خطب مختارة
خطب مختارة
Mai Buga Littafi
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Lambar Fassara
الثالثة
Shekarar Bugawa
١٤٢٣هـ
Inda aka buga
المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
[مقدمة]
خطب مختارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة بقلم الدكتور
عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الحمد لله الذي خلق الناس لعبادته وحده لا شريك له: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣١] والحمد لله الذي جعل إقام الصلاة غاية التمكين في الأرض: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: ٤١]
والحمد لله الذي جعل إعمار المساجد من دلائل الإيمان بالله: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ [التوبة: ١٨] والصلاة والسلام على خير من عبدَ الله وخير من أقام الصلاة وخير من عمّر المساجد سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
1 / 3
أما بعد:
فإنَّ عبادة الله وحده هي غاية خلق الإنسان وحكمته: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وما أنزل الله الكتب وابتعث الرسل إلا لتحقيق هذه الغاية: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [فصلت: ١٤]
والصلاة هي آكد أنواع العبادة بعد كلمة التوحيد وأعظمها وأهمها، ولأجل ذلك اقترنت الصلاة بالتوحيد الذي هو أساسها، والتي هي تطبيق له وتصديق: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: ٥]
وقال جل ثناؤه: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى - وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى - إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٢ - ١٤]
والأصل- في الصلاة - أن تؤدى في المساجد، ولأجل ذلك بُنيت المساجد في المجتمع المسلم.
إنَّ الوظيفة الأولى للمسجد هي: إقام الصلاة ومن هنا بدأ الرسول ﷺ ببناء المسجد: مَقْدَمه من مكة، ومن هنا- كذلك- عظمت مكانة المسجد في الإسلام: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] وقال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ - رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: ٣٦ - ٣٧]
1 / 4
[فقه خطبة الجمعة]
ولئن كانت الصلوات هي الوظيفة الأولى للمساجد، فإنَّ الوظيفة الثانية هي تعليم الناس أمور دينهم، وإرشادهم إلى طاعة ربهم، واتباع رسولهم ﷺ، ومن أبرز الوسائل في ذلك: خطبة الجمعة.
فمن دلائل العظمة والخلود والواقعية في التشريع الإسلامي: أن جعل الله للمسلمين منبرًا أسبوعيًا منتظمًا يتزودون منه بما يمسكهم بأصولهم، ويربطهم بعزائم الدين وأمهات المسائل.
والمنبر المعني هو: خطبة الجمعة.
إن هذه الخطبة أمر جليل الشأن، ينبغي فقهه على وجهه الصحيح، ابتغاء الاقتداء بالرسول ﷺ، وابتغاء توسيع نطاق النفع العام.
فمن فقه خطبة الجمعة: التركيز على الأصول والثوابت والأركان، فقد «أخذت أم هشام بنت حارثة ﵂ ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ [ق: ١] عن لسان رسول الله ﷺ، من كثرة ما يقرأ هذه السورة على المنبر في خطبة الجمعة» (١) .
_________
(١) حديث أم هشام بنت حارثة أخرجه مسلم (٨٧٣) في كتاب الجمعة، باب قراءة القرآن على المنبر في الخطبة.
1 / 5
و"ق" من السور المكية التي انتظمت الأصول الإيمانية العقدية: كالإيمان بالله، والآيات الكونية الدالة على وجوده، ووحدانيته، والبعث، والاعتبار. بما وقع للأمم المكذبة المعاندة.
يقول ابن القيم ﵀: "وكذلك كانت خُطَبُه ﷺ، إنما هي تقرير لأصول الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانًا وتوحيدًا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورًا مشتركة بين الخلائق، وهي كالنوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانًا بالله، ولا توحيدًا له. . إلى أن قال: ومن تأمل خطب النبي ﷺ، وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الدين والتوحيد، وذكر صفات الرب ﷻ، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه".
ولا شك أن في ذلك حكمة بالغة، فإن الاهتمام بالأصول والثوابت من شأنه أن يجمع الأمة على ما ينبغي أن تجتمع عليه من محبة الله وطاعته، والتآخي والتعاون، وأن يجعل المصلين يخرجون بفائدة علمية محققة.
إن الجمعة مأخوذة من الجمع والاجتماع، وهذا لا يكون أو لا يزيد إلا بالربط بالثوابت والأصول.
