99

كن صحابيا

كن صحابيا

Nau'ikan

وجوب اتباع النبي ﷺ في كل أمر لم يثبت اختصاصه به روى الإمام مالك في موطئه عن التابعي الكبير عطاء بن يسار ﵀، وكان ممن يسكن المدينة: (أن رجلًا قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجدًا شديدًا)، يعني: حزن حزنًا كبيرًا جدًا، وخاف أن يكون قد ارتكب محظورًا يأثم به، مع أن هذا ليس بحرام، لكن الرجل لم يكن يعرف ذلك، فأرسل امرأته لتسأل له عن ذلك، وهنا نلحظ أن الرجل عنده مراقبة داخلية لله ﷿، وحريص على أن يعرف رأي الرسول ﷺ في هذه المسألة، لكنّ حياءه منعه من ذلك، (فبعث امرأته لتسأل إحدى زوجات الرسول ﷺ، فدخلت زوجته على أم سلمة زوج النبي ﷺ فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله ﷺ يقبل وهو صائم، فرجعت المرأة وأخبرت زوجها بذلك، فزاده ذلك شرًا، يعني: زاده حزنًا، وقال: لسنا مثل رسول الله ﷺ، فالله يحل لرسوله ﷺ ما شاء). وهذا كان اجتهادًا من الرجل، ولو سحبنا هذا الاجتهاد على كل قواعد الدين لضاع الدين، فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجدت رسول الله ﷺ عندها فقال رسول الله ﷺ: (ما لهذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة بقصتها، فقال رسول الله ﷺ: ألا أخبرته أني أفعل ذلك؟ فقالت له أم سلمة: قد أخبرتها، وذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرًا، وقال: لسنا مثل رسول الله ﷺ، فالله يحل لرسوله ما شاء. فغضب الرسول ﷺ غضبًا شديدًا)، وهنا نجد أن مواطن الغضب في حياة الرسول كانت قليلة جدًا؛ لأنه ﷺ لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله ﷿، لكن كان هذا الرجل مشددًا على نفسه، لكن ذلك لا ينفع، فلا بد من تقليد الرسول في كل نقطة من نقاط حياته، ثم قال ﷺ: (والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده). إذًا: فالذي عمله رسول الله ﷺ هو الحلال، والذي منع منه هو الحرام من غير أي تكلف، فأي شيء عمله في العبادة والطاعة والتقرب إلى الله وأمر به المسلمين ولم يقل: إنه خاص به فعلى المسلمين أن يعملوه ولا يزيدوا عليه شيئًا، فالذي عمله النبي ﷺ هو الصحيح من غير زيادة ولا نقصان. وتأمل موقف الصديق من إنفاذه لبعث أسامة بن زيد ﵄؛ وذلك أن النبي ﷺ بعث جيشًا لحرب الروم قبل أن يموت بأيام قليلة، ثم مات ﷺ وارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية، وخاف الناس على المدينة، بل تخوفوا على الإسلام، وفي هذا الجو المشحون بالفتن والردة والخوف على المدينة أصر أبو بكر الصديق ﵁ وأرضاه على إنفاذ جيش أسامة بن زيد لمحاربة الروم، ولم يلتفت ﵁ إلى المرتدين وما يشكلونهم من خطر، لأن الذي أنفذ جيش أسامة هو الرسول ﷺ، وجاءت الناس تخاطب الصديق ﵁ وأرضاه وتقول له: دع الجيش في المدينة حتى يقوم بحمايتها، فرد عليهم قائلًا: لو تخطفتنا الطير وأكلتنا السباع حول المدينة، وجرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين، ما رددت جيشًا وجهه رسول الله ﷺ، ولا حللت لواءً عقده. فانظر كيف أن الصديق لم يخالف النبي ﷺ في هذا الأمر؛ ولذا كان من أعظم صفات الصديق ﵁ وأرضاه الاتباع للنبي ﷺ.

9 / 16