Littafin Masu Karamin Karfi
كتاب المساكين
Nau'ikan
ما عسى أن تكون الحياة بكل ما فيها إلا مدة محدودة على ظهر الأرض، تجعلها أوهام الإنسان ومطامعه وحماقته وجهله وكبرياؤه كأنها الأبد كله؛ فيكد ويكيد، ويعمل ويدخر، ويهنأ ويحزن، ويطمع ويحرص؛ على نسبة من ذلك لا من نفسه، أي نسبة أبدية لا إنسانية.
ألا إنما مثل هذا الإنسان المغرور مثل رجل جمع الله عليه المصيبتين في باصرته وبصيرته؛ فضل في مكان، فهو يقبل ويدبر في دائرة من فضاء الأرض لا يهتدي إلى الوجه ولا يذهب على السمت، فيتوهم أن الطريق لا ينتهي، وأنه وقع في صحراء لم تدرسها عكازته، وليست من علم رجليه في جغرافية هذه «المسكونة»، وكما لا تكون الطرق عند هذا الأعمى إلا من علم رجليه، فأكثر طرق الحياة عند هؤلاء المغفلين الذين يطمس الله على بصائرهم هي من علم بطونهم، وما أدراك ما علم بطونهم؟ وما رأت الحكماء أحدا قط جهل حقيقة معنى الحياة إلا وجدوا هذه الحقيقة في بطنه؛ ولذلك قالوا: من كانت همته ما يدخل جوفه كانت قيمته ما يخرج منه. وإنما البطن جوع فشبع وشبع فجوع، وعلى هذا القياس لا تكون حياة هؤلاء إلا جوعا في الشهوات والآمال، فلا يطفئه إلا ما يسعره، ولا يجلب الراحة فيه إلا ما لا بد أن يرجع التعب به، جوع في الشهوات والآمال بالعقل لا بالبطن؛ لأن علم الحياة عندهم علم بالبطن لا بالعقل، وكلاهما مثلة بهذا الإنسان،
3
ويا لله كيف يريد الإنسان أن يحيا كما يحب، ثم يحب ما لا يتفق مع سنن الحياة؟
من أجل ذلك شقي أكثر الناس بالعقل؛ إذ يقلبون به الأمور، ويحتالون منه الحيل، ويكرهونه أن يعمل على السخرة في لذة الجسم، ويحضرونه من هم الشهوات الحيوانية ما لا قبل لهذا الروح الإلهي أن يستكلب فيه،
4
وإذ يخضعونه بدلا من أن يخضعوا له، ويسيرون به بدلا من أن يسير بهم؛ فكان من ذلك طغيان الحواس وطمسها على الروح وتعفيتها على آثارها الإنسانية، ولا جرم كان من وراء ذلك طغيان هذه الفوضى المترامية في الاجتماع، وانبثاقها بالشر من كل ناحية، وتداخلت حدود المطامع بعضها في بعض فصار الناس كالأمواج، لا تقوم القائمة إلا من سقوط الساقطة.
وكان الناس يتعلمون كيف يسبحون في بحر الدموع ليأمنوا الغرق فيه، وليستنقذوا الغرقى منه،
5
فجدت بهم الحوادث حتى تعلموا القتال عليه، وصار من لم يستطع أن ينقذ نفسه يجتهد أن يغرق غيره!
Shafi da ba'a sani ba