117

Takaitaccen Yau da Shudhur

خلاصة اليومية والشذور

Nau'ikan

وما كان لئيم لئيما إلا بعد يأس من إنصاف الناس، ويقين من عسفهم في القضاء واغترارهم بظواهر الأحوال.

ولقد سمعت يوما جماعة ينتاشون عرض رجل لم أعلم عليه من سوء، فوصموه بنهاية اللؤم ورجموه بأشنع الخبث، وكان أطولهم لسانا وأفحشهم طعنا فتى كان يدعي أنه ساعده فخذله، وأحسن إليه فقابل إحسانه بالإساءة، فلقيت ذلك الرجل فسألته، فقال: نعم، أعطاني قطعة من السم صغيرة في قطعة من الحلوى كبيرة، وهو يطالبني الآن بثمن تلك الحلوى، ويمن علي أن وهبني السم بلا ثمن، وأخذ يقص علي من نوادر إساءة ذلك الفتى في الإحسان، وغلظته في الملاطفة، وتقطيبه في البشاشة، ما لو أنه قضى العمر في مناوأته والكيد له لم يكن معتديا عليه.

قلت: فلم لا تفشي الحقيقة، وأقل ما فيها ألا يفتري عليك الناس بما ليس فيك أو يعيبوك بعيب أعدائك؟!

قال: سواء علي أيعيبني الناس أم يشكرونني، بل أحب إلي أن يعيبوني ويحذروا جانبي من أن يحسنوا الظن ويخدعوني، وإن المشقة التي أحتملها في إقناعهم ببراءتي لأشد كثيرا من الضرر الذي يصيبني من اعتقادهم في اللؤم إن كان فيه ضرر. •••

أنا لا ألوم هذا اللئيم الذي اقتبس دروس اللؤم من العالم كله، وكيف وهو يقتبس من أستاذ يلوح له بالعصا أنى ذهب! يلوح له بها عند مشيه وقعوده، وعند جده وونائه، وعند أكله ونومه، وعند مصادقته ومعاداته، ويوشك أن ينهال عليه بها فيقتله كلما سها عن درس من دروسه أو هم بأن يتتلمذ لأستاذ غيره.

وأجد من يلوم هذا اللئيم كمن جلس على مائدته بين زوجه وولده، وبين يديه صحاف الطعام، وأمامه الأتباع والخدام، فجعل يلوم الصياد الذي خرج يبحث عن صيده في الآجام الموحشة، فتقلد سلاحه ومشى ينظر كلما نقل قدمه إلى أمامه وإلى ورائه، وعن يمينه وعن شماله، وهو من الحيطة والتربص يكاد ينظر بكل عضو فيه أو كأنه من التمهل التلف يدوس على الشوك ويخطو على جحور الأراقم، يخاف إن هو غفل أن يفوته رزقه أو يثب عليه سبع فيفترسه، فيلوم ذلك الصياد على احتراسه وارتيابه، ويطول عليه بأمنه ودعته، وما كان هو أكثر منه أمنا؛ لأنه أكرم قلبا ولا كان الصياد أكثر ارتيابا؛ لأنه ألأم خيما وأردأ عنصرا.

أنا لا ألوم هذا اللئيم على أنني لا أحب أن يكثر أمثاله في العالم، وعذري إياه أن الذنب في لؤمه على قومه، ولكن البغيض المرذول هو اللئيم المجبول، فإنه لئيم أحسن الناس إليه أم أساءوا، ولادته جريمة، وموته - وليس سوى موته - تكفير لتلك الجريمة.

البخيل

كان فيمن أعرف من الناس رجل لا يعرف الناس أبخل منه، كان هذا الرجل إذا اشتهت نفسه الشيء مما تشتهيه الأنفس من طيبات المأكل والملبس أخرج القرش من كيسه، فنظر إليه نظرة العاشق المدنف إلى معشوقه ثم رده إلى الكيس وقال: هذا القرش لو أضيف إليه تسعة وتسعون مثله لصار جنيها، والجنيه بعد الجنيه يجلب الثروة العريضة ويجمع المال الحير، وهبني تهاونت بإنفاقه اليوم وسمحت نفسي به، فلا آمن أن تسخو بغيره غدا، فإنما القروش كلها واحدة في القيمة وليس قرش بأغلى من قرش، والشهوات حاضرة في كل وقت، فكأنني أنفقت اليوم بإنفاقي هذا القرش جميع ما سوف أملكه وأدخره من المال، وفتحت على نفسي باب الفاقة الدائمة والعوز المستمر مطاوعة لشهوة حمقاء، إن أنا وقمتها الآن ماتت واسترحت منها، وإن آتيتها على ما تدعوني إليه كل ساعة، كنت كمن يرمي الوقود في النار ليخمدها، وكنت كمن يشتهي الفقر ويتمنى الإعدام، وتلك والله الحماقة بعينها.

وكان إذا تم عنده الجنيه على هذه الكيفية أسقطه في صندوق ثقب له ثقبا في غطائه، ولم يجعل له مفتاحا لئلا يتعود الفتح والإقفال، ويجرؤ على ذلك الذخر بالكشف والابتذال، وخوفا من أن تراوده نفسه لفرط شغفه بالذهب على مس جنيه من تلك الجنيهات، فيجر المس إلى التحريك، ويجر التحريك إلى الأخذ فالإخراج فالصرف، وهناك الطامة العظمى والداهية الشؤمى، ويقول: إن سلما أنت واقف على قمته حري أن تصل يوما إلى أسفله، وما لك ألا تغلق الشر من بابه وترقع الفتق من أوله وتتلافى الأمر في بدايته قبل أن تتعذر عليك نهايته؟ وكان يرى الفقر من بعيد فيظنه أدنى إليه من حبل الوريد، فالفقر عنده محيط بكل مكان، شامل لكل زمان، وما دام في الأرض درهم فهو فقير إليه، وما دام فقيرا فالاطمئنان محال عليه، ولقد ألفنا أن نسمي البخلاء عبيد الذهب، وكان الأصوب أن نسميهم عبيد الفقر؛ لأنهم يضحون الذهب للفقر، وهم يحبون الفقر ويخشونه، يحبونه فيعيشون عيشة المعدمين والبؤساء مع تمكنهم من الثراء، ويخشونه فيتقونه وعندهم له من كل دينار وقاء.

Shafi da ba'a sani ba