1 / 6
ومن فقه الخطبة: الإيجاز والاختصار: فمن السنة أن يقصر الخطيب الخطبة، لقول رسول الله ﷺ: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصُروا الخطبة وإن من البيان لسحرا» (١) .
وعن جابر بن سمرة ﵁ قال: «كنت أصلي مع رسول الله ﷺ فكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا» (٢) .
إن خطبة الجمعة ليست مجالًا لاستعراض البلاغة، ولا لاستعراض المعلومات. . والتطويل ذريعة للخطأ، وذريعة للملل المانع من التفاعل والاستيعاب والفهم. ويفهم - من مفهوم المخالفة - أن الذي يطيل الخطبة قليل الفقه.
وبالاطلاع على نماذج من خطب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - مثلا - وجدنا جل خطبه لا تزيد الواحدة منها على صفحة، وبضع صفحة، أي نحو (٦٠٠) ستمائة كلمة تقريبًا. . والمعدل الوقتي المتوسط لإلقاء هذه الكلمات هو ١٥ دقيقة على الأكثر.
_________
(١) حديث عمار بن ياسر أخرجه مسلم (٨٦٩) في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة.
(٢) حديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم (٨٦٦) في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة.
1 / 7
ولا يصلح الاحتجاج - لطول الخطبة - بأن خطباء اليوم يواجهون مشكلات كثيرة، فإن ابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب كانا يواجهان مشكلات كثيرة أيضًا.
[مهمة الإمام والخطيب ومسئوليتهما]
مهمة الإمام والخطيب ومسئوليتهما: والحديث عن المسجد، لا ينفك عن الحديث عن إمام المسجد، وخطيب الجمعة، وقد تتحد هاتان الصفتان في شخص واحد، وقد يكون إمام المسجد غير خطيب الجمعة.
وفي الحالين، هناك مسئوليات لخطب الجمعة وواجبات، وهي كالتالي:
١ - مسئوليته العلمية والثقافية، إذ ليس يستطيع كل أحد أن يرقى المنبر، ويخطب خطبة الجمعة؛ بل يرقاه من يوفي بحقه.
والعلم والثقافة أول هذه الحقوق:
(أ) العلم بالله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] (١) .
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩] (٢) .
_________
(١) سورة فاطر آية: ٢٨.
(٢) سورة محمد آية: ١٩.
1 / 8
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا - الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٨ - ٥٩] (١) .
(ب) العلم بالكتاب: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الرعد: ١٩] (٢) .
(ج) العلم بالسنة: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: ٧] (٣) .
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١] (٤) .
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ٣١ - ٣٢] (٥) .
_________
(١) سورة الفرقان الآيتان: ٥٨، ٥٩.
(٢) سورة الرعد آية: ١٩.
(٣) سورة الحشر آية: ٧.
(٤) سورة الأحزاب آية: ٢١.
(٥) سورة آل عمران الآيتان: ٣١، ٣٢.
1 / 9
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] (١) .
(د) العلم بأقوال السلف في فهم الكتاب والسنة: قال الإمام أحمد ﵀ "أصول السنة عندنا: التمسك. بما كان عليه أصحاب رسول الله ﷺ والاقتداء بهم. . والسنة عندنا آثار رسول الله ﷺ. . والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن".
وقال الإمام الأوزاعي ﵀: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم".
(هـ) العلم بالأحوال العامة: فإن القول في الواقع بلا علم ذريعة إلى ضلال عريض، وفساد كبير، وكانت طريقة السلف الصالح: أن يفهم الواقعة، ثم ينزل عليها النص الهادي إلى التي هي أقوم. . وكل ذلك مشروط بالمناط الرئيسي لخطبة الجمعة. . وهو المناط الذي تبينت معالمه في فقرة خطبة الجمعة. . وإلا فليس كل موضوع - بإطلاق- يناقش في منبر الجمعة.
٢ - مسئوليته في الاستيثاق والتثبت من الوقائع والأحداث والأخبار.
فليس من خصائص المؤمن - بله الخطيب - أن يكون ناشرًا للأقاويل والشائعات والأخبار غير الموثقة:
_________
(١) سورة النور آية: ٦٣.
1 / 10
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: ٦] (١) .
﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] (٢) .
