Takaitaccen Tarihin Yunan Da Roma
خلاصة تاريخ اليونان والرومان
Nau'ikan
مقدمة
قارة أوروبا
بلاد اليونان
مملكة رومية
مقدمة
قارة أوروبا
بلاد اليونان
مملكة رومية
خلاصة تاريخ اليونان والرومان
خلاصة تاريخ اليونان والرومان
Shafi da ba'a sani ba
تأليف
جرجي زيدان
مقدمة
أصدرنا الجزء الأول من التاريخ العام منذ ثمانية أعوام، وفيه خلاصة تواريخ الدول القديمة في آسيا وأفريقيا كالآشوريين والفينيقيين والمصريين وغيرهم. وأخذنا في سبيل إعداد الجزء الثاني، وفيه تواريخ دول أوربا وأميركا وسميناه «ملخص تاريخ أوربا»، ولم نتمكن من مباشرة طبعه إلا في العام الماضي، وصدر منه الجزء الخاص بدولتي اليونان والرومان، وفيه خلاصة تاريخ هاتين الأمتين، مع فذلكة عاداتهم وأخلاقهم وعلمائهم وفلاسفتهم وفتوحاتهم؛ فنشرنا على عجل إجابة لإلحاح بعض المطلعين، وسميناه «خلاصة تاريخ اليونان والرومان»، وسننشر ما يليه عند سنوح الفرصة وعلى الله الاتكال.
قارة أوروبا
ملخص جغرافيتها وملاحظات أخرى
هي القارة الثالثة بحسب الترتيب الجغرافي التاريخي، وأصغر القارات مساحة؛ لأن مساحتها لا تزيد على ربع مساحة آسيا أو ثلث أفريقيا، واقعة في نصف الكرة الشرقي ويفصلها عن آسيا سلسلة جبال أورال وعن أفريقيا البحر المتوسط، وبعدها عن أفريقيا عند جبل طارق 22 ميلا، وهي أقصر المسافات بين هاتين القارتين.
ولكن مع أنها أصغر القارات الأربع فإن عدد سكانها يبلغ 280 مليونا، وهي أسبق سائر القارات في التمدن الحديث، ففيها المدن الجميلة والطرق المنظمة والبنايات الشاهقة والمعامل العظيمة، وأشياء أخرى كثيرة من نتائج المدنية، والديانة السائدة فيها الديانة المسيحية (إلا تركيا أوروبا)، والعلم والصناعة قد رفعا أعلامهما عليها فأقيمت فيها المدارس الكبيرة والمجامع العلمية والاجتماعات الأدبية وغير ذلك.
وقد عمرت أوروبا؛ أي سكنها الإنسان بعد آسيا وأفريقيا فقد كانت في إبان الدولة الآشورية والبابلية والمصرية القديمة وفينيقية وغيرها من أمم آسيا وأفريقيا، لا تزال يسكنها قبائل رحل على جانب من الهمجية.
وأول قسم تمدن في أوروبا بلاد اليونان، وكان ذلك نحو زمن خروج الإسرائيليين من مصر، فإن اليونانيين أخذوا إذ ذاك في بناء البيوت وتأسيس المدن وما زالوا حتى أصبحوا أعظم دولة في العالم.
Shafi da ba'a sani ba
ثم كان تأسيس رومية في إيطاليا، ونشأة الدولة الرومانية التي امتدت على القسم الأعظم من أوروبا ومعظم الأمم المتمدنة في آسيا وأفريقيا، فإن قرطاجنة ومصر واليونان وآسيا الصغرى وفلسطين وسوريا وبلادا أخرى من آسيا دخلت في حوزة الرومانيين.
تاريخ أوروبا
وكانت المملكة الرومانية أعظم ممالك العالم، ولكنها دارت عليها الدائرة كما دارت على غيرها من الأمم؛ فتبع تمدنها فساد نتج عنه انقسامات وحروب أهلية حتى أصبحت تلك المملكة العظيمة أجزاء صغيرة منفصلا بعضها عن بعض تكاد تكون ميتة.
غير أن تلك الأجزاء أخذت تنمو على انفراد شيئا فشيئا حتى أصبح كل منها أمة مستقلة، وما زالت تلك الأمم ترتقي في سلم المدنية حتى بلغت ما هي عليه الآن؛ نعني بتلك الأمم أمم أوروبا.
وتقسم أوروبا إلى قسمين؛ شمالي وجنوبي، الأول مائل إلى البرودة والثاني إلى الحرارة، وأعظم الأمم في القسم الشمالي من أوروبا هي روسيا وإسوج ونروج وبروسيا، وبعض الولايات الجرمانية ودنيمارك وهولاندا وبلجيكا وسويسرا وأوستريا وفرنسا وبريطانيا العظمى.
وبين الممالك الجنوبية في أوروبا البرتوغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا، والتربة في هذه المماليك الأخيرة غالبا خصبة، ويكثر فيها العنب والزيتون والبرتقال والليمون والبطيخ وأثمار أخرى لذيذة، وكل احتياجات الإنسان متوفرة فيها بسهولة وهو لا يحتاج إلى كبير عناء لتدفئة جسمه إذ الجو دافئ، فأهل الممالك الجنوبية لا يحتاجون إلى بناء الأبنية الكبيرة ولا ادخار المئونة في أيام الشتاء، ولذلك كانوا أقل سعيا ونشاطا من سكان الأقسام الشمالية، وكأن ذلك سنة في خلق الله فهم لا يسمعون ولا يجتهدون إلا عند الاضطرار.
أما ممالك القسم الشمالي من أوروبا فتقودهم الضرورة إلى زرع أرضهم بالاعتناء وخزن المؤن اللازمة لأيام الشتاء؛ حيث يشتد عليهم البرد ويمنعهم عن السعي فيبنون لأنفسهم بيوتا حسنة قوية، يضعون فيها حاجتهم من الأدوات والأواني ما يكفيهم مئونة السعي.
أما حيوانات أوروبا البرية فتشبه حيوانات آسيا وأميركا وكذلك نباتها.
بلاد اليونان
بلاد اليونان وموقعها ومنظرها ومناخها
Shafi da ba'a sani ba
بلاد اليونان قطعة صغيرة من الأرض تمتد في البحر المتوسط على مسافة متساوية من آسيا الصغرى إلى الشرق وإيطاليا إلى الغرب، يحدها من الشمال مكدونية التي هي الآن قسم من بلاد الدولة العلية، ويحيط بها البحر من سائر الجهات، والقسم الجنوبي من بلاد اليونان عبارة عن أرخيل؛ أي مجموع جزائر بعضها في غاية الجمال.
وكانت تقسم قديما إلى عدة مقاطعات يحكم كلا منها دولة مستقلة، أهم تلك المقاطعات مقاطعات أثينا وسبارطة وقورنثية وطيبة وإركادية ومكدونية.
وفي كثير من هذه الجزائر مدن عجيبة كمدينة تدعى انتيبارس، وهي مشهورة بمغارة لها تحت الأرض إذا أضيئت بالمصابيح ظهرت أنها قاعة واسعة قائمة على ألف عامود تلمع كالفضة، وبعض جزائر اليونان قد نتأت من وسط البحر بسبب البراكين وبعضها غار فيه.
وفي القسم الجنوبي من اليونان وبين جزائرها الهواء معتدل وتنبت فيها أنواع الفاكهة والتمر، أما في القسم الشمالي فالهواء بارد، فإذا مررت ببلاد اليونان يظهر لك جمال مناظرها فتشاهد عند سواحلها كثيرا من الخلجان الصغيرة والمين، ويخطر لك أن شعب تلك الأنحاء كان ميالا لصناعة الملاحة على أنك لو بحثت الآن لرأيتهم كذلك.
