الجن، وهم سكانها، وأنا اليلب بن صعب ملكهم وصاحب أمرهم. قال فبينما هم كذلك إذ مرت بهم امرأة لم ير الراءون أحسن منها وجها، ولا أكمل منها خلقا، ولا أظهر منها صباحة، ولا أطيب منها رائحة، فافتتن بها اهدهاد، وعلم ملك الجن أنَّه قد. . . . . . .، وشغف بها، فقال له: أيها الملك، إنْ كنت قد هويتها فهي ابنتي وأنا أزوجكها، فجزاه الهدهاد خيرا على كلامه، وقال له: من لي بذلك؟ فقال له الجني: إنما عرضت عليك من تزويجي منك وجمعي بينكما على أسر الأحوال وأنا بها زعيم، فهل عرفتها؟ فقال له الهدهاد: ما رأيتها قبل يومي هذا، فقال له الجني: فإنّها الغزالة التي خلصتها من الذئب، ولا نكافئك على فعلك الجميل أبدًا بأحسن من حبائك بها، بشهادة الله ﷿ وشهادة ملائكته. فإذا أردت ذلك فاقدم إلينا بخاصة أهل بيتك وملوك قومك ليشهدوا إملاكها، ويحضروا وليمتها، وميعادك الشهر الداخل. وقال فانصرف الهدهاد على الميعاد، وغابت المدينة، وإذا أصحابه حوله يدورون عليه. فقالوا له: أين كنت؟ ونحن في طلبك مذ فارقتنا، ولم نترك شيئًا من هذه الفلوات إلاّ قلبناه لك وطلبناك فيه، فقال لهم الهدهاد: إني لم أبعد، ولم أجب. وأقبل يسير وهو يقول:
عجائب الدهر لا تفني أوابدها ... والمرء ما عاش لا يخلوا من العجب
ما كنت أحسب أنْ الأرض يعمرها ... غير الأعاجم في الآفاق والعرب
وكنت أخبر بالجن فلا ... أرد أخبارهم إلاّ إلى الكذب
حتى رأيت مقاصير مشيدة ... للجن محفوفة الأبواب والحجب
1 / 75