لَمَّا أَوْجَبَ الْعَمَلَ بِهِ وَجَبَ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦]، وَقَوْلِهِ ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٦٩] فَإِنَّهُ أَيْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى تَعَالَى بِذَلِكَ أَنْ لَا تَقُولُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ إِيجَابَهُ، وَالْقَوْلُ وَالْحُكْمُ بِهِ عَلَيْكُمْ، وَلَا تَقُولُوا سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا وَشَهِدْنَا، وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا وَتَرَوْا وَتُشَاهِدُوا، وَقَدْ ثَبَتَ إِيجَابُهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَحْرِيمِ الْقَطْعِ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَ أَوْ كَذَبَ، فَالْحُكْمُ بِهِ مَعْلُومٌ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَشَهَادَةٌ بِمَا يَعْلَمُ وَيَقْطَعُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَدَلَّ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ صِدْقِ يَمِينِ الطَّالِبِ لِلْحَقِّ، وَأَوْجَبَ الْقَطْعَ بِإِيمَانِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي، إِذْ لَزِمَنَا الْمَصِيرُ إِلَى أَحْكَامِهِمْ وَفَتْوَاهُمْ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهَذَا عَجْزٌ مِمَّنْ تَعَلَّقَ بِهِ، فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ "
بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ الدَّلَائِلِ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِهِ قَدْ أَفْرَدْنَا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كِتَابًا، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِذْ كَانَ مُقْتَضِيًا لَهُ. فَمِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا ظَهَرَ وَاشْتَهَرَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، ثنا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَلَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَاهَا السُّدُسَ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ، فَأَنْفَذَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَتِ ⦗٢٧⦘ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَالَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا الْقَضَاءُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكِ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ، وَلَكِنْ هُوَ ذَلِكَ السُّدُسُ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا "
بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ الدَّلَائِلِ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِهِ قَدْ أَفْرَدْنَا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كِتَابًا، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِذْ كَانَ مُقْتَضِيًا لَهُ. فَمِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا ظَهَرَ وَاشْتَهَرَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، ثنا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَلَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَاهَا السُّدُسَ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ، فَأَنْفَذَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَتِ ⦗٢٧⦘ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَالَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا الْقَضَاءُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِهِ إِلَّا لِغَيْرِكِ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ، وَلَكِنْ هُوَ ذَلِكَ السُّدُسُ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَهُوَ بَيْنَكُمَا وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا "
1 / 26