وفي تلك البلاد أحراج وغابات تستحق الاعتبار معظمها من الصنوبر، وأشجار أخرى ذات أخشاب صلبة كالسنديان، هذا في الأقسام العليا منها، أما في الأقسام السفلى فالجوز واللوز كثير، أما البقول فغزيرة، وأخص محصولات تلك البلاد عنب الثعلب (كشمش) والقطن والحرير والصوف والأرز والتبغ والحنطة، أما المعامل فقليلة ومعظمها تشتغل بالقطن والحرير والصوف، وأهم الأثمار الزيتون والعنب والليمون والبرتقال والتين واللوز والتمر والرمان وعنب الثعلب.
اتساع اليونان وأول عمرانها
وبلاد اليونان على اشتهارها وعظم سطوتها التي انتشرت على قسم عظيم من الأرض ليست واسعة، أما حدودها فتختلف باختلاف الأزمان، ولكنها مع كل ذلك لم تتجاوز أربعمائة ميل طولا و150 عرضا. أما سكان اليونان الأصليون فالمشهور أنهم من نسل يافث أصغر أبناء نوح، وأنهم جاءوا إلى تلك الأصقاع عند تبلبل الألسن منذ أربعة آلاف سنة، أما اليونانيون أنفسهم فيظنون أن آباءهم انبثقوا من الأرض، وكيف كان الحال فقد كانوا على جانب من الهمجية يأوون إلى أكواخ حقيرة، ويقتاتون على الحبوب ويكتسون بجلود حيوانات البر.
ويقال عن اليونانيين القدماء الذين عاشوا قبل زمن التاريخ أقوال تقليدية لا بأس من ذكرها بالاختصار؛ لأنها لا تخلو من فائدة، يقولون: إن سيكروبس أحد رجال المصريين هو أول من أدخل التمدن إلى بلاد اليونان، فجاء إليها في عدة من المصريين وأسس مدينة أثينا، وكان ذلك سنة 1556ق.م وبعد ذلك بثلاثين أو أربعين سنة جاء قدمس الفينيقي، وهو من أهل صور وبنى مدينة طيبة، ولهذا الرجل فضل عظيم على اليونانيين؛ لأنه علمهم زراعة العنب واستخدام المعادن واستعمال الحروف الأبجدية.
وجاء أقوام آخرون من أمم مختلفة واستوطنوا أجزاء أخرى من بلاد اليونان، فأصبحت تلك البلاد إذ ذاك مؤلفة من عدة ممالك صغيرة كانت الحروب مستمرة بينها.
ثم عقد اثنتا عشرة من هذه الممالك أو الأيالات معاهدة الصلح؛ فكان نوابهم يجتمعون مرتين في السنة للمفاوضة بما يأول إلى استتباب الراحة في بلادهم، وكانوا يدعون هذا المجتمع مجلس الأمنكتيون، وبواسطة هذا المجلس كانت كل من هذه الأيالات حافظة استقلالها لنفسها من جهة، وكلها يدا واحدة على العدو من جهة أخرى.
Shafi da ba'a sani ba
وأشهر حوادث التاريخ اليوناني الحملة الأرغونوتية، وملخصها أن أميرا يدعى ياسون سافر بحرا في جملة من أصحابه إلى كولشس الواقعة شرقي بحر الأسود، وأن قصدهم من ذلك التفتيش عن حمل عجيب له صوف من ذهب، ويغلب على الظن أن هذه القصة لا تخرج عن حد الخرافة.
ومن أشهر حوادثها أيضا حرب تروادة، وكانت تروادة هذه مدينة عظيمة على الجانب الآسيوي من بوغاز الدردنيل، وسبب تلك الحرب أن باريس ابن ملك تروادة اختطف امرأة مينيلوس أحد أمراء اليونان، فاتحد كل ملوك اليونان لمقاصته، فساروا بحرا إلى تروادة في اثني عشر ألف شراع، واستولوا على المدينة بعد حصار 10 سنين، ويظن أن ذلك كان سنة 1182ق.م.
وقد وصف هذه الحرب بتفاصيلها الشاعر اليوناني الشهير هوميروس على سبيل الرواية التاريخية، ولكن الظاهر أن تلك الحرب كانت أقل كثيرا مما وصفها هو؛ لأن الأشعار لا تخلو من المبالغة، وهوميروس أول الشعراء ورئيسهم، وكان شيخا أعمى يطوف البلاد ويتلو على الناس شعره .
واضعو الشرائع اليونانية
من أهم الأيالات اليونانية أيالة تدعى سبارطة أو لاكيديمون، أسسها للكس سنة 1516 قبل الميلاد، وقد أخذت قوانينها وشرائعها عن ليكورغوس الذي عاش في الجيل التاسع قبل الميلاد، وكان رجلا صارما لكنه كان حكيما عادلا، ومن أوامره أن يأكل الإسبارطيون معا على موائد عمومية، أراد بذلك أن لا يتمتع الأغنياء بما لا يناله الفقراء، أما الأولاد فلم يكن يسمح لهم بشيء يأكلونه إلا إذا استطاعوا سرقته، وهذه العادة القبيحة كانوا يتعودونها بناء على أنها تعلم أولادهم الاحتيال في الحرب، وقد رأى ليكورغوس أن الناس ميالون إلى المطامع والفخر؛ فأمر أن لا تضرب النقود لا فضة ولا ذهبا، بل حديدا، فكان حجمها كبيرا حتى يصعب حملها في الجيب، فالريال السبارطي يزن نحو 50 رطلا مصريا.
والأولاد كانوا يعيشون على نفقة الجمهور، وكانوا يوقفونهم قرب موائد الطعام لاستماع محادثات آبائهم الحكمية، وكان السبارطيون يبالغون في تنفير أبنائهم من شرب المسكر، ويبينون لهم عواقبه الوخيمة بأن يسقوا عبيدهم منه كميات كبيرة، فإذا شاهد الأولاد ما تئول إليه حال أولئك العبيد بعد السكر يظهر لديهم قبح نتيجة المسكر، فلما أتم ليكورغوس قوانينه ونظاماته برح سبارطة، وقبل سفره أخذ على السبارطيين المواثيق الوطيدة بأن لا يخلوا بواحدة منها ريثما يعود إليهم، ولكنه كان مصمما أن لا يعود.
وقد مات هذا الرجل منتحرا بالامتناع عن الطعام، وأوصى قبل موته أن يرمى رماده في البحر حتى لا يستطيع الإسبارطيون استرجاع جثته إليهم، فأصبحوا بذلك مقيدين بمواثيقهم أن يحافظوا على شرائعه إلى الأبد.
فما زالوا محافظين عليها نحوا من خمسمائة سنة كانوا في أثنائها شعبا قويا شجاعا محبين لوطنهم، على أن كثيرا من عوائدهم كانت أقرب إلى التوحش منها إلى التمدن.
أما أثينا فكان لها متشرعان شهيران دراكو وسولون، وكانت شرائع دراكو على غاية القسوة حتى قيل إنها كتبت بالدم بدلا من الحبر؛ لأنها تعاقب على أقل الجنايات بالقتل فألغيت سريعا.
أما شرائع سولون فكانت ألطف من ذلك كثيرا على أنها جزيلة الفائدة للشعب ، وإذ كان الأثينيون ميالين إلى التغيير أدخلوا فيها تغييرات كثيرة، وكانت أثينا أثناء ذلك جمهورية؛ أي إنها كانت مقيدة بمشورة الشعب، ولكن بعد أن وضع سولون شرائعه بقليل اختلس الحكم رجل من أهلها يقال له بيسيسترانس، فحكم فيها هو وأبناؤه نحو 50 سنة.
Shafi da ba'a sani ba
حرب اليونان مع الفرس
وفي الجيل الخامس قبل الميلاد أقام داريوس ملك الفرس حربا مع اليونانيين، فبعث قواده إلى تلك البلاد في عمارة من ستمائة شراع ونصف مليون من الرجال، ولم يكن أحد يستطيع الوقوف أمامهم إلا مائة ألف من الأثينيين، فظن داريوس أنه قد أوتي الفتح المبين فبعث مقادير كبيرة من الرخام مع جيشه ليرفع منها أعمدة، ويقيم منها قناطر النصر وعلامات أخرى، وكان قد أمر قواده أن يبعثوا كل الأثينيين مغلولين إلى بلاد فارس وهو لا يدري ما كمن له.
