وما لبثت هذه القصة أن انتشرت في المركز جميعه؛ فما سمع الناس من قبل محاميا يرفض قضية صغيرة كانت أم كبيرة؛ فكيف والمحامي ناشئ جديد والقضية شهيرة جهيرة؟!
5
نشأت الربيعي، من أعيان المركز، أو كان من أعيان المركز قبل أن يختاره الله إلى جواره، وحين لقي الله لم يكن عنده في الحياة إلا فتاة في ربق العمر هي سامية، باع لها كل ما يملك حتى لا يرث معها أحد من أقاربه. وارتضى الأقارب ما فعله الأب، مرتئين أنه عمل طبيعي يحاول به الأب أن يحافظ على مستقبل ابنته. واحد فقط من هؤلاء الأقارب ثار ثورة عارمة؛ لأن نشأت حرمه ما كان سيسقط بين يديه من الميراث. وأغلب الأمر أنه ثار لأنه معروف أنه كبير مجرمي المنطقة واستكبر أن يعدو على حقه قريبه ويتحداه مع أنه الذي تعود أن يعدو على حقوق الناس ويتحداهم. ومن في المركز لا يعرف رفعت الربيعي، صاحب الحول المجرم والطول المعتدي، والذي يثير الرعب في أنحاء المنطقة جميعها بما تحويه يده من قتلة ومن لصوص؟ ورفعت الربيعي ذكي؛ فهو مع كل حاكم يحكم يسانده وينافقه وينضم إلى حزبه ويتظاهر أنه من أتباعه.
وهكذا وقعت سامية بين فكي حيوان شرس لا ضمير له ولا خلق، وهي بلا نصير لها أو معين إلا الله سبحانه وتعالى، وكفى به حسيبا ووكيلا.
كان أقارب سامية يعرفون ما يصنعه رفعت بسامية من اعتداء على الزراعة وسرقة للمحصول ومطاردة للفلاحين الذين يزرعون حدائقها وإرهاب لناظر زراعتها الحاج مراد الأشرم، ولولا أن الحاج مراد ذو أقارب وكبرياء لترك الأرض تنعى من زرعها، ولكنه كان يقاوم مقاومة غير القادر، وكفاه شجاعة أن بقي في مكانه لم ينكس ولم يتراجع.
وكان الحاج مراد كلما سمع عن محام قصد إليه، ولكن المحامين كانوا يرتعدون من ذكر رفعت الربيعي، ولا يتصورون أن يقفوا خصوما له في المحكمة، فيرفضون قضايا سامية، ويذيعون هذا الرفض، ويكافئهم رفعت بأن يوكلهم في قضايا أخرى ما يلبثون أن يقبلوها فرحين سعداء. وكانت سامية وهي تلميذة في مدرسة المركز تسمع عن أخبار منصور وما يصنعه في مدرسته، وكانت تتبع أنباءه كلها، وعرفت موضوع الجامع وموضوع الجمعية التي تسعى إلى إحقاق الحق، فاستدعت ناظر زراعتها: يا عم الحاج مراد، ألم تسمع عن المحامي منصور النقيب؟ - سمعت كل خير، وكفاه فخرا رفضه الأخير لقضية كبرى لأنه أبى أن يكذب. - لماذا لا تفكر فيه ليتولى قضايانا؟ - صغير ورفعت وحش. - ليس الصغر والكبر بالسن يا عم الحاج مراد. إنه كبير وليس صغيرا. اذهب إليه بقضايانا جميعا. - أمرك.
وقبل منصور جميع قضايا سامية دون مناقشة؛ فقد كان واثقا من حقها لعلمه المحقق بإجرام رفعت الربيعي وفجوره. وألسنة الخلق أقلام الحق. ودهش الحاج مراد. - ألا نبحث القضايا معا يا أستاذ مهدي؟ - أنا قبلتها بادئ ذي بدء، وسأدرسها ثم سأسعى أنا إليك وإلى الآنسة سامية وأتدارس معكما جميع القضايا. - أنت رجل، وأنت ابن رجل أبا عن جد. علم الله كم عدد المحامين الذين رفضوا هذه القضايا يا أستاذ منصور. •••
حين علم رفعت أن منصورا قبل قضايا سامية أرسل إليه مفتاح، أحد رجاله المشهورين بأنهم من القتلة المأجورين. وحين حاول أن يدخل مكتب الأستاذ منعه وكيل المكتب راضي العنتيبي. - أتجرؤ أن تمنعني؟ - وأمنع سيدك أيضا إذا جاء هنا. هذا مكتب له حرمته وله أصول، وعليك أن تنتظر دورك. أم تظن أن مجيئك وعلى كتفك هذا السلاح سيخيفني؟!
إن من يعمل مع منصور إبراهيم النقيب لا يخاف إلا الله وحده. أم تظنون أنفسكم يا رجال رفعت أنتم وسيدكم أنكم أصبحتم آلهة في الأرض؟ اقعد مع القاعدين حتى أستأذن لك.
وفوجئ مفتاح، وخشي أن يرد فيزداد راضي إساءة له، وقعد. وانتظر راضي حتى خرج الموكل الذي كان مع الأستاذ منصور، ودخل إلى الحجرة: مفتاح العبد بالخارج.
Shafi da ba'a sani ba