كان منصور جالسا في مكتبه حين دخل إليه راضي: رفعت الربيعي بالخارج. - هل عندك موكلون؟ - واحد. - أدخل الموكل قبله. - أفعل.
وفهم رفعت الإشارة ولم يحاول أن يقوم بأي احتجاج.
وحين مثل رفعت أمام منصور وقف منصور وصافحه: أهلا وسهلا، تفضل. - أهلا بك يا أستاذ منصور، أنا أخي صديق لجدك، وكنت أعرف المرحوم والدك كما أعرف عم أبيك عبد الوارث، ولم يكن بيننا أي عداء، فما هذا الهجوم؟ - إن جدي وأبي وعم أبي لا شأن لهم بالذي بيننا إطلاقا، إن كان بيننا شيء. - كل هذا وليس بيننا شيء؟! - وما هو كل هذا؟ - قبولك لقضايا سامية. - أما كلام عجيب يا سيد رفعت إذا لم يقبل مكتب محاماة قضايا من الموكلين، فماذا يصنع؟ - أنت تعرف أن القضايا جميعها ضدي. - هذا عليك وليس لك. كان الأولى بك وأنت كبير عائلة الربيعي أن ترعى حق فتاة ليس لها رجل يحميها. - وهل ترعى أنت حقها أكثر مني؟ - أنت لا ترعى حقها، أنت تريد أن تحرمها حقها حتى في الحياة. - وأنت الذي ستمنعني؟ - نعم، إن شاء الله. - أتظن ذلك؟! - لا أظن ولكني واثق. - بأي قوة لك؟ - بقوة لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
وزلزلت الشهادتان رفعت، ولكنه تماسك وقال: بالخطب؟ - أترك الأيام لتشهدك ماذا يستطيع الحق سبحانه وتعالى أن يفعل. - طيب، وما لزوم أن أرسل إليك رجلي فتشتمني أمامه؟ - قد كنت أولى أن أعاتبك على هذا. كيف سمحت لنفسك أن ترسل في استدعائي؟ من أعطاك هذا الحق؟ أموظف أنا عندك أم أنا واحد من المجرمين الذين تستخدمهم؟
وقاطعه رفعت: مجرمين؟!
ومضى منصور في حديثه وكأنه لم يسمع شيئا: أم خادم أنا في بيتك؟ كيف أبحت لنفسك أن تستدعيني؟ ومع ذلك فأنا لم أشتمك للمجرم حامل البندقية الذي أرسلته. كل ما فعلته أنني رويت ما يقوله الناس عنك، وألسنة الخلق أقلام الحق. - أنت تعرف أن الناس تحبني. - أعرف أن بعض الناس ينتفع منك، وأعرف أن كل الناس ترهب المجرمين الذين حولك. - يبدو أن التفاهم بيننا مستحيل. - ومتى كان هناك تفاهم بين حق وباطل أو بين سلام وطغيان؟! - السلام عليكم. - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حين وجد رفعت أن المواجهة مع منصور غير مجدية استدار من طريق آخر، طلب التليفون: عبد الوارث بك؟ - نعم. - أنا رفعت الربيعي. - أهلا وسهلا. - أريد أن أراك. - تشرف. - ألا تشرفني أنت وتشرب معي فنجان قهوة؟ - أفضل أن تشرفني أنت يا رفعت بك. - وهو كذلك، غدا في السابعة مساء يوافقك؟ - أهلا وسهلا. ••• - ألا ترى ماذا يصنع منصور ألا تكلمه؟ - أنا لا أعرف أنه صنع شيئا أكلمه بشأنه. - اسمع يا عبد الوارث، أنت تعرف كيف يزلزل كياني ما يصنعه منصور . - وماذا أقول له؟ - فعلا لك حق، ماذا تقول له؟ أنا قادم إليك لأقول لك ماذا تقول له. - تفضل. - أستطيع أن أعينه في النيابة أو القضاء في ظرف أسبوع، ويترك لنا المركز كما هو. - أقول له. - وأفهمه أن أغلبية الناس معي، وإن كنت أضمن نفسي فأنا لا أضمن واحدا من رجالي أو من الناس الذين يحبونني. - هذا تهديد أرفضه يا رفعت. أنت تعرف من منصور ومن أسرته. - أنا أعرف، ولكن ماذا تفعل مع الجهلاء الذين لا يعرفون؟ - هذا كلام لا يليق بين أمثالنا يا رفعت. اترك لي فرصة الكلمة عن العرض الذي تعرضه، أما التهديد فهو موجه إلي وأنا أرفضه، وأنا قادر على تمزيق كل من يمس شعرة في رأس ابننا منصور. - وهو كذلك، متى أنتظر ردك على العرض؟ - لن يتأخر. ••• - قاض، ما هذا يا عمي، من قال لك إنني أفكر في أي وظيفة؟ - يا منصور الرجل مجرم، وأنا لا يهمني أن تكون قاضيا أو لا تكون، وأنا يهمني سلامتك، المجرم هدد. - هدد؟! اسمع يا عمي، إن عرض علي رئاسة الوزراء فلن أترك المحاماة، وإن اجتمع حوله المجرمون في العالم أجمع فلن أترك الحق، والله فعال لما يريد. - توكل على الله، والله لن يخذلك الله أبدا، توكل على الله ونحن فداؤك. •••
سامية فتاة في ربق العمر، في الثالثة والعشرين من عمرها، تركها أبوها منذ سنتين، وكانت حريصة أن تتعلم، ولكنها حين بلغت شهادة الثانوية كان أبوها قد مرض، فاضطرت أن تترك التعليم وتلازمه؛ فقد كانت أمها قد رحلت عنها وهي في العاشرة من عمرها. وأبى أبوها أن يتزوج خشية أن تسيء الزوجة الجديدة إليها. وهكذا حملت سامية مسئولية البيت وهي في عمر الأطفال. وجمعت بين الدراسة وشئون المنزل بطريقة ساذجة أول الأمر، ولكن ما هي إلا فترة قصيرة حتى أصبحت خبيرة حاسمة تدير البيت وكأنها سيدة مكتملة. وقبل أن يمرض أبوها تقدم لخطبتها كثير من الأقارب وغير الأقارب، ولكنها كانت ترفض الزواج حرصا على الدراسة. وحين مرض أبوها وبقيت في البيت ، لم يجرؤ أحد أن يتقدم لخطبتها وأبوها مريض. وحين مات أبوها لم يجرؤ أحد أن يتقدم لخطبتها خوفا من رفعت.
وقد كان والدها ذكيا؛ فحين ماتت زوجته وعقد العزم ألا يتزوج راح يشتري كل عقار جديد يشتريه باسم سامية مباشرة. وحين قاربت سن الرشد عقد بيعا صوريا بكل ما يملك للحاج مراد الأشرم، الذي باعه هو إلى سامية حتى يغلق طريق الصورية على أقاربه وعلى رأسهم رفعت. وتلك وهذه من مضحكات القانون؛ أنه يرغم الأشخاص على اللجوء إلى الصورية ليغلق على المحاول الطعن بالصورية.
فملكية سامية لعقاراتها من أراض وعمارات لا مجال فيه لشك.
Shafi da ba'a sani ba