وكان على اليونانيين قائد يقال له ملنيادس، فسار في مقدمة جيشه لمحاربة جيش الفرس العظيم، فالتقى بهم في مراثون، وهي مدينة صغيرة على شاطئ البحر على مسافة خمسة عشر ميلا إلى الشمال الشرقي من أثينا.
وبينما كان اليونانيون يحاربون كان شيوخهم ونساؤهم وأولادهم باقين في أثينا كأنهم على جمر الغضى؛ لأنهم كانوا يعلمون أن الفرس إذا انتصروا فإنهم يدخلون المدينة ويحرقونها، وبينما هم كذلك دخل المدينة جندي مخضب بالدماء وفيه جروح كثيرة، وإنما كان مجيئه ليخبر من في المدينة بعاقبة الحرب، وكان وجهه ممنقعا فظن الأثينيون أن الفرس فازوا وأن هذا الرجل جاء هاربا.
فاجتمعوا حوله وسألوه عما جرى لملنيادس وجيشه، فاتكأ الجندي على رمحه وهو لا يستطيع التكلم من التعب، ولكنه تشدد أخيرا وصرخ قائلا: «افرحوا يا أبناء الوطن إن النصر لنا.» قال ذلك ووقع ميتا.
إلا أن الأثينيين لم يكافئوا ملنيادس مكافأة حسنة، على أنه لم يطلب منهم مكافأة على تحرير بلاده إلا إكليلا من ورق الزيتون الذي كان علامة للشرف بين اليونانيين، فلم يعطوه إياه، ثم حكموا عليه بعد ذلك بناء على ادعاءات طفيفة أن يدفع غرامة مقدارها خمسون ريالا، ولما كان غير قادر على دفعها مات في السجن.
وبعد موقعة مراثون انسحب الفرس من بلاد اليونان، ثم أراد داريوس تجديد الحملة عليها فمات قبل أن يتمها، فخلفه ابنه أكسركسبس (احشويرش) فجدد الحرب، وجاء بحملة عدد جندها مليونان ولكنهم عادوا منكسرين.
أعمال أثينا
وبعد حرب الفرس نبغ بين رجال أثينا سيمون وإرستيلاس وباريكليس، وكانوا أعظم رجال أثينا، وأخيرا أصبح باريكليس أكبر رجال الجمهورية ولم تلق أثينا أياما أحسن عزا وفخرا من أيامه؛ لأنه زين المدينة بالبنايات العظيمة وأكثر فيها من التعليم؛ فاشتهرت بالفنون الجميلة كبناء الهياكل ونظم الشعر، غير أن الأثينيين كانوا قليلي الشكر على النعمة لعظمائهم ولذلك لم يحسنوا مكافأة باريكليس.
وأصيبت أثينا في آخر أيامه بوباء شديد فكثرت الوفيات؛ حتى إن الناس كانوا يسقطون أمواتا في الشوارع فتتراكم جثثهم أكاما، وفي جملة من مات في ذلك الوباء باريكليس، ولما كان على فراش الموت أراد بعض أصدقائه أن يمدحه على الأعمال العظيمة التي أجراها في بلاده، فأجابه قائلا: إن أعظم فخر حزته في كل ما علمت أني لم أسبب كدرا لأحد الأثينيين.
Shafi da ba'a sani ba
وقبل وفاة باريكليس بثلاثة أعوام كان حرب بين أثينا وسبارطة، وكانتا أعظم أيالات اليونان، فنشأ بينهما التحاسد حتى آل ذلك إلى حروب اشترك فيها جميع أيالات بلوبونيسس (المورة)، وما زالت هذه الحروب مدة 38 سنة، وفي أثناء هذه الحروب اشتهر بين الأثينيين رجل يقال له: السيبيادس، وكان من الجمال والرقة على جانب عظيم فأحبه الشعب محبة عظيمة، فصار له عليهم نفوذ عظيم، لكنه كان طماعا لا يعرف له مبدأ فكان سببا لأتعاب كثيرة ليس لوطنه فقط، بل لجميع بلاد اليونان فتحول حب الشعب إلى كره، فاضطر أن يعتزل إلى قرية صغيرة في فريجيا من آسيا الصغرى، وسكن هناك مع امرأة يقال لها تيمندرا.
فبعث إليه أعداؤه جماعة ليقتلوه فأصلوا النار في بيته، وكان السيبيادس شجاعا فاخترق النيران مشهرا سيفه بيده للمدافعة عن نفسه، فأصيب بحربة كانت القاضية عليه وغودر طريحا في الأرض مضرجا بدمائه.
وكانت حرب المورة هذه سببا لأتعاب كثيرة على الأثينيين؛ فإن السبارطيين حاربوهم وهدموا أسوار المدينة، فأصبح الأثينيون تحت حكومة ثلاثين من قواد السبارطيين كانوا يلقبون بظلام أثينا الثلاثين، لكنهم لم يحكموا إلا ثلاث سنوات؛ لأن رجلا أثينيا اسمه ثراسيبولس حرك أبناء وطنه على استرجاع حريتهم، فنهضوا وحاربوا هؤلاء الثلاثين وطردوهم، وغدر الأثينيون ثراسيبولس بإكليل من أغصان الزيتون، وشرعت أثينا منذ ذلك الحين تتقدم حتى أعادت إليها حكومتها الأصلية سنة 402ق.م.
بداية حرب طيبة
وبعد التاريخ المتقدم ذكره بيسير أصبحت طيبة أشهر مدن اليونان، وكانت عاصمة مملكة بوتيا، ثم قام بين طيبة وسبارطة حرب سببها أن أحد قواد السبارطيين واسمه فيبيدس وضع يده على كدميا (أحد حصون طيبة) غلطا، فطلب أهل طيبة استرجاع ذلك الحصن، فامتنع السبارطيون عن تسليمه وأصروا على احتلاله، فارتأى شاب من شبان طيبة اسمه بيلوبيدس رأيا لاسترجاع ذلك الحصن؛ وذلك أنه جاء بأحد عشر من أصحابه ألبسهم الدروع والأسلحة وألبسهم فوقها لباس النساء، وسار بهم حتى أتوا باب الحصن فأذن لهم بالدخول.
وكان قضاة السبارطيين وضباطهم مجتمعين في احتفال عظيم، وكان أرخياس كبيرهم جالسا إلى رأس المائدة منهمكا هو وأصحابه بمائدتهم؛ فلم ينتبهوا لأولئك الاثني عشر الذين دخلوا القاعة وخصوصا لأنهم بلباس النساء، أما هؤلاء فانتظروا حتى دارت الخمرة برءوس المحتفلين فخلعوا لباس النساء، وأشهروا سيوفهم بأيديهم وهجموا على مائدة الإسبارطيين، فانذعر أولئك ولم يعودوا يعرفون كيف يقاومونهم، فقتلوا أرخياس وكثيرا من أصحابه قبل أن ينهضوا عن المائدة.
وهكذا تملك أهل طيبة ذلك الحصن غير أن سبارطة أثارت حربا على طيبة إثر ذلك، فاتحد معها بسبب تلك الحرب كثير من أيالات اليونان حتى تبين فوز السبارطيين وسقوط طيبة.
وكان على طيبة إذ ذاك قائد شجاع اسمه إيبامينوندس، فأمكنه بستة آلاف من جنده مقاومة 25 ألفا من السبارطيين تحت قيادة ملكهم كلومبروتس، فحصلت الموقعة في ليوكترا، وكان الفوز لآل طيبة وقتل كلومبرونس وألف وأربعمائة من رجاله.