٣ - مسئوليته في تقدير المصلحة العامة، فالخطبة إنما تقال في مجتمع. . ولهذا المجتمع مصالح عامة وحيوية، ومن هنا يجب أن تتقيد الخطبة بهذه المصلحة وتقدرها، بمعنى ألا يرد في الخطبة معنى، أو مفهوم، أو عبارة تضر بهذه المصلحة العامة.
٤ - مسئوليته في التفاعل مع المجتمع والدولة. . فالمسجد جزء من المجتمع والدولة، بهما قام، وفي كنفهما يعيش، ولذا يتعين على الخطيب أن يكون متفاعلًا مع الدولة والمجتمع، وأن يتكامل جهده مع الجهود الأخرى في التوجيهات العامة، والمقاصد الأساسية، والنظم الحافظة. . ومع مؤسسات التعليم والتثقيف والتوعية والتوجيه بوجه أخص.
٥ - مسئوليته في إحياء القيم العامة، والفضائل العظيمة مثل: الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والإنفاق في سبيل الله، والتكافل، والعطف على الضعيف، والأرملة، واليتيم، والمسكين، والاستقامة والوفاء بالعقود والعهود وطاعة ولاة الأمر، والإخلاص والصدق، والتعاون على البر
_________
(١) سورة الحجرات آية: ٦.
(٢) سورة النساء آية: ٨٣.
1 / 11
والتقوى، والرحمة، والحياء، وحب العلم، والتآخي، والتواصي بالحق والصبر. . وغير ذلك من القيم والفضائل التي هي لباب الدين، بعد توحيد الله تعالى.
ولئن تعين على خطيب الجمعة أن ينهض بهذه المسئوليات جميعًا، فإن إمام المسجد مخاطب ومعني بهذه المسئوليات والمهام كذلك، وعليه أن يؤديها بإخلاص وجد واستمرار.
إن تجديد الإحساس والشعور والوعي بأعظم غاية في الإسلام، وهي: عبادة الله وحده لا شريك له، ومزيدًا من اجتلاء المفهوم الحقيقي لخطبة الجمعة، وفق السنة، وطريقة السلف الصالح، مسئولية الخطيب والإمام.
وبما أن خطبة الجمعة من شعائر الإسلام العظيمة التي شرعها الله لإعلاء ذكره والدعوة إلى سبيله، وإرشاد الأمة وتوجيهها إلى أقوم الطرق وتحذيرها من مغبة اتباع الهوى. . فقد عنيت وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية بحكم اختصاصها بهذا الأمر، ورأت من المناسب إعداد كتاب يتضمن الأحكام المتعلقة بالخطبة بالإضافة إلى اختيار عدد من الخطب التي تتناول عقيدة المسلم وعباداته ومعاملاته ودعوته إلى طريق الهدى والرشاد وتحذيره من طريق الردى والهلاك، سواء منها ما كان مأثورًا من خطب رسول الله ﷺ وخلفائه الراشدين، أو من الخطب المنتقاة لبعض العلماء والتي من شأنها أن تعين بعض الخطباء الذين يقومون. بمهمة الخطابة.
1 / 12
وإن الجهة المختصة في الوزارة تأمل أن تكون هذه الخطب محققة الهدف من جمعها وطبعها وتوزيعها، معينة للخطباء في واجبهم العظيم. وفي ختام هذه المقدمة نتوجه إلى الله العلي القدير بالشكر على ما يسر من إتمام هذا السفر العظيم كما نثني بالشكر لجهود حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أيده الله ونصر به وبسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني دينَه، وأعلى بهم كلمته، وجعلهم هداة مهتدين ووفقهم لكل خير، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين أعظم الجزاء وأوفاه، فتلك الجهود العظيمة التي تساند الدعوة إلى الله وتوجيه المسلمين إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وفقًا لكتاب ربهم وسنة نبيهم، وما جرى عليه سلف هذه الأمة الصالح التي تؤازر المسلمين في شتى الميادين والبقاع ولكل من أسهم في إخراج هذا الكتاب القيم الشكر والتقدير ونسأله جل وعلا أن يجزي الجميع خير الجزاء إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
د / عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
1 / 13
[تمهيد]
[الخطبة قيمتها ومنزلتها في الإسلام]
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد - الخطبة
- قيمتها
- منزلتها في الإسلام
- بعض أحكامها
الخطبة: هي مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته.
