قال الشيخ أبو محمد موفق الدين ابن قدامة رحمه الله تعالى لما أنجز كلامه في مسألة: هل كل مجتهد مصيب أم لا؟ ورجح أنه ليس كل مجتهد مصيب بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين، قال: وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم إلى أن قال وأما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينا وكفر بالله تعالى ورد عليه وعلى رسوله، فإنا نعلم قطعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه، وذمهم على إصرارهم وقاتل جميعهم، يقتل البالغ منهم ونعلم أن المعاند العارف ممن يقل، وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصدقه. والآيات الدالة في القرآن على هذا كثيرة كقوله تعالى: {ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} {إن هم إلا يظنون} وقوله: {ويحسبون أنهم على شيء} {ويحسبون أنهم مهتدون} {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} وفي الجملة ذم المكذبين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينحصر في الكتاب والسنة. انتهى
فبين رحمه الله تعالى أنا لو لم نكفر إلا المعاند العارف لزمنا الحكم بإسلام أكثر اليهود والنصارى، وهذا من أظهر الباطل.
فقول الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: إن التكفير والقتل موقوف على بلوغ الحجة. يدل كلامه على أن هذين الأمرين وهما التكفير والقتل ليسا موقوفين على فهم الحجة مطلقا بل على بلوغها ففهمها شيء وبلوغها شيء آخر، فلو كان هذا الحكم موقوفا على فهم الحجة لم نكفر ونقتل إلا من علمنا أنه معاند خاصة، وهذا بين البطلان بل آخر كلامه رحمه الله يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على كثير من الناس، وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة، كالجهل ببعض الصفات.
Shafi 9