قال السيناتور بينما كان قد بدأ في ارتداء حذائه: «في الواقع أعرف جيدا إلى أين يمكنهما أن يذهبا.»
كانت السيدة بيرد امرأة حصيفة، امرأة لم تقل في حياتها أبدا جملة «لقد أخبرتك بذلك!» وفي اللحظة الراهنة، وعلى الرغم من معرفتها بالشكل الذي تتخذه أفكار زوجها، إلا إنها لم تتطفل عليه فيها، بل جلست في غاية الهدوء في كرسيها، وبدت مستعدة لأن تسمع أفكار زوجها حين يرى أنه من الملائم أن ينطق بها.
قال السيد بيرد: «هناك عميلي القديم، وهو فان ترومب، وقد أتى من كنتاكي وحرر جميع العبيد لديه، وقد اشترى منزلا في الغابة على بعد سبعة أميال من النهر هنا، وهو مكان لا يذهب إليه أحد إلا عمدا، كما أن ذلك المكان لا يمكن للمرء أن يجده وهو على عجلة من أمره. هناك ستكون هذه المرأة بأمان؛ لكن أسوأ ما في الأمر أنه ليس بمقدور أحد سواي أن يقود العربة والخيول إلى ذلك المكان.» «ولماذا؟ إن كادجو يقود العربة بمهارة.» «أجل، أجل. لكن إليك السبب. لا بد وأن يتم عبور النهر مرتين، وتكون المرة الثانية في غاية الخطورة إلا إذا كان المرء على دراية كبيرة بها كما أفعل. لقد عبرت النهر مئات المرات على ظهر الخيل وأعرف تماما الخطوات والمنعطفات التي أسلكها. ينبغي أن يجهز كادجو الجياد بحلول الثانية عشرة عند منتصف الليل، بأقصى قدر يستطيعه من الهدوء، وسوف أوصلها إلى هناك؛ ثم أذهب بعد ذلك إلى حانة كولومبوس عند الساعة الثالثة أو الرابعة، وبهذا سيبدو الأمر وكأنني لم آخذ العربة سوى للذهاب إلى تلك الحانة.»
قالت الزوجة بينما وضعت يديها البيضاء ضئيلة الحجم على يديه: «قلبك أفضل من عقلك في هذا الموقف يا جون. هل كنت لأحبك قط لو لم أكن أعرفك أفضل مما تعرف أنت نفسك؟» وبدت المرأة رائعة الجمال حين ترقرقت الدموع في عينيها، حتى ظن السيناتور أنه رجل في غاية المهارة والذكاء بحيث تمكن من جعل مخلوق في غاية الجمال والروعة كزوجته تمدحه، وبهذا ما الذي يمكن له أن يفعله سوى أن يسير مبتعدا عنها لينظر في أمر العربة؟ وقف الزوج عند الباب لحظة ثم قال بينما عاد إليها وفي صوته شيء من تردد: «ماري، لا أعرف كيف سيكون شعورك حيال الأمر، لكن هناك ذلك الدرج المليء بأشياء ... أشياء هنري.» وبقوله لتلك الكلمات استدار مسرعا وسار نحو الباب وأغلقه خلفه.
فتحت زوجته باب حجرة النوم الصغيرة الملحقة بحجرتها، وأخذت الشمعة ووضعتها على مكتب بها؛ ثم أخرجت مفتاحا من تجويف صغير ووضعته ببطء في قفل أحد الأدراج، ثم توقفت فجأة؛ حيث وقف طفلان صغيران كانا قد تبعاها وراحا ينظران إلى أمهما.
فتحت السيدة بيرد الدرج ببطء.
فتحت السيدة بيرد الدرج ببطء، وكان به الكثير من المعاطف الصغيرة المتعددة الأشكال، وأكوام من المآزر وصفوف من الجوارب الصغيرة، ومن بين طيات ورق برز زوجان من الأحذية الصغيرة كان يبدو عليها أنها ارتديت من قبل، وقد ظهرت عليها آثار من ناحية الجزء الذي يغطي أصابع القدم. وكان بالدرج دمية على شكل حصان وعربة فوق كرة. جلست السيدة بيرد واتكأت برأسها على راحتي يديها وظلت تبكي حتى انسابت الدموع من بين يديها وسقطت على الدرج؛ ثم فجأة وبشيء من التوتر أسرعت بتجميع أبسط الأشياء وأهمها وتحزيمها.
قال أحد الطفلين وهو ينظر إليها في دهشة: «أمي، هل ستتبرعين بهذه الأشياء؟»
لفت ذراعها بلطف بالغ حول كتفه وقالت: «عزيزي، لو كان هنري الصغير ينظر إلينا من السماء الآن فسيكون مسرورا لأن نفعل ذلك. لم يكن بإمكاني أن أعطيهم لأي أحد يشعر بالسعادة، لكنني أعطيهم لأم تشعر بالحزن أكثر مني، وأصلي للرب أن يبارك لها في صبيها.»
كانت الدموع تسيل غزيرة على خديها، ولمعت بعضها على المعطف الصغير وكأنها قطرة ندى، لكن شفتيها كانتا تبتسمان ابتسامة رائعة. ثم استدارت وأخذت من خزانة ملابسها بعض الملابس التي يمكن لإلايزا أن ترتديها، ثم جلست تقيس طولها. وأحضر الصبيان صندوقا صغيرا مغطى بالجلد من العلية وساعداها على حزم الملابس فيه. كان الوقت قد تخطى موعد نومهما بفترة طويلة، ونظرا إلى الساعة ثم إلى بعضهما ثم استرقا النظر إلى أمهما. لكنها سمحت لهما بأن يظلا مستيقظين؛ لأنها شعرت أنهما الآن يتلقيان أول وأفضل دروسهما في مساعدة المحتاجين والعطف عليهم. «أجل، يا إلهي. أجل.»
Shafi da ba'a sani ba