Littafin Masu Karamin Karfi
كتاب المساكين
Nau'ikan
5 •••
وانقبضت نفسي انقباضة شديدة إذ تغير الرجل في خيالي،
6
فنظر إلي نظرة ينقدح منها شرر الغيظ، فلو أبصرت عيناك طائرا ضعيفا أراغه نسر فاستطرد في نواحي الجو هكذا وهكذا،
7
ثم أهوى له بمخالبه، ثم سدد إليه نظرة غرزت هذه المخالب وانفجرت بآلام لحمه ودمه؛ فاعلم أن تلك هي كنظرة «الشيخ» إلي.
ولقد تبعثرت لها شياطين نفسي، فانطلقت يحاول كل شيطان منها مهربا، وكانت توسوس في صدري أن أستمد من روح «الشيخ» قولة في الحب، هذا الحب الذي مهما اعتبرته لم تجده إلا كإحياء الخيالات بقتل حقائقها، ثم ما لبث أن استضحك وأطلق لي نفسي، وجاشت عيناه بنظرتهما الحكيمة، فقلت: ويحك يا نفس! إن عين «الشيخ» ترى من الجمال غير ما نرى، ثم تعلم علمها مما نظرت فيه، ثم تقدره على حساب ما تعلم منه؛ فما يدريك لعل هذا الرجل الروحاني لا يرى إلا ما وراء تلك البشرة الجميلة التي تكسو وجوه النساء الجميلات، كما نبصر نحن من وجوه الموتى، وقد تأكل جلدها وتناثر لحمها وبرزت عظما كسائر العظم من كل حيوان، فلا موضع قبلة ولا سحر نظرة ولا إشراق بسمة، وما هو إلا تركيب من العظم صنع هذه الصنعة تيسيرا لما خلق له، ولعله يا نفس لو حشر الله لعينيك أجمل الجميلات في صعيد واحد، وحشر معهن إناث البهائم صنفا صنفا، ثم نزع من تلك الوجوه كلها، ذلك الطراز من الجلد وما وراءه من اللحم مزعة بعد مزعة،
8
حتى لا يبقى إلا الوضع في بناء العظام وهندستها؛ فما يدريك لعل أجمل الجمال عندنا هنا لا يكون حينئذ إلا أقبح القبح هناك!
أفمن جلدة على وجه امرأة يجيء الشعر والجنون معا ويجتمعان في هذا الخيال الذي يسمى الحب، ويستنزلان معاني التقديس من أعلى السموات إلى عين تلحظ لحظة، وشفة تبسم بسمة؟
Shafi da ba'a sani ba