ملحق بحرب طيبة
وكان إيبامينوندس من أفضل الرجال الذين عاشوا في الأزمنة القديمة؛ لأنه كان فاضلا محبا لوطنه شجاعا ، وقد قيل من فضائله إنه ما نطق كذبا عمره، فكان ينتظر أن يشعر أهل طيبة بفضله عليهم، وبالحقيقة إن أعاظمهم كانوا يعطونه حقه من الاحترام، لكن يسوءنا أن نقول: إن الرجال العظماء يكثر أعداؤهم.
Shafi da ba'a sani ba
فقد كانت فضائل هذا الرجل وعظمته توبيخا لأراذل الناس وأدنيائهم فبغضوه وسعوا في إهلاكه، وكان أعداؤه كثيرين بين أهل طيبة فسعوا في الحكم عليه بالموت بناء على أنه بقي قائدا للجيش مدة تتجاوز ما يوجبه الشرع، فدافع عن نفسه بأن ذلك كان للمحافظة على طيبة من الخراب فعفا القضاة عن حياته.
غير أن أعداءه ما زالوا يسعون جهدهم إلى التخفيض من قدره، فعينوه ناظرا لكناسي شوارع طيبة، أما هو فلم يغتظ من ذلك لعلمه أن هذا يجلب العار على أهل طيبة وليس عليه؛ لأنه كان يقول: إن الإنسان لا يشرفه منصبه، بل هو يشرف منصبه فاجتهد بواجباته نحو مصلحته الجديدة؛ حتى كنت ترى هذا القائد الظافر مهتما بتنظيف الشوارع من القاذورات اهتمامه بتدريب الجند في ساحة الحرب.
غير أن الحرب لم تكن قد انتهت فلم يلبث أهل طيبة حتى شعروا باحتياجهم إلى إيبامينوندس، فأخذوا منه المكنسة وقلدوه الحسام فاستلم قيادة الجيش بقوة أعظم من قوته قبلا.
وكان آل طيبة لا يرون عزا ولا فخرا إلا تحت قيادته، وآخر انتصار انتصروه على يده كان في متينيا؟ لكنه جلب عليهم الخسائر الفادحة؛ لأن إيبامينوندس أصيب بنبلة في صدره وهو يجاهد في وسط المعمعة، فاحتدمت نار الحرب بين الطيبيين والسبارطيين حول ذلك المجروح أولئك يريدون حمله من المعمعة وهؤلاء يريدون قتله، فتقهقر السبارطيون وقفل إيبامينونداس على الأذرع إلى خيمته.
وبقيت النبلة في صدره؛ لأن الأطباء قالوا: إنه حالما تخرج منه يموت، فبقي إيبامينوندس يتقلب على فراش الوجع، وما كان يستوقف أفكاره إلا انتصار أهل بلاده.
فجاء أخيرا رسول من ساحة الحرب وأخبره أن السبارطيين قد طلبوا الفرار، وأن أهل طيبة قد فازوا بالنصر المبين فقال إيبامينوندس حينئذ: «إذا هذا ما كنت أتمناه.» قال ذلك وأخرج النبلة من جرحه فمات حالا، وكان ذلك سنة 262 قبل الميلاد، وبعد موت إيبامينوندس انحطت شوكة أهل طيبة وأصبحوا كغيرهم من شعوب اليونان.
ديانة قدماء اليونان وخرافاتهم
وصلنا في ما تقدم من تاريخ اليونان إلى معظم مجدهم، فلنتبين كيف كان انقلاب دولتهم، وقبل ذلك نذكر شيئا عن ديانتهم وأشياء أخرى تتعلق بهم.
كان يعتقد اليونان بثلاثة صفوف من الآلهة وهي السماوية والبحرية والسفلى، وكانوا يظنون أن الأولى تسكن في أعالي السماء، والثانية في البحر، والثالثة في الأماكن المظلمة تحت الأرض. وكان لديهم فضلا عن هذه الآلهة أنواع أخرى من الآلهة السفلى التي كانت تسكن الأحراج والينابيع ومجاري المياه.
فالآلهة السماوية هي جوبيتر وأبولو والمريخ وعطارد وباخس وفلكان ويونيو ومنارفا والزهرة وديانا وسيرس وفستا، وأعظم هذه الآلهة جوبيتر، وكان اليونانيون إذا حصل رعد أو برق يظنون أن جوبيتر قد غضب عليهم، وكانوا يحتفلون مرة كل أربع سنوات احتفالا شائقا يلعبون فيه ألعابا يدعونها ألعاب الأولمبوس، وهي عبارة عن صفوف من المشاة والفرسان وراكبي المركبات يتسابقون ويتصارعون ويتبارون، وكان من أشرف الأمور عندهم أن ينال أحدهم الجائزة في ألعاب الأولمبوس.
Shafi da ba'a sani ba
وكانوا يزعمون أن أبولو ابن جوبيتر، وأنه سائق لمركبة أبيه وهي الشمس تجرها أربعة من الخيل المسرجة تسير بها حول العالم كل يوم، وكان أبولو عندهم أيضا إله الموسيقى والشعر والطب وسائر الفنون الجميلة، ورئيسا على الوحي في دلفي حيث يأتي الناس من أقصاء العالم ليفتشوا عن حوادث المستقبل.
وكان المريخ إله الحرب وعطارد إله اللصوص وباخس إله الخمر وفلكان إله الحدادين، ويظهر أن هذا الأخير أنفع آلهة الوثنيين؛ لأنه كان حدادا عظيما يشتغل بنشاط على سدانه.
أما الزهرة فاتخذوها إلهة الجمال، وكانوا يصنعون لها تماثيل على شكل امرأة جميلة لها ابن اسمه كوبيد يزعمون أنه يرمي الناس بالنبال، أما نبتون فكان رئيس آلهة البحر له عربة في شكل صدفة بحرية عظيمة تجرها أفراس أذنابها كأذناب الأسماك، فإذا مخرت الأمواج يحيط بها سرب من وحوش البحر يقال لها: تربتون.
أما رئيس الأماكن السفلى فكان اسمه بلوتو، وكان يجلس على عرش من حجر الكبريت في يده الواحدة صولجان وفي الأخرى مفتاحان.
وكان عند اليونانيين فضلا عن هذه الآلهة فئة يقال لها: الجبابرة، نصف أجسامهم إلهية والنصف الآخر بشرية، ومن هؤلاء الجبابرة هرقل وهو أشهرهم بالقوة.
هذا شيء يسير عن آلهة اليونان وخرافاتهم، ولو أردنا استيفاء الكلام لضاقت دون ذلك المجلدات الضخمة، فقد يروون عنهم أحاديث وخرافات تفوق الحصر، وقد بنى اليونانيون لآلهتهم هياكل عظيمة متقنة، وأقاموا لها تماثيل هائلة دقيقة الصنعة.
