعضها سبق ذكره أو ربما يبدو واضحا نوعا ما، ولكنه مهم بما يكفي لأن يستلزم تعريف معناها ومعنى بعض المصطلحات الفرعية المرتبطة بها بدقة وإحكام تام.

ملاحظة: ربما يكون مسرد المصطلحات الأول التالي جافا إلى حد ما؛ لأنه مقتضب تماما، وعلى الرغم من أنه كان من المحبذ تحديده على أنه معلومة إضافية للقراء الذين لديهم خلفية قوية بالرياضيات، فالواقع أن الكثير من التعريفات مستخلص ومبسط بعناية حتى إنه يجدر بك على الأرجح أن تخصص وقتا على الأقل لتصفح هذا المسرد كي تستوضح الطرق المحددة التي سوف تستخدم بها هذه المصطلحات. وفيما يخص القراء الذين لا تتوفر لديهم دراية كبيرة بمحتوى الرياضيات الجامعي، على الجانب الآخر، من المفترض أن يكون مسرد المصطلحات التالي هو كل ما يلزمهم للمضي قدما على الأقل في الأجزاء القليلة التالية.

Shafi da ba'a sani ba