83

كن صحابيا

كن صحابيا

Nau'ikan

نعيم الجنة لا يدرك إلا بصدق العمل لها هناك أناس سيقولون كلمة غريبة جدًا، ألا وهي: كل الكلام الذي ذكرته نحن نعرفه، لكن نحن لم نشتغل للجنة! وانتبه يا مسلم! فالعلم الذي لا ينفع كأنه غير موجود، وكأنك جاهل، بل أخطر من ذلك؛ لأن العلم أصبح حجة عليك، والناس الذين كانوا يعيشون مع رسول الله ﷺ يعرفون أنه صادق، ويعرفون أن القرآن الكريم كلام الله تعالى، ولا يقدر عليه البشر، لكن عندما لم يسمعوا الكلام والنصيحة من رسول الله ﷺ ماذا كانت النتيجة؟ هل نفعهم علمهم هذا؟ لا، وانظر إلى الوليد بن المغيرة ماذا كان يقول؟ قال: لقد نظرت فيما قال الرجل -أي محمد ﷺ فإذا هو ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه. لكن ماذا عمل بهذا الكلام الجميل؟ إن الذي يسمع كلامه يحسبه داعية من الدعاة إلى الإسلام، لا، لقد قاتل في معركة بدر وقتل فيها. وهذا أبو جهل -لعنه الله- كان يقول عندما سئل: ما رأيك فيما سمعت من محمد ﷺ -واسمعوا قول أبي جهل - قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كفرسي رهان؛ قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه، والله لا نؤمن به ولا نصدقه. فهو يعرف أنه رسول فعلًا، لكن من أين لهم بمثله؟ فلم يصدقه ويؤمن به، ولم ينفعه العلم شيئًا. وعتبة بن ربيعة قال في وصف القرآن: سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش! أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه؛ فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم. فماذا فعل له كل هذا الكلام؟ لقد خرج يحارب في بدر أيضًا، وقتل وهو مشرك والعياذ بالله. إذًا: فأين العلم؟ إننا لا نريد أن نكون مثل هؤلاء، لا نريد أن نعلم كل ما علمناه عن الجنة والنار وعملنا كما هو، وكيف نعرف قيمة الجنة وخطورة النار ومع ذلك ما زلنا نعيش للدنيا؟ كيف هذا؟! إنها والله حياة واحدة، طالت أم قصرت، صعبت أم تيسرت، عشت فيها حاكمًا أو محكومًا، غنيًا أو فقيرًا، ظالمًا أو مظلومًا، طائعًا أو عاصيًا، هي في النهاية حياة واحدة ومحدودة جدًا، حياتك هي حياتك، والله لن تزيد أو تنقص، لن تقدر على أخذ رزق أحد، ولا تقدر على أخذ عمر إضافي من أحد. لكن لماذا نعصي؟ لماذا نظلم؟ لماذا ننسى؟ إن المسلم مطالب بأن يتزود، فإن خير الزاد التقوى، وهلموا إلى ربكم؛ فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. قال النبي ﷺ: (من كانت الدنيا همه؛ فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة همه؛ جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة). فإذا كنتم تريدون الجنة حقًا؛ فاعلموا أن ثمنها غال جدًا: (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)، فالله ﷿ لا يبيع سلعته بثمن بخس دراهم معدودات، إنما ثمنها الذي يريد ﷾ هو النفس والمال: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:١١١]. اللهم اجمع لنا أمرنا ولا تفرقه علينا، واجعل غنانا في قلوبنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، واجعل الجنة هي دارنا ومستقرنا، آمين اللهم آمين. وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر:٤٤]، وجزاكم الله خيرًا كثيرًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

8 / 11