فلاسفة اليونان
فلاسفة اليونان أفراد نبغوا في بلاد اليونان، وكانوا يزعمون أنهم أوفر حكمة من سائر بني الإنسان، وهم عديدون عاشوا في أزمان مختلفة نذكر أشهرهم: (1)
الفيلسوف طاليس:
عاش بين القرن السادس والسابع قبل الميلاد، وكان في أيامه سبعة فلاسفة كان يقال لهم: حكماء اليونان السبعة، وكان طاليس معدودا في مقدمتهم، ومما يحكى عنه أنه كان ذات ليلة يتمشى وهو ينظر إلى السماء، ويراقب حركات الكواكب فسقط بغتة في حفرة أمامه، فأتت إليه عجوز كانت عائشة مع عائلته للخروج من تلك الحفرة وقد غشاه الوحل، وقالت له: «أنصح لك يا طاليس أن لا تشتغل بعلم ما فوقك فتبلى بجهل ما تحتك.» والظاهر أن هذه الامرأة كانت أوفر حكمة من الجميع. (2)
Shafi da ba'a sani ba
الفيلسوف بيتاكوس:
وكان أحب الناس للاعتدال والعفة ويكره شرب المسكر خاصة، فكان على كثرة أنواع المسكر في بلاده لا يشرب إلا ماء قراحا. (3)
الفيلسوف بياس:
عاش سنة 617 قبل الميلاد، ويقال: إن أحد الصيادين وجد في جوف سمكة كبيرة كأسا ذهبية محفورا عليها هذه الكلمات: «إلى أحكم الحكماء» فأخذ ذلك الكأس إلى بياس؛ لأنه كان معدودا أحكم حكماء زمانه، ولم يكن يحب الأموال فلما أخذت بلده وهم بها العدو اهتم أهلها بإخفاء أثمن مقتنياتهم، أما هو فلم يكلف نفسه تعبا وقال: «ما الأموال إلا ألعوبات تتناقلها الأيدي، أما الأموال الحقيقة فهي أفكاري ولا يستطيع أحد أن يسلبني إياها.» (4)
أبيمانيتس:
وكان فيلسوفا عجيبا ويحكى عنه حكاية لا يطلب من القارئ تصديقها على علاتها، وهي أنه لما كان شابا أرسله أبوه للتفتيش عن خروف ضال فبعد أن وجد الخروف دخل إلى كهف بجانب الطريق وجلس يطلب الاستراحة، وكانت الشمس حادة فغلب عليه النعاس فنام وبقي في غفلة زمنا طويلا يبلغ 57 سنة، فاستيقظ وقد علا رأسه الشيب فخرج من الكهف وعاد إلى المدينة التي كان عائشا فيها، وإذا بأبيه قد مات وأخوه الذي كان صبيا أصبح كهلا، أما المدينة فأصبحت كثيرة البيوت والسكان فكان ذلك تغيير عجيب لديه. (5)
فيثاغورس:
المشهور بمذهب التقمص، فمن رأيه أن الإنسان متى مات تلبس نفسه جسد بعض الحيوانات، وكان يعتقد أن نفسه كانت قبلا في جسد طاووس ولا أظن القارئ يصدق ذلك. (6)
هراقليطوس الأفسي:
وكان يدعى الفيلسوف المبهم؛ لأن أقواله كانت كلها معميات وألغازا، وكان من رأيه أن كل ما تستطيع العامة فهمه ليس من الحكمة، وكان يعتقد أن هذه الدنيا دار الأحزان فلم يكن ينظر إلى شيء فيها بدون أن يسكب العبرات عليه، ولذلك كان يدعى أحيانا الفيلسوف الباكي، وفي آخر أيامه اعتزل إلى كهف وقضى بقية حياته يتوسد الأرض، ويلتحف السماء ويقتات عشب البرية. (7)
Shafi da ba'a sani ba
ديموقريطوس:
وكان وسلفه على طرفي نقيض، فكان يقضي نهاره ضاحكا فلقبوه بالفيلسوف الضاحك؛ حتى ظن أهل وطنه أنه مختل الشعور وأظنهم مصيبين في ذلك. (8)
أنكساغورس:
وكان يزعم أن الفضاء مصنوع من الحجارة، وأن الشمس قطعة من حديد على درجة عظيمة من الحرارة، وسبب ذلك أن الناس إذ ذاك لم يكونوا يعرفون حجم الأرض. (9)
إمبيدوقليس:
كان يقيم في جبل أتنا في صقلية (سسليا)، وكان عبوسا متشامخا يميز نفسه بإكليل من الغار يضعه على رأسه؛ حتى يخاله الناس أنه على جانب من الحكمة، ولكنه لم يكتف بذلك فادعى الألوهية فأدب ذات يوم مأدبة فاخرة، ثم اختفى عن أعين الناس ولم يعد يراه أحد بعد ذلك، فظن الناس أنه صعد إلى السماء، وبعد قليل ثار بركان أتنا فقذف حذاء قديما من جوفه فوجدوه بعد الفحص أنه حذاء إمبيدوقليس، فعلم الناس أنه كان مختل الشعور، وأنه ألقى بنفسه إلى البركان إيهاما للناس أنه صعد إلى السماء. (10)
سقراط:
وكان من أعظم حكمائهم إلا أن الأثينيين لشقاء طباعهم لم يصبروا على حياته، فأجبروه على شرب كأس السم. (11)
ديوجيتس:
وهو من أغرب حكمائهم، وكان يدعى ديوجيتس الكلب وربما دعوه بذلك؛ لأنه كان يعيش عيشة الكلاب أو لأنه كان ينتهر كل إنسان يكلمه، ومن تعاليمه أن الإنسان كلما قلت ملذاته زادت سعادته، وكان ديوجيتس يطوف الشوارع والأزقة حافيا بثياب رثة حاملا كيسا وإبريقا وعصا، ثم صار يحمل بعد ذلك برميلا بالنهار لينام فيه بالليل، ويحكى عنه أن الإسكندر الأكبر جاء ليشاهده يوما فوجده يصلح برميله، فاتفق وقوف الإسكندر بينه وبين الشمس، فقال له الإسكندر: يا ديوجيتس لا بد أنك تقاسي عذابا بمعيشتك في هذا البرميل، ألا تظن أني قادر أن أجعل حالتك أحسن مما هي، فأجابه ديوجيتس: «لا. لا أريد شيئا إلا أن لا تكون حائلا بيني وبين الشمس، فلا تمنع ما لا تقدر أن تمنح.» (12)
Shafi da ba'a sani ba
أفلاطون:
وهو من كبار فلاسفتهم ولد سنة 439ق.م وقرأ على سقراط ثماني سنوات. وأرسطو تلميذ أفلاطون وأستاذ إسكندر الأكبر ومؤسس مدرسة الفلاسفة الذين كانوا يلقبون بالفلاسفة المشائين، وقد لقبوا بذلك لأن أرسطو كان يتمشى وهو يلقي دروسه على تلامذته.
أرسطو الفيلسوف اليوناني.
أما أفلاطون فكان كغيره من فلاسفة اليونان يقرأ عليه عدد من الشبان، وكان يلقي خطبه في غاب قرب أثينا يدعى أكادميا، ومن ذلك الحين صارت هذه اللفظة (أكادميا) تطلق على المدارس العالية أو الجمعيات العلمية.
وكان أفلاطون بعيد الصيت حتى جاء أكبر رجال العالم ليقرأ عليه، وكان ذا تصورات عالية في الدين والفضيلة والصدق، وكان يلقي كل ذلك بفصاحة وبلاغة حتى يسحر السامعين، فكان اليونانيون يقولون: إنه أفلاطون الإلهي.
وهناك فلاسفة آخرون من اليونان، لكن لا بد لنا من الإغضاء عن ذكرهم مراعاة للمقام. ونتكلم عن شعرائهم، أولهم وأشعرهم وأقدسهم هوميروس، وربما يصح القول إنه أشعر شعراء العالم، أما مولده وتاريخ ولادته ونوع معاشه ومحل وفاته فأمور غير مقطوع بها، غير أن المظنون أنه عاش نحو القرن العاشر قبل الميلاد، وأنه كان شاعرا متجولا من مكان إلى آخر يتلو أشعاره على الناس وينشدها، ومن أشعاره الإلياذة والأودسا، وكل منهما عبارة عن رواية شعرية باللغة اليونانية القديمة، جمعهما ليكورغس ورتبهما بيستراتس، وموضوعهما أعمال الأبطال والآلهة التصورية ويتضمنان حقائق تاريخية كثيرة عن حروب تروادة وغيرها.
هوميروس الشاعر اليوناني.
وهناك شعراء آخرون كثيرون يونانيون بعضهم بعيد الشهرة مثل الأكربون، وقد نظم عن المحبة والخمر، وبندار نظم قصائد عالية، وفيوقرنس وكان ينشد عن الرعاة والراعيات الذين كانوا في بلاده، وغير هؤلاء نظموا قصائد لأجل الألعاب منهم أخيلس وصوفوقليس وبوربيدس وغيرهم.
ولا يخفى عليك أن اليونان على كثرة فلاسفتهم وشعرائهم قد جهلوا حقائق كثيرة يعلمها صغار صبياننا؛ فقد كانوا يجهلون دوران الأرض وحركات الأجرام السماوية، فلا تنتظر إذا أن تستفيد شيئا من تعاليمهم عن الجغرافية والفلك.
