ودخلت أم حسين إلى الحجرة وفي خبرة من علمتها الحياة أدركت السيدة العجوز أن الحياة تخلت عن إسعاد التي عاشت سنوات طويلة من عمرها وهي تعتبرها كابنتها. لم تكن في حاجة إلى ما يصطنعه الأطباء لتعرف؛ كانت النظرة كافية.
أمسكت بمعتز ورفعته، فارتفع في يديها كدمية كانت ملقاة وأقامتها يدان لا تحتاجان إلى جهد. - تعال.
وخرجت به من الغرفة وأدخلته حجرته وأغلقت عليه الباب وعادت إلى ما بقي من إسعاد فريد.
ولم يمر وقت طويل وذهبت أم حسين إلى معتز. - الوقت أمامك متسع لتبكي. - ماما يا دادا ... ماما. - ستبكيها العمر كله. - ليس لي غيرها. - وأنا أين رحت؟ لا تخف أنا معك، وأنا شديدة وإن كنت عجوزا ... خذ. - ما هذا؟ - أمامك الكثير لتفعله. - لا أريد مأتما. - وهل هذا بكيفك؟ - طبعا. - أنت عبيط! إنها إسعاد فريد، إن لها أصدقاء ومعجبين وماذا تريدهم أن يقولوا عنا أو عنها؟ إنها قتلت أو انتحرت ... ولماذا لا قدر الله لا يكون لها مأتم؟ - هل عندنا مال؟ - عندي إن لم يكن عندك، وكله من خيرها. وعلى كل حال هذه مفاتيحها.
انظر كم عندك؟ واترك لي أن أتصرف. •••
وفتح الدولاب وكان مبلغ إيجار العام لا ينقصه إلا ما أنفقاه في المصيف فوجد قرابة الألفي جنيه، وضعها في جيبه ونادى: دادا.
ولم يجبه أحد، فقد كانت أم حسين تقوم بعمل آخر عند التليفون، وهم معتز بإقفال صندوق النقود ولكنه وجد فيه أوراقا يبين عليها القدم. أمسك بها، لم يكن الكلام في الأوراق كثيرا ولكنه فوق الكفاية ... في دقائق معدودات تكشفت أسرار السنين للفتى اليافع، وانهد في مكانه، أقدر عليه أن تموت أمه مرتين ويموت معها أبوه الذي يعرف أنه أبوه، وينبت له من هذا الوحش المقيت السمعة أبا ... كل هذا في ساعة أو أقل من الساعة ... أهذا معقول!
ظل ممسكا بالأوراق، عيناه إلى فراغ وعقله وكيانه في حريق.
ودخلت أم حسين ورأته ورأت في يده الأوراق وأدركت بنت الحياة وأمها كل شيء. - معتز ... ليس هذا وقته. - ولكن القدر اختار هذه اللحظة لأعرف كل شيء، عليك أن تقولي للقدر وليس لي «ليس هذا وقته.» - أمك مظلومة. - إذن فكل ما في الورق صحيح. - صحيح. - دادا. - ولكن أقسم لك بابني الوحيد أو أفقده كما فقدت الآن أمك وهي في مكان بنتي، أن أمك أشرف واحدة عرفتها منذ عملت معها، ولا أدري عما قبل ذلك شيئا، وأنا معها الآن لي ما يقرب من الثلاثين سنة. - وهذا الزواج الباطل. - لم يلمسها ولم تلمسه طول فترة الزواج ولا بعده ولا قبله. - إذن ... - إنك ستودع أمك الآن، ولا بد أن تودعها وأنت تعرف قيمتها؛ فأنا مضطرة الآن أن أحكي لك كل شيء مع أننا نحتاج إلى كل لحظة أتكلم فيها. - ليس أهم في الدنيا مما ستقولين ولا حتى دفنها. - إذن فاسمع ... •••
كانت أم حسين في الدقائق التي غابتها عن معتز قد كلمت نديم وأخبرته وطلبت منه ألا يجيء، وإنما يرسل من يساعدها، وطبعا لن يعجز عن نديم إيجاد كثير من مساعديه وموظفيه ليفعلوا ما يأمر به، وإن كان موقوفا عن العمل بالشركة.
Shafi da ba'a sani ba