ودنت السفينة فكادت تلتقي بالقافلة: وأثار منظر القافلة الغريب تطلع أصحابها، فبرزت من المقصورة امرأة يتبعها سرب من الجواري، تقدمتهن في أناة كأنها شعاع من النور الساطع يغشى العيون، شقراء يعبث النسيم بحاشية ثوبها الأبيض، ويراقص ذؤاباتها الرقيقة الذهبية، فأيقنا أن صاحبتها أميرة من قصر طيبة تنتجع النسيم.
ورأياها تشير بأناملها إلى سفينة متأخرة وقد فغرت من الدهشة فاها، وارتسم العجب كذلك على وجوه الجواري الحسان، فالتفت إسفينيس إلى الوراء، فرأى قزما من الأقزام التي أتى بها يسير على ظهر السفينة، فأدرك سر دهشة الأميرة الجميلة، ونظر إلى لاتو مبتسما أن لاقت إحدى الهدايا ما تستحق من التقدير، ولكن لاتو كان يرمق المرأة بعينين جامدتين ووجه مكتئب، ونادى النسوة نوتيا، فتقدم من حافة السفينة، وصاح موجها خطابه إلى لاتو بلهجة أمر لا يرد: قف أيها النوبي وألق مرساتك!
وأذعن إسفينيس للأمر، وأصدر أمره إلى القافلة بالتوقف، ودنت السفينة الفرعونية من السفينة التي ظهر بسطحها القزم، وسأل النوتي إسفينيس: ما هذه القافلة؟ - قافلة تجارة يا سيدي.
فأشار بيده إلى القزم، وكان يفر إلى باطن السفينة، وقال: هل يؤذي هذا المخلوق؟ - كلا يا سيدي. - إن صاحبة السمو الفرعوني ترغب في مشاهدة هذا المخلوق عن كثب.
فهمس لاتو قائلا: هذا لقب ابنة فرعون.
أما إسفينيس فخفض رأسه باحترام وقال: حبا وكرامة.
وسارع إلى مفارقة السفينة إلى قارب سار به إلى السفينة الأخرى، وصعد إلى سطحها ليكون في استقبال الأميرة، وكانت الأميرة وحاشيتها يقتربن بقاربهن من السفينة حتى بلغنها، فصعدن إلى السطح تتقدمهن الأميرة، فانحنى الشاب بين يديها في إجلال ظاهر، وكان يقاوم شعوره بالاستهانة، ويتظاهر بالارتباك والاضطراب، فقال بتلعثم: لقد أوليت قافلتي شرفا رفيعا يا صاحبة السمو!
ثم رفع رأسه فشاهدها عن كثب بعين خاطفة، رأى وجها تجسم فيه الحسن والكبرياء، ففيه من دواعي الفتنة بقدر ما فيه من نوازع الهيبة، ورأى عينين زرقاوين يتجلى في صفائهما التعالي والإقدام، فلم تلق إلى تحيته بالا، ودارت بعينيها في المكان تبحث دون ريب عن القزم، وسألته بصوت رخيم يبعث الطرب في آذان سامعيه: أين ذهب المخلوق العجيب الذي كان هنا؟
فقال الشاب: سيكون بين يديك.
وذهب إلى كوة تطل على باطن السفينة، ونادى قائلا: زولو.
Shafi da ba'a sani ba