أنواع المعيشة عند اليونانيين القدماء
Shafi da ba'a sani ba
كان يلبس رجالهم رداء داخليا يقال له صدرة، ويلبسون فوقه وشاحا، وكان القدماء منهم يجولون حاسري الرءوس، ثم بعد ذلك اتخذوا القبعة التي كانوا يربطونها تحت أذقانهم.
أما النساء فكن يسترن رءوسهن بقناع مسترسل على أكتافهن، وكن يزين شعورهن ببعض الجنادب المصنوعة من الذهب، ويجعلن في آذانهن أقراطا، أما ما بقي من ثيابهن فصدرة مقفلة تحيط بها منطقة عريضة مسترسلة إلى أقدامهن.
أما طعامهم الاعتيادي وساعات الطعام فكانت على هذه الصورة: أولا الفطور، وكانوا يتناولونه عند شروق الشمس. ثانيا الغداء في منتصف النهار. ثالثا الطعام العصر. رابعا العشاء، وكان أهم وقعات أكلهم؛ لأنهم كانوا يتناولونه بعد انقضاء أشغالهم.
أما أنواع الطعام فكانت في أقدم أزمانهم من ثمار الأرض وشرابهم من مياهها، ثم اتخذوا لحوم الحيوانات، وكانوا يعتنون بالطعام، وقد تقدم أن السبارطيين كانوا يأكلون على موائد عمومية، أما فقراؤهم فكانوا يقتاتون على الجنادب وأطراف الأغصان، ويقال بالإجمال: إن اليونانيين كانوا يحبون اللحوم، أما شرابهم الاعتيادي فالماء إما باردا أو حارا، وفي الغالب كانوا يبردون الماء بالثلج، على أنهم كانوا يستعملون الخمور، وبعض الأغنياء كانوا يشربون الخمور المعطرة.
وكان من عوائدهم إذا دعوا إلى احتفال عمومي أن يغتسلوا ويتطيبوا قبل ذهابهم، فإذا وصلوا مكان الدعوة يستقبلهم صاحب الضيافة، وقد يقبل شفاههم أو أيديهم أو ركبهم أو أقدامهم تبعا لنسبته إليهم، وفي كل حال لم يكن يختلط النساء منهم بالرجال في احتفال واحد.
وإذا جلسوا إلى الطعام فيجلسون منتصبين على كراسي، ثم ينكثون على الفراش، وقبل أن يشرعوا في الأكل يقدم قسم من الطعام ذبيحة للآلهة، وكانوا يشربون النخب على صحة الحاضرين أو الغائبين، وكلما ذكروا اسم شخص يسكبون بعضا من الخمر على الأرض ويدعون ذلك السكيبة.
ولما ينتهي الاحتفال ينشدون نشيدة إلى الآلهة، ثم تضرب الموسيقى ويبدأ الرقص وما شاكل ذلك من دواعي السرور.
أما أبنيتهم فالأغنياء كانوا يصنعونها من الحجارة وقد يكللونها بالنقوش، أما عامة الشعب فكانوا يسكنون في أكواخ مصنوعة من حجر خشن مبني بالدلغان.
أما أسلحتهم فكانوا يستعملون في الحرب أنواعا كثيرة من الأسلحة، فكان بعضهم ينقل القوس والنشاب وبعضهم النبال، وآخرون الرماح وآخرون المقلاع، وكانوا ينقلون الأتراس لدفع أسلحة أعدائهم.
ولا يخفى على القارئ أنه لم يكن في ذلك الزمن بارود، وعليه لم يكن ثم منفعة للبنادق والمدافع، وفي الحرب كان يلتحم الجيشان قدم لقدم وصدر لصدر، ولما كان الإنسان في أول أزمانه محبا للحروب، فكانوا يقيمون حول المدن أسوارا عالية دفعا للأعداء، ودام ذلك زمنا طويلا، ولا تزال آثار هذه الأسوار ظاهرة في سائر المدن والبلاد.
Shafi da ba'a sani ba
أما إبطال الأسوار في هذه الأيام؛ فلأنها لا تدفع مهاجما؛ إذ إن المدافع تحفها بالأرض مهما كان عظمها، وإذا لم تقو عليها المدافع فباللغوم.
فيليب المكدوني وقدومه إلى اليونان
يتذكر القارئ أننا سكتنا عن تاريخ اليونان عند انتهائنا من حروب طيبة، والآن نعود إلى استيفاء الكلام عن تاريخهم فنقول: لم يمض على حروب طيبة زمن يسير حتى داهمت اليونان حرب أخرى دعيت الحرب المقدسة، وسبب ذلك أن شعب قوقس كان قد حكم عليهم بأمر مجلس الإمفكتيون بدفع غرامة عظيمة؛ لأنهم حرثوا حقلا من ملك هيكل أبولو في دلفي، فعوضا من أن يدفعوا الغرامة جردوا للحرب، واتحد معهم شعوب أثينا وإسبارطة وإخائية، أما شعوب طيبة ولقربة وتسالية فانحازوا إلى المجلس، وطلبوا إلى فيليب ملك مكدونية أن يتحد معهم.
يذكر بعض المؤرخين مملكة مكدونية في جملة أيالات اليونان، ويقول آخرون: إنها مستقلة، ومع أنها تأسست قبل ذلك الحين بنحو 500 سنة، فهي لم تبلغ شيئا من القوة إلا لما تولاها فيليب، وكان هذا الملك طماعا محبا للحروب، فحالما سار جيشه إلى اليونان عن له أن يستولي عليها كلها لنفسه، ولم يكن اليونانيون إذ ذاك مثلما كانوا عليه قبلا من السطوة، ولم يعد لديهم أحد مثل ليوتيدس وسلتبادس أو إيباميتندس.
ولم ير فيليب في حروبه صعوبة إلا بسبب ديموستينس أحد خطباء الأثينيين، بل هو أخطب الخطباء فإنه خطب في الأثينيين خطبا ضد فيليب، فكان يجدد قواهم ويثير حميتهم ويشدد قلوبهم لدفعه، ولكن الأثينيين غلبوا في خرونيا سنة 338ق.م فوضع فيليب يده على أعمال اليونان إلى موته، وربما كان أجدر بالحكم من غيره من اليونانيين إلا أنه لم يكن يخلو من الرذائل التي من جملتها حب المسكر، فإنه كان سكران ذات يوم وحكم في قضية حكما جائرا، فصاح المحكوم عليه: «إني أستأنف دعواي من فيليب السكران إلى فيليب الصاحي.» وبالفعل لما صحا فيليب من سكره وعرضت عليه الدعوى حكم للرجل.
ومما يحكى عنه أن امرأة كان لها عنده شغل فالتمست مقابلته مرارا، فكان يماطلها من وقت إلى آخر بقوله أن لا فرصة عنده لمقابلتها، فقالت له مرة: «إذا لم يكن لك وقت لإجراء العدل فليس لك حق بالملك.» فخجل فيليب من ذلك وتعلم منها كيف يجب أن يقوم بواجباته نحو مملكته.
وعاش فيليب بعد استيلائه على اليونان نحوا من سنتين، وكان هناك شاب من الأشراف اسمه بوسانياس من ضباط الحرس، وكان قد ظلمه أحد أقارب فيليب فعرض دعواه لفيليب فلم ينصفه، فأصر بوسانياس على قتل الملك فاغتنم يوم زفاف ابنته وكمن له داخل قاعة الزفاف وكانت مزدحمة بالناس، فهجم بوسانياس حالا وطعن الملك بقلبه طعنة قضت عليه ، ففرح الأثينيون بموت فيليب وقرروا جهارا بمكافأة بوسانياس بإكليل من الذهب جزاء له على قتل فيليب؛ لأن كل أيالات اليونان كانت ضده.
الإسكندر الأكبر وفتوحاته.