فلا بد من المشافهة وإلا كانت كتابة، والإقناع هو أن يوضح الخطيب رأيه للسامعين ويؤيده بالبراهين ليعتقدوا ويقتنعوا به.
قيمتها: الخطبة في الإسلام شعيرة من شعائره العظام وعبادة من العبادات التي سنها رسول الله ﷺ وأمر بها وقام بها خلفاؤه من بعده ولا تزال الأمة مقتفية لآثارهم من بعدهم. غايتها إعلاء ذكر الله وتعظيم شعائره وحرماته، والدعوة إلى سبيله والتحذير من مخالفة أمره.
1 / 14
منزلتها في الإسلام: ازدهرت الخطابة في فجر الإسلام وكانت مدرسة الرسول ﷺ الخطابية خير مدرسة بلغت رسالة الإسلام العظمى إلى أرجاء المعمورة قاطبة وكان من فرسانها الصديق والفاروق والإمام علي ﵃ ثم هؤلاء القادة المسلمون الذين دوخوا الأكاسرة والقياصرة.
ولقد بلغت الخطابة على عهد الخلفاء الراشدين أوج أهميتها، ولم تعد قاصرة على وقت الجمعة، بل أصبحت تلقى كلما دعت إلى ذلك حاجة، وكان لها من الأهمية ما يجعل الخطبة البليغة تسكن فتنة أو تنفي فرقة أو تهدئ ثائرة أو تثير حربًا يقوم لها الناس ويقعدون.
وكان موقف الخطابة موقفًا عظيمًا في نفوس الأئمة وفي نفوس السامعين حتى كان الخلفاء يقومون بها بأنفسهم، ولا يوكلونها إلى غيرهم في قواعد الملك وحواضره، وبقي الحال كذلك فترة طويلة من الزمن، ولم يتخل الخلفاء عن خطابة الجمعة إلا بعد وفاة الخليفة المأمون بن هارون الرشيد فقد كان آخر الخلفاء المجيدين للخطابة وقد حفظت كتب الأدب والتاريخ مجموعة قيمة من خطبه، وبعده أخذ الخلفاء ينيبون عنهم من يقوم بها، وظل شأنها منذ ذلك الوقت في إدبار، فكثير من الخطب لا تحيي في قلوب السامعين إيمانا، ولا توطد توحيدًا، ولا تفيد المؤمنين معرفة، ولا تذكرهم بأيام الله، ولا تبعث في النفوس محبة الله تعالى، ولا تثير فيها الشوق إلى لقائه بالجهاد أو الاستشهاد وكثيرًا ما يخرج السامعون كما دخلوا فإنا لله
1 / 15
وإنا إليه راجعون.
وعليه فلا بد في الخطيب المسلم الذي يتبوأ هذه المكانة العليا من التوجيه والإرشاد لهذه الأمة المستنيرة بالوحي الخالد، أن يكون أهلًا لهذا المقام علمًا بأصول الدين وعملًا بدستوره وقيمه ومثله، وإلا كانت خطبته في الناس سخرية عليه وموعظته لا تتجاوز الآذان فليحرص الخطيب ألا يخرج أحد من المصلين، المستمعين لخطبته خالي الوفاض، بل لا بد أن يخرج كل منهم وقد امتلأ قلبه. بمحبة الله، والتصميم على طاعته، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله والرهبة منه، والخوف من معصيته.
لا يخرجن أحد من المسجد إلا بفائدة جديدة يكون قد استفادها من الخطيب تنير له السبيل في أمور آخرته أو حياته وعليه بالقرآن العظيم، فليشف صدورهم به، فكفى به هاديًا، وكفى بالموت واعظًا، وكفى برسول الله ﷺ بشيرًا ونذيرًا.
وليعلم الأئمة والخطباء: أن الله ﷾ قد حذّر من الغفلة عن ذكره، وتوعد على ذلك بأشد الوعيد فقال جل شأنه: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ - وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٦ - ٣٧] ولقد شرع لنا - جل شأنه - من الفرائض ما ينبّه الغافل، ويذكّر الناس، فشرع لنا الصلوات الخمس كي تعين مقيمها على ذكره وشكره
1 / 16
وحسن طاعته، وعدم الغفلة عنه في يومه وفي ليله، وفرض على أهل القرية والمصر الجمعة، - بشروطها- ليسعى الناس إلى ذكر الله مجتمعين، يتعرضون لنفحات الله - تعالى - ورحمته بطاعته، ويتحيّنون ساعة إجابة لا يخيب الله بها من دعاه ويستمعون إلى النصح والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتعارفون بينهم، فيشد بعضهم بعضًا فيقوى الضعيف وينشط الخامل، وينتبه الغافل، ويرى الكافر من قوة المؤمنين وعددهم ما يخذله، ويضعف نفسه ويرغم أنفه.
