Takaitaccen Tarihin Iraqi
خلاصة تاريخ العراق: منذ نشوئه إلى يومنا هذا
Nau'ikan
ووضع السيف في الشيعة من أهاليها حتى قتل منهم أكثر من عشرين ألف نفس، وأسر جماعة من الملقبين بالخان، مثل بكتاش خان، وخليل خان، ونقدي خان، وعلي يار خان؛ إلى غيرهم، وأمر بجمع كتب الشيعة فأحرقت مقابلة المثل بالمثل. ولما استتب الأمن في البلد عمر السلطان سور بغداد، والقلعة، ومرقد الإمام أبي حنيفة، وتربة الشيخ عبد القادر الجيلي، وعين لمحافظة بغداد وزراء وعساكر وزمرا من الإنكشارية (الينيجرية)، وحذرهم من غدر الشاه بكتاش بن الشاه عباس، وعاد إلى اصطنبول.
رحل السلطان وترك واليا عليها وزيره كوجك حسن باشا، ثم توالى الولاة. على أن الزوراء وإن كانت في قبضة سلاطين آل عثمان إلا أن العراق كله لم يكن في أيديهم بخلاف ما يظن، بل كان قد تغلب على كل مدينة من مدنه الكبار شيوخ من الأعراب يحكمون فيها ويتحكمون. ففي سنة 1050 / 1641 انتزعت هيت من أيدي أعراب الخزاعل، وكذلك السماوة، والعرجاء بعدها. ومما زاد الطين بلة أن الوزراء والولاة كثيرا ما كانوا يعصون ويتمردون على السلاطين محاولين استئثارهم بالعراق، لبعد اصطنبول عن هذه الديار. فأول من أظهر العصيان والاستقلال ببغداد بعد ذهاب السلطان مراد الرابع كان الوزير إبراهيم باشا الذي كان قد عين لبغداد في سنة 1056 / 1648، فدس عليه السلطان إبراهيم بن أحمد خان من قتله، وكذا فعل أيضا ولاة البصرة، وأول من رفع منهم لواء العصيان كان حسين باشا، فإنه تقوى بأخويه محتميا بهما، وهما أحمد بك، وفتحي بك، وذلك في سنة 1063 / 1653، فبعث إليه والي، بغداد - وكان يومئذ قره مصطفى باشا - يقول له أن احذر غضب السلطان؛ فأبى إلا الشقاق. وفي سنة 1064 / 1654 ولي بغداد الوزير مرتضى باشا، وأمره السلطان بفتح البصرة، فلما جاء بغداد جمع العساكر وسار إلى البصرة، فانضم إليه أخوا والي البصرة أحمد بك وفتحي بك وحاصروا البصرة، فهرب حسين باشا إلى ديار إيران، وملك البصرة مرتضى باشا، ثم غدر بأحمد بك وفتحي بك - كما هي عادة الأتراك إذا ما قضوا مآربهم - وقتلهما، وقتل جماعة من أمراء المدينة المذكورة، فخافه العرب، وقام عليه أهل الجزائر،
4
وتبعهم أعراب قشعم، والمنتفق، وخزاعل، وكعب، وبني لام، وحاربوا التركي الخائن المكار حتى ألجئوه إلى الفرار، فخرج من البصرة هو وعسكره لا يلوي على شيء متجها إلى بغداد، فقدم إليها من ديار إيران واليها السابق حسين باشا، ودخل البصرة بأبهة وإجلال ، ودان للسلطان، فدانت له الأعراب جميعهم. ولما رأى مرتضى باشا أن السلطان لم يعاقب والي البصرة، بل أيده في ولايته، ثار هو أيضا مجاراة لمن سبقه، فهرب إلى كردستان وأراد الاستئثار بها، فعين السلطان لمحاربته والي ديار بكر محمد باشا ابن بكر باشا، فأرسل جيشا مع الكتخداه «علي كهية» وناجز مرتضى باشا، فلما رأى أن القتال يطول وعد الأكراد هدايا إذا حملوه إليه، فقبضوا عليه خيانة كما كان هو قد غدر بأحمد بك وفتحي بك، ودفعوه إلى الكهية، فقتله في الموصل وأرسل برأسه إلى السلطان. وهكذا يكون عقاب كل غدار مكار.
وممن جارى ولاة العراق في انتزاع المدن من أيدي سلاطين آل عثمان أمراء الأعراب؛ فقد وقع في سنة 1074 / 1663 أن حسين باشا والي البصرة أرسل عساكر مع أمير بني خالد براق، وطلب إليه أن يسير إلى الأحساء لينتزعها من يد مختلسها محمد باشا، فلما حقق الغاية استأثر بها هذه المرة براق نفسه، فأرسل السلطان في سنة 1075 / 1664 يقول إلى الأمير يحيى آغا وكنعان أمير قشعم أن سيرا إلى الأحساء وانتزعاها من يد الأمير براق، فذهبا ووقع بينهما وبين بني خالد معركة شديدة، انجلت عن انكسار الأمير براق وانتصار الأميرين، فعادت الأحساء من جديد إلى المملكة العثمانية.
