Littafin Masu Karamin Karfi
كتاب المساكين
Nau'ikan
وما ظنك بسعادة أولها حب النفس وآخرها بغض الناس؛ ومن مقدماتها منازعة الفرد للمجموع، ومن نتائجها منازعة المجموع للفرد، ومن مبدئها درس الشر علما، ومن غايتها مزاولة الخبث عملا، ولها اسم السعادة وفيها معنى الشقاء، ومن شروطها على صاحبها أنها لا تمتعه إلا بما يمله، ولا تتبرج له إلا فيما لا يناله، ولا تظهره للناس أبدا إلا ليروا فيه رذيلة من الرذائل، ثم لا تكون مع ذلك في موضعها إلا كالفقر في موضعه؛ هذا يوازن بين نعم السماء التي تنزل على الضمير وبين هموم الأرض، وتلك توازن بين هموم السماء التي تنزل على الضمير وبين نعم الأرض، وآخر أمرها أن لا يعرفها صاحبها إلا على الضد مما يعرفها الناس، فهم يسمعون لها الأصوات العالية من الأمر والنهي والجاه وما إليها، وهو يعلم أن هذه الأصوات لم تخرج منها إلا لأنها كبيرة فارغة.
قال «الشيخ علي»: وبذلك يا بني خسر الناس لذة الحياة، فلا أدري أهم بشر أم آلهة ؛ لأني أرى كل حي كأنما يريد أن يرم صدعا في الكون، وأن يصلح من هذه الدنيا ونظامها ما لم يصلح له، ولماذا؟ لأن الدينار الواحد نواة ذهبية، ولكن هذه النواة لا تخرج لكل إنسان نخلة من الذهب.
ولماذا أيضا؟ ولأن أكل هذه النخلة حين تؤتي أكلها لا يكون إلا مرا.
ولكن أليس في الأرض غير المال ما يمكن أن يستلذ وأن يسمى نعمة؟ وأين هي تلك السوق التي تعرض فيها النعم الهنيئة، ويقف على جانبيها ملائكة الله يبيعون بالدرهم والدينار؛ يبيعون المريض من أولئك الأغنياء عافية، والضعيف قوة، والحزين مسرة، والخائف أمنا، والفزع اطمئنانا، والهرم شبابا، والمهزول جسما رويا، والميت رجعة أخرى ...؟
ألا فليعلم الإنسان أن هذا العالم لا يصلح على غير ما هو عليه وما لا بد منه لنظام الحياة، فسيأتي إن خيرا وإن شرا؛ فكلنا يسمي الصعاب التي تعرض له في طريق الحياة عقبات؛ لأننا لا نبصر ما وراءها، ولا نعرف في أي موضع تقر من نظام الحاضر أو نظام المستقبل، وهي لو تعلمون وسائل لما بعدها، فما تراد لنفسها أكثر مما تراد لغيرها، وهي بأن تكون مقيدة بهذا أحرى من أن تكون مقيدة بذاك، ورب صخرة حالت في طريقك لتلفتك إلى هاوية من ورائها، أو لتتقي بها عدوا يدلف إليك من ورائك!
والأعرج الذي يتأبط سناده
11
ويتخذ منه رجلا تبدأ من الكتف، لا يكاد يعرج بضع سنين حتى يستفيض صدره ويكتنز عضله ويتفتل ويصبح لحيما بادنا، كأنما جمع في زنده حجم يده إلى حجم رجله التي رمي فيها، وكان مرهفا دقيقا متهدم الصدر بارز الأضلاع خاوي العروق ممسوحا في جملته، ثم أنت لا تراه إلا ساخطا متبرما يكاد يتحطم غيظا، وهو يلعن سناده وما حمل ... واليوم الذي حمله فيه، والسبب الذي حمله به، ويرى كأن العرج هو الذي قطعه عن شأو المعالي وكان سباقا، ويظن عند نفسه أن هذا العرج قد جعله في مشيته الممثل المضحك على مسرح الحياة!
ولا كل هذا يا رجل؛ فهل نسيت - ويحك - أن السعال كان ينفضك نفضة الموت، وأن البرد كان قد اتخذ من أضلاعك سقفا يأوي إليه، وأن الأمراض لم تبرح ترميك آونة بعد أخرى كأنها تلين عظامك القاسية للضجعة الأخيرة، وأنك كنت لا محالة هالكا تنفث رئتيك من شفتيك، وتبصق روحك تحت رجليك، وأنه لولا الداء الذي يسمى العرج لهلكت بالداء الذي يسمى السل؟
12
Shafi da ba'a sani ba