وتولى الملك بعد موت فيليب المكدوني ابنه الإسكندر، وكان سنه إذ ذاك 20 سنة، ولقب بعد ذلك بالأكبر، وقد أظهر الإسكندر على صغر سنه بسالة وإقداما جعلتاه مفتتح العالم.
وأول أعماله الحربية إخضاع ولايات اليونان، ولم يكلفه ذلك أكثر من واقعة واحدة، ثم جند من اليونانيين وتم تحت رايته جند كبير، وأخذ يسعى إلى حرب مع الفرس فسار إليها في جيش مؤلف من خمسة وثلاثين ألف رجل، فقطع به بوغاز الدردنيل وسار مخترقا آسيا الصغرى قاصدا بلاد فارس، وقبل أن يبلغ حدودها التقى في إيسوس بداريوس ملك الفرس وقد جمع جيشا عظيما، فحاربه وانتصر عليه وقتل من جيشه مائة وعشرة آلاف.
Shafi da ba'a sani ba
فعاد داريوس وجمع جيشا بلغ نصف مليون من الرجال، وتقدم لملاقاة الإسكندر في إربلا سائرا في وسط جيوشه على مركبة عظيمة أشبه بعرش ماش يحيط به حرسه بالسلاح التام، فلما التقى الجيشان جرت واقعة شديدة أظهر فيها الفرس بسالة عظيمة، لكنهم لم يستطيعوا الثبات أمام جيوش الإسكندر فالتمسوا الفرار وتركوا ملكهم وحده في مركبته، وهو لم يتمكن من امتطاء جواده والفرار من الموقعة إلا بعد جهد عظيم، ولكنه لم ينج من الموت، فذبحه اثنان من رجاله فتم النصر للإسكندر فتقدم إلى فرسيوليس عاصمة الفرس إذ ذاك، وكانت مدينة عظيمة في قصرها الملوكي تمثال هائل لإكسرزيس (احشوريش)، أما المكدونيون فحطموا التمثال ودكوه إلى الأرض.
ولما ذاق الإسكندر حلاوة النصر انهمك بملذاته وأكثر من شرب المسكر، فبينما كان ذات ليلة في مأدبة بفرسيوليس، أقنعته إحدى فتيات قصره من اليونان أن يحرق المدينة فأحرقها للحال.
وكان لما أخضع الفرس هم بالمسير إلى الهند وهي تحت رعاية ملك يورس، ويقال إن طوله كان سبع أقدام ونصف، وجند جيشا عظيما وسار لملاقاة الإسكندر، وكان في جملة جيش يورس عدد من الأفيال تعلمت الهجوم على الأعداء لمحاربتهم، ولم يكن عند الإسكندر شيء منها غير أن السعد كان لا يزال خادما له، فعادت العائدة على جيش الفرس فقبض على ملكهم وقيد مغلولا إلى خيمة الإسكندر، فنظر إليه الإسكندر مندهشا لعظم هامته وطول قامته قائلا: كيف أعاملك؟ فأجابه يورس: «معاملة الملوك.» فأمعن الإسكندر في ذلك الجواب وفكر في نفسه؛ كيف كان يريد أن يعامل هو لو كان في تلك الحالة فجعل يعامل ذلك الملك بكل إكرام.
نعم، إن الإسكندر أظهر في أول حياته أعمالا يعجز عنها كبار الرجال غير أن نجاحه وتأييد مساعيه آلا أخيرا إلى خرابه؛ إذ قاده الكبر والخيلاء إلى أن يحسب نفسه في مصاف الآلهة وشوه أعماله تشويها لا يليق بإنسان مثله، وأقبح تلك الأعمال قتل كليتوس أحد الذين حاربوا في أيام أبيه، وكان قد أنقذ حياته مرة من الموت وقد حصل بسبب ذلك على حرية التكلم معه.
ففي ذات ليلة بعد أن شربوا كثيرا من الخمر أخذ الإسكندر يطنب بأعماله أمام كليتوس، وبالغ فيها كثيرا، فقال له كليتوس: إن أباه فيليب فعل ما هو أعظم من ذلك كثيرا، فاغتاظ الإسكندر واختطف للحال رمحا من أحد الخدمة وطعن كليتوس طعنة قتالة، لكنه لما رأى جثة ذلك الرجل تخبط في الأرض ندم على قتله؛ لأنه كان سببا لحياته إلا أن ندمه هذا لم يبق طويلا، فأصر على كونه من الآلهة، وأنه ابن جوبيتر فقاومه أحد الفلاسفة واسمه كالستينس مقاومة شديدة ورفض السجود له، فحبسه الإسكندر في قفص من حديد فقتل نفسه من اليأس.
ولما عاد الإسكندر من الهند إلى الفرس أصيب بمصيبة عظيمة وهي موت أعز أصدقائه هافستيون، مات من مرض نتج عن الإفراط بشرب المسكر، وبقي الإسكندر بعد موته ثلاثة أيام مطروحا على الأرض لا يتناول طعاما وبنى لفقيده نصبا من الأطياب ومواد أخرى ثمينة أنفق عليها أموالا طائلة، ووضعت جثة هافستيون على قمة ذلك النصب، وأوقد فيها النار وجعل ينظر إلى جثة صديقه نظر الحزن وهي تتحول إلى رماد.
وكان موت هافستيون بسبب المسكر عظة للإسكندر، لكنه لم يستفد منها شيئا، بل قد ذهب هو نفسه فريسة ذلك الشراب النجس؛ وذلك أنه بينما كان في بابل وقد احتفل بمأدبة فاخرة وأكثر من الشرب داهمه مرض شديد عقبه الموت.
أما ما يقال عن فضائل الإسكندر فيظهر في ما قاله له أحد القرصان (لصوص البحر)؛ وذلك أن أحد جنود الإسكندر قبض على ذلك السارق وجاء به أمام الإسكندر، فسأله كيف يجوز له معاطاة السرقة؟ فأجابه القرصان: «إن الحق الذي يخول لي السرقة هو نفس الحق الذي يخول لك الافتتاح، وإنما الفرق بيني وبينك أن أتباعي قليلون وأضراري قليلة، أما أنت فأتباعك كثيرون وأضرارك كثيرة.»
وبعد موت الإسكندر حنطت جثته ونقلت إلى الإسكندرية ودفنت فيها، وبالغ المصريون في إكرامه كأنه أعظم مصلحي العالم، وقد حاول بعضهم في هذه السنين الأخيرة العثور على جثته، وظنوا أنهم عثروا بها، ولكنهم وجدوا بعد ذلك أنهم كانوا واهمين ولا نظنهم يعثرون على ذلك.
فتوح الغاليين لبلاد اليونان
Shafi da ba'a sani ba
لما كان الإسكندر على فراش الموت سأله أتباعه عمن يريد أن يتولى مملكته بعده، فأجاب: «يتولاها من يستحقها.» ولكن يظهر أنه لم يكن بين رجاله من هو جدير بذلك الاستحقاق، وكانت تلك المملكة شاسعة الأطراف تمتد من بلاد اليونان إلى أقاصي الهند وفيها كثير من الأمم، فآل الأمر إلى انقسامها بين ثلاثة وثلاثين من كبار قواده، وقد أباحوا لأكبرهم استيلاء أكثر من سهم، وفي سنة 312ق.م أصبحت المملكة في يد أربعة منهم، وذلك بعد موت الإسكندر بإحدى عشرة سنة، وكان قد هلك كل أقاربه وأولاده.
أما اليونانيون فلما علموا بموت الإسكندر طمعوا باسترجاع حريتهم، وحاولوا ذلك لكنهم لم يفوزوا، فأصبحت بلادهم تحت سلطة كاسندر الذي كان قائدا لفرسان الإسكندر، وبعد يسير توفي كاسندر، ولم يبق بعد ذلك في تاريخ اليونان حوادث تتلى ما خلا الفواحش المتعاظمة والكوارث المتتابعة والمصائب المتراكمة.