وكان يتفق أحيانا أن ولاة العراق إذا بقوا خاضعين للدولة العثمانية كان أعراب العراق يثورون على الولاة ويطردونهم من ديارهم. وأغلب ما كان يقع هذا الأمر في ولاية البصرة؛ لأن الأعراب هناك كثيرون يأتونها من جزيرة العرب ومن جنوب غربي ديار إيران، وهم هناك أيضا كثيرون؛ ففي سنة 1075 / 1664 المذكورة ثار أعراب البصرة وطردوا واليها حسين باشا، فولي بغداد الوزير إبراهيم باشا، وعينه الخاقان لقمع أولئك الثائرين، وعين معه والي ديار بكر وولاة حلب والرها والموصل وشهرزور. فسار إبراهيم باشا من بغداد سنة 1076 / 1665 ومعه الوزراء، فنزل القرنة وحاصرها ثلاثة أشهر. ثم ضاق الأمر بأهلها فصالحوه على مال وسلموه البلدة. ومن هناك نزل على البصرة فملكها، ثم استدعى واليها الفار (أي حسين باشا) وأعاده إلى مقامه السابق واليا على البصرة. أما هو فرجع إلى بغداد فرحا مسرورا. ثم مضت ست وعشرون سنة والولاة يتوالون في بغداد والبصرة بدون أن تحدث أدنى فتنة، وهو أمر نادر.
وفي سنة 1102 / 1689 رفع مانع أمير أعراب البصرة لواء العصيان، فحاربه والي البصرة دفتر دار حسين باشا مير ميران، ولم ينجح في محاربته لتقاعد والي بغداد عن نصرته، فانكسر حسين باشا شر كسرة، مما جرأ مانعا المذكور أمير قشعم على مد يده إلى غير البصرة، فاحتل في سنة 1108 / 1696 جصان وبدرة إلى مندلي (البندنيجين)، وكان سبب تعاظم عصيانه أن والي البصرة لما حاربه استباح أمواله، فأراد أن يثأر منه أو من دولته. وفي سنة 1110 / 1698 طرد أعراب قشعم والي البصرة حسين باشا، ودفعوا مفاتيح المدينة إلى شاه العجم. أما هذا فلم يرد أن يثير عوامل غضب السلطان، فأخذ المفاتيح وضمها إلى هدية سنية وبعث بها إلى السلطان، فأخذها شاكرا، لكن لم يرد أن يسكت عن سوء أعمال آل قشعم، فولى الخاقان وزيره علي باشا ولاية بغداد، وأمره أن يسير على قشعم ويؤدبهم أحسن تأديب. فزحف عليهم وحاصرهم حتى أذلهم، فصالحوه على مال، وكان في البصرة متسلما داود خان، فخرج من البصرة وتسلم مفاتيح المدينة واليها السابق حسين باشا. وكان في القرنة متسلما ميرزا خان، وفي الحويزة فرج الله خان، فلم يتعرضا بشيء، وبقيت المدينتان في أيدي العجم. فلما كانت سنة 1112 ولي بغداد الوزير إسماعيل باشا فلم يقدر على محاربة الأعجام فعزل، وولي بدله الوزير «دالدبان مصطفى باشا»، فدخلها وحارب آل قشعم والعجم، وقدم لنصرته والي الموصل جلبي يوسف باشا الحلبي، وحاكم العمادية قباد باشا، ووالي ديار بكر حاجي محمد باشا، وحاكم حلب أحمد باشا، وحاكم أرفا إبراهيم، وحاكم البيرة (بيره جك) يوسف باشا، فاجتمع كلهم في بغداد في شهر شعبان، وكان عدد الجند مائتي ألف فارس وراجل، فسار بهم «دالدبان مصطفى باشا» حتى نزل على القرنة، فاسترجعها وقتل من فيها من الإيرانيين وأعراب قشعم، ثم سار منها إلى البصرة، فلما سمع بقدومه صاحب الحويزة فرج الله خافه، فبعث إليه يطلب الأمان، فأمنه وتسلم البلد منه. أما أمير قشعم مانع فإنه هرب من وجه الباشا، ثم بعث إليه يطلب الأمان والمصالحة، فصالحه على مال وعفا عنه، ثم عاد دالدبان مصطفى باشا مع ما كان معه من الحكام والولاة، ثم قتل والي ديار بكر الحاج محمد باشا؛ لأنه وجد منه خيانة قبل مسيرهم حين تحركت الإنكشارية، وطلبوا علوفاتهم فأعطاهم، وعاد الوزراء إلى بلادهم.
على أن أهل العراق إذا أخلدوا إلى الطاعة في موطن، رفعوا راية العصيان في موطن آخر؛ وذلك لسوء تدبير الأتراك لهذه الديار، وكثرة تعدياتهم التي ما كانت تتقطع البتة؛ ففي سنة 1116 / 1704 ثار أهل الخانوقة (وهي قلعة خربة على جبل يطل على دجلة بين بغداد والموصل)، فحاصرهم ونهبهم وقتل معظم رجالهم حتى اضطروا إلى طلب الأمان، فأمنهم وعاد إلى بغداد. وفي سنة 1118 / 1706 قام بنو لام على الحكومة العثمانية فسقاهم كأس الحمام وفرق جموعهم، فتشتتوا أيدي سبأ. وفي سنة 1127 / 1715 قتل اليزيدية بعض المعتدين عليهم من المسلمين، فاتخذ حسن باشا ذلك القتل حجة لينكل بأهل سنجار، فسار إليهم وأذاقهم الأمرين، وقتل خلقا عديدا منهم، ونهب أموالهم وسلب ما عندهم، ودمر قراهم، فلم يبق فيهم غنيا، وتاريخ ذلك «غزاء
5
حسن».
Shafi da ba'a sani ba