عَطاء الذّكر هُوَ مجَالِس الْحَلَال وَالْحرَام. كَيفَ تشتري كَيفَ تبيع وَتصلي، وتصوم وتحج، وَتنْكح وَتطلق وَأَشْبَاه ذَلِك، وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة. لم يُعْط أحد بعد النُّبُوَّة أفضل من الْعلم وَالْفِقْه فِي الدّين وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بَاب من الْعلم نتعلمه أحب إِلَيْنَا من ألف رَكْعَة تَطَوّعا، وَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لمَوْت ألف عَابِد قَائِم اللَّيْل صَائِم النَّهَار أَهْون من موت الْعَالم الْبَصِير بحلال الله تَعَالَى وَحَرَامه، والآيات وَالْأَخْبَار والْآثَار فِي ذَلِك كَثِيرَة.
فَإِذا كَانَ الْفِقْه بِهَذِهِ الْمرتبَة الشَّرِيفَة. والمزايا المنيفه. كَانَ الاهتمام بِهِ فِي الدرجَة الأولى. وَصرف الْأَوْقَات النفيسة بل كل الْعُمر فِيهِ أولى، لِأَن سَبيله سَبِيل الْجنَّة. وَالْعَمَل بِهِ حرز من الْمنَار وجنة، وَهَذَا لمن طلبه للتفقه فِي الدّين على سَبِيل النجَاة لقصد الترفع على الأقران وَالْمَال والجاه، قَالَ رَسُول الله ﷺ: " من تعلم علما مِمَّا يبتغى بِهِ وَجه الله تَعَالَى لَا يتعلمه إِلَّا ليصيب بِهِ غَرضا من الدُّنْيَا لم يجد عرف الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة "، وَقَالَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من طلب الْعلم ليماري بِهِ السُّفَهَاء أَو يكاثر بِهِ الْعلمَاء أَو يصرف وُجُوه النَّاس إِلَيْهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " ورد من رِوَايَة كَعْب بن مَالك وَقَالَ: " أدخلهُ الله النَّار " عَافَانَا الله الْكَرِيم من ذَلِك.
اعْلَم أَن طلاب الْعلم مُخْتَلفُونَ باخْتلَاف مقاصدهم، وهممهم مُخْتَلفَة باخْتلَاف مَرَاتِبهمْ فَهَذَا يطْلب الغوص فِي الْبَحْر وَنَحْوه لنيل الدُّرَر الْكِبَار، وَهَذَا يقنع بِمَا يجد فِي غَايَة الِاخْتِصَار، ثمَّ هَذَا القانع صنفان: أَحدهمَا ذُو عِيَال قد غَلبه الكد، وَالْآخر مُتَوَجّه إِلَى الله تَعَالَى بِصدق وجد. فَلَا الأول يقدر على مُلَازمَة الْخلق، والسالك مَشْغُول بِمَا هُوَ بصدده لَيْلَة ونهاره مَعَ نَفسه فِي قلق، فَأَرَدْت رَاحَة كل مِنْهُمَا بِبَقَاء مَا هُوَ عَلَيْهِ وَترك سعى كل مِنْهُمَا فِيمَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَأَرْجُو من الله الْعَزِيز الْقَدِير. تسهيل مَا يحصل بِعْ الْإِيضَاح والتيسير. فَإِنَّهُ رَجَاء الراجين. وَجَابِر الضُّعَفَاء والمنكسرين، ووسمت كتابي هَذَا ب (كِفَايَة الأخيار، فِي حل غَايَة الإختصار) وأسأل الله الْعَظِيم الْغفار. الْعَفو عني وَعَن أحبابي من مكره وغضبه وَعَذَاب النَّار، إِن على مَا يَشَاء قدير، وبالإيجابة جدير. قَالَ الشَّيْخ ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين﴾ [الْحَمد] هُوَ الثَّنَاء على الله تَعَالَى بجميل صِفَاته الذاتية وَغَيرهَا، وَالشَّر هُوَ الثَّنَاء عَلَيْهِ بإنعامه، وَلِهَذَا يحسن أَن تَقول حمدت فلَانا على علمه وسخائه وَلَا تَقول شكرته على علمه، فَكل شكر حمد وَلَيْسَ كل حمد شكرا، وَقيل غير ذَلِك (لله) اللَّام فِي الِاسْم الْكَرِيم للاستحقاق مَا تَقول الدَّار لزيد، وأضيف الْحَمد إِلَى هَذَا الِاسْم الْكَرِيم دون بَقِيَّة الْأَسْمَاء لِأَنَّهُ اسْم ذَات وَلَيْسَ بمشتق، والمحققون على أَنه مُشْتَقّ [رب الْعَالمين] الرب يكون
1 / 8