وفي سنة 278ق.م سطا الغاليون أو الكلتيون على اليونان، وكان الغاليون إذ ذاك شعبا بربريا يسكنون البلاد التي تدعى الآن فرنسا، وقائدهم كان يدعى برنس وعددهم قيل إنه بلغ 160 ألفا، فسار برنس في جيشه لا يدافع إلا بالأمر اليسير حتى أتى دلفي على نية أن يستولي على الأموال الموجودة في هيكل أبولو المشهور، وقد قال برنس: إن إلها مثل أبولو لا يحتاج إلى هذه الأموال، أما أنا فلا غنى لي عنها؛ لأني إنسان، وبعث رجاله إلى الهيكل حتى أتوا إلى واجهته وكانت تحسب أقدس قسم فيه، وهناك كان يهبط الوحي العجيب الذي نتج عنه نبوات غريبة على ما يزعمون، فبينما كانت جيوش الغاليين قاصدة ذلك الهيكل صدمتهم زوبعة شديدة رافقتها رعود وإعصار، وتبع كل ذلك زلزلة اهتزت لها الأرض فأجفل الغاليون.
وكان الغاليون قد تألبوا للدفاع عن الهيكل، فلما رأوا الخلل قد تمكن من الغاليين هجموا عليهم بالسيوف، وكان الظلام قد سدل حجابه فلم يعد الغاليون يميزون صديقهم من عدوهم فصاروا يقتلون بعضهم بعضا حتى بادوا.
هذا ما نقله إلينا قدماء المؤرخين عن هذه الواقعة ولا نظنها تخلو من المبالغة؛ لأن بعض أجزائها يصعب تصديقه، وعلى كل فإنها آخر الوقائع التي انتصر فيها اليونانيون.
نهاية الاستقلال اليوناني
وأصبح اليونانيون بعد ما قاسوه من الحروب قليلي التعلق بالحرية وبالفضائل الأخرى التي كانت تميزهم من سائر الأمم، ويؤيد ذلك ما نقل الرواة عن أجيس ملك سبارطة، وكان ملكا شابا شديد الرغبة في إصلاح سبارطة وإعادة الشرائع القديمة التي كان قد وضعها ليكورغوس المتقدم ذكره، لكن السبارطيين لانغماسهم في الملذات والشهوات استولى عليهم الجبن حتى كرهوا اسم ليكورغوس، وعولوا على رفض قوانينه؛ لأنها صارمة، وبناء على ذلك قبضوا على ملكهم وقادوه إلى السجن وحكموا عليه بالموت، فلما جاءت ساعة تنفيذ الحكم نظر إليه الجلاد وبكى فقال له أجيس: لا تبك لأجلي؛ لأني أسعد حالا من الذين حكموا بقتلي.
وبعد قتله ببرهة وجيزة جاءت أمه وجدته إلى السجن لترياه وهما غير عالمتين بقتله، فقادوهما إلى سجنه وقتلوهما ورموا جثتيهما فوق جثته.
وبعد تلك الفعلة الشنعاء بمدة تولى على الإسبارطيين ملك يقال له نابس، وكان ظالما كثيرا حتى خيل للناس أنه إنما أرسل لعذاب الناس، وكان في قصره تمثال جميل جدا يشبه زوجته وعليه غطاء ثمين يليق بالملكة، ولكن صدر ذلك التمثال وزنديه ملآنة بالمسامير الحادة، إلا أنه مغطى بثياب جميلة، فكان الملك نابس إذا أراد استخراج مال من أحد دعاه إلى قصره أوقفه أمام ذلك التمثال، فيحتضنه التمثال بيديه ويضمه إلى صدره بواسطة آلات غير منظورة، فإذا حاول الرجل النجاة لا يستطيع؛ لأنه مسمر بين يدي التمثال، فيبقى والمسامير قد غرزت في لحمه حتى يدفع لنابس المال الذي يريده.
فلا يعجب القارئ من بعد ما علم من تصرف ملوك اليونان هذا إذا رأى الرعية تميل إلى التخلص من حكمه، ففي سنة 146ق.م دخلت اليونان تحت سلطة رومية.
Shafi da ba'a sani ba
هذا ملخص تاريخ الدولة اليونانية القديم، وقد رأيت أن فيه كثيرا من الأمور المهمة، أما تفصيله فتتكفل به المجلدات الكبيرة.
تاريخ اليونان الحديث
أما تاريخ اليونان الحديث فمتصل بتاريخ الأمم الأخرى، ولم يعد اليونانيون بعد دخولهم في حوزة الرومانيين على شيء من السطوة، وانحطت منزلتهم إلا فيما يتعلق بشعرائهم ومؤرخيهم وناحتيهم، وفي الجيل الثالث بعد الميلاد انقسمت المملكة الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي، وكانت عاصمة المملكة الشرقية القسطنطينية، أما بلاد اليونان فكانت تحت حكومة هذا القسم، وكانت تدعى أحيانا المملكة الشرقية باسم مملكة اليونان.
وفي سنة 1450م افتتح العثمانيون مملكة الرومان الشرقية، فدخلت اليونان في حوزتهم، وما زال العثمانيون يعاملون اليونان معاملة الرعية مدة أربعة أجيال.
أخيرا في سنة 1821 ثار اليونانيون على دولتهم، فحصلت بينهما حرب دامت مدة طويلة، وحدث أثناءها أعمال فظيعة من الجانبين، وقد ساعد اليونانيون في تلك الحروب كثير من الأمم الأخرى، فإن الإنكليز والفرنساويين والروسيين أمدوهم بالعمارات البحرية، وكانت سواحل اليونان ملآنة بالبوارج الحربية جميعها تحت قيادة الأميرال الإنكليزي اسمه السر أورد كدرنتون، وفي أوكتوبر (تشرين الأول) سنة 1827 هاجمت هذه العمارات عمارة عثمانية مؤلفة من مائتي دارعة في بوغاز نفارينو بالمورة، فغرقت دوارعهم وبعضها احترق، وأصبح اليونانيون من ذلك اليوم مستقلين.
غير أن الدول الأخرى رأت أن اليونانيين ليسوا أهلا لأن يحكموا أنفسهم كما يجب، فاختارت لهم إنكلترا وفرنسا وروسيا ملكا اسمه أوثو، وكان شابا يبلغ الثامنة عشرة من العمر من عائلة ملوك بافاربا، تولى الملك سنة 1829، على أنه لم تكن فيه كل الكفاءة لإرضاء الشعب، فأنزل سنة 1862 وبقيت اليونان مدة قصيرة تحت حكومة وقتية.
وفي سنة 1863 اهتم اليونانيون في انتخاب ملك، فانتخبوا البرنس الفرد ابن ملكة إنكلترا، غير أن الحكومة الإنكليزية لم تصادق على ذلك الانتخاب، فانتخبوا ابن ملك الدنمارك فجاء إلى بلاد اليونان في نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1863، واستلم زمام الأحكام ودعي جورج الأول، وقد كانت جزائر اليونان قبلا تحت حماية الإنكليز فأضيفت إلى حكومة اليونان، وأصبح اليونان من ذلك الحين مستقلين استقلالا تاما.
جدول حوادث اليونان
الحدث
ق.م
Shafi da ba'a sani ba
تأسيس أبناخس لبلاد اليونان
1856
تأسيس سيكروبس لأثينا
1556
تأسيس كورنثوس
1520
تأسيس ليكس لسبارطة
1516
تأسيس قدمس لطيبة
1500
Shafi da ba'a sani ba
الحملة الأرغونونية
1262
اتحاد أيالات اليونان الاثنتي عشرة
1257
حصار تروادة
1193
ولادة هوميروس الشاعر
900
وضع ليكورغوس لشرائع سبارطة
884
Shafi da ba'a sani ba
وضع صولون لشرائع أثينا
643
ظهور الفيلسوف بهاس
617
موقعة ماراتون
490
وفاة بركليس
429
إعادة الحكومة الأصلية إلى أثينا
402
Shafi da ba'a sani ba