فمني بالخيبة مرة ثانية وأحس انهيار آماله وذهاب رجائه، فجمدت أساريره وقال لها: أتريدين أن أفك أسرك وأرسلك إلى أبيك؟
فهزت رأسها بعنف وقالت بشدة: كلا.
فنظر إليها متعجبا متحيرا، ولكنها استدركت بمثل هذه اللهجة قائلة: كيلا يقال إن ابنة أبوفيس ضرعت إلى عدو أبيها العظيم أو أنها استحقت الرثاء يوما.
فهاجه الغضب وحنق على صلفها وكبريائها وقال لها: إنك لا تتحرجين في إظهار صلفك اطمئنانا منك إلى رحمتي! - كذبت!
فامتقع وجهه وحدجها بنظرة قاسية وقال: يا لك من سادرة لا تعرفين ما الحزن وما الألم، هل تعلمين ما تستوجبه إهانة الملك من عقاب؟ هل رأيت امرأة تجلد قبل اليوم؟ .. أنا لو شئت لجعلتك تجثين عند قدمي أصغر جنودي سائلة الصفح والتوبة!
أدام إليها النظر ليرى أثر تهديده في نفسها، فوجدها تتحداه بعينيها القاسيتين لا تغضيهما، والغضب يسارع إليها إسراعه إلى بني قومها جميعا، وقالت بحدة: نحن قوم لا يعرف الخوف إلى قلوبنا سبيلا، ولا يذل كبرياؤنا حتى تطوي السماوات أيدي البشر.
وتساءل في غضبه هل يجرب إذلالها؟ .. لماذا لا يذلها ويدوس كبرياءها بقدمه؟ أليست هي أسيرته ويستطيع أن يجعلها جارية من جواريه؟ .. ولكنه لم يرتح إلى هذا الهوى، كان يطمع فيما هو أعذب وأجمل، فلما أدركته الخيبة ثار كبرياؤه واحتد غضبه فزهد في استذلالها، على أنه أظهر غير ما يبطن فقال بلهجة كلهجتها كبرياء: إن مشيئتي لا تقتضي تعذيبك فلن تعذبي لذلك .. وإنه لمن أعجب الأمور أن يفكر إنسان في تعذيب جارية حسناء مثلك. - بل أميرة ذات كبرياء. - كان هذا قبل أن تقعي أسيرة في يدي!
أما أنا فأوثر أن أضمك إلى حريمي على أن أعذبك: ومشيئتي هي النافذة. - ستعلم أن مشيئتك نافذة على نفسك وعلى قومك لا علي، وأنك لن تمسني حية.
فهز كتفيه استهانة، ولكنها استدركت قائلة: من عاداتنا المتوارثة أنه إذا وقع فرد منا في أشراك ذل ولم يستطع النجاة، امتنع عن الأكل حتى يقضي كريما.
فقال متهكما: حقا؟ .. ولكني رأيت قضاة طيبة يساقون إلي فيسجدون صاغرين سائلة أعينهم العفو والمغفرة!
Shafi da ba'a sani ba