والدواة، وقالوا: إنَّ صاحب السيف يصلح للثبات والوقوف في موضعه، وصاحب القلم لا يكون إلا مديرا فاتقا راتقا آمرا ناهيا، وصاحب السوط لا يكون إلاّ رائضًا سائسًا. وحكموا أنَّ صاحب الوقوف والثبات والفتق والرتق والتدبير لا يكون إلاّ الملك الأعظم الراقد في دار المملكة وهو حمير؛ وحكوا أنَّ العنان وصرف لهوادي الخيل، للذب عن الملك نكاية الأعداء حيث كانوا، وحكموا أنَّ الترس يرد به البأس عند اللقاء، وأنَّ القرش ينال به الناوئ والمعادي على البعد منها، وحكموا أنَّ جميع ذلك لا يصلح إلاّ لحائط الدولة والذاب عنها وعن بيضتها والقائم بحروبها وفتوحها وإصلاح ثغورها: وهو كهلان. فتملك حمير الملك الراتب في دار المملكة، وسلم إليه فكنى أبا أيمن لجلوسه عن يمين أبيه، وتقلد كهلان الأطراف والثغور والحروب ومنتوأة الأعداء حيث كانوا، فلم يزلا على ذلك وأولادهما وأولاد أولادهما: ومن ولد حمير ملك قائم بالملك، ومن ولد كهلان ولد قائم بالثغور والأعمال وقود الجيوش والغزو إلى العدو حيث ك، وكان لكهلان على حمير المعونة بمثل معونة اليمن للشمال في الرمي بالقوس والنزع عليها بالنبل؛ وهما في غير القوس والمال والنجدة؛ وكان لحمير على كهلان الطاعة وكفاية ما تقلد من رتق الفتق وسد الخلل واستخراج الأتاوات. وفي ذلك يقول هي بن بي أحد من حضر القسمة هذه:
ما سد هذا الورى أبناء قحطان ... إلاّ بفضل لهم وإحسان
ما في الأنام لهم حي يشاركهم ... ولا لواحدهم في الأرض من ثاني
لم يشهد الناس في بدو ولا حضر ... حكما كحكم عظيم الملك والشان
سبا بن يشجب لا بنيه وإنهما ... للسيدان الرفيعان العظيمان
1 / 13