[فضل الجمعة ويومها]
فضل الجمعة ويومها: ولقد عُني الإسلام عناية بالغة بأمر الجمعة، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: ٩]
وعاب على أولئك الذين تشاغلوا عنها، وآثروا التجارة عليها فقال: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الجمعة: ١١]
ومنذ أن شرع الله - تعالى - صلاة الجمعة ورسول الله ﵊ حفيّ بها، محافظ عليها، كثير التأكيد على المسلمين بأدائها، كثير النهي عن التهاون بها.
1 / 17
فيوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، أخرج أحمد ومسلم والترمذي أن النبي ﷺ قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج» .
وفي يوم الجمعة «ساعة من دعا الله فيها استجيب له» (١) .
وعن أنس قال: «أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة (٢) إلى النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ ما هذه؟ قال جبريل: هذه الجمعة فُضِّلْتَ بها أنت وأمتك؟ فالناس لكم فيها تبع: اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله - تعالى - إلا استجيب له، وهو عندنا يوم مزيد، قال النبي- ﷺ: يا جبريل ما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديًا أفيح فيه كثب مسك إذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب، فيقول الله لهم: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي، فاسألوني أعطكم فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم ولكم عليّ ما تمنيتم، ولديّ مزيد، فهم يحسبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير» (٣) .
_________
(١) انظر صحيح البخاري: كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة، ومسلم في: كتاب الجمعة، حديث: (٨٥٢) .
(٢) الوكت هو الأثر، كالنكتة. انظر الفائق في غريب الحديث ٤ / ٧٨.
(٣) أخرجه الإمام الشافعي في مسنده ص ٧٠، والطبرانى في الأوسط بسند رجاله ثقات.
1 / 18
وليوم الجمعة من المزايا والفضائل ما يضيق عن الحصر، فمن مزاياه وفضائله إضافة إلى ما تقدم. . . أن من مات فيه أو في ليلته - وهو مؤمن - وُقي فتنة القبر وعذابه، لما رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ قال: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر» .
ولذلك فإن من الجدير بكل مسلم أن يحرص على الجمعة، ويحافظ عليها ويؤدي ما أمر به فيها على سبيل الوجوب أو الندب.
ومما أُمِرَ المسلمون به فيها: ١ - الإكثار في يومها من قراءة القرآن والذكر والدعاء والمناجاة والصلاة على رسول الله- ﷺ ففي كل ذلك قد وردت السنة.
٢ - كما يطلب من المسلم قبل الخروج لصلاة الجمعة الغسل والسواك والتطيب ولبس أحسن ما لديه من الثياب وأنظفها.
٣ - ويندب الأخذ من الشعر وقص الأظافر في يومها.
٤ - ويندب أن يقرأ في صلاة صبحها بسورتي: "السجدة والإنسان بعد الفاتحة".
٥ - ويندب التبكير بالذهاب إلى الجامع (١) .
_________
(١) أخرج أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة أن رسول الله- ﷺ قال: "المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة، والذي يليه كالمهدي كبشًا، حتى ذكر الدجاجة والبيضة".
والمهجر: المبكر، والبدنة: الناقة، وابتداء التبكير من الفجر أو من طلوع الشمس؟ إلى كل ذهب فريق من العلماء، ولعل الأرجح أن بدء ساعات البكور من طلوع الشمس؟ لأن الفترة السابقة لذلك فترة اغتسال وتهيؤ واستعداد. وقال بعضهم: التبكير يكون من ارتفاع النهار وقت الضحى وأول الهاجرة وينتهي بالزوال وحضور الإمام.
1 / 19
٦ - ويستحب المشي إليها، والقرب من الإمام، والإنصات التام للخطبة وعدم التشاغل بشيء عن ذلك.
٧ - ويكره "الاحتباء" في المسجد - يوم الجمعة - وهو أن يجلس على إليتيه. رافعًا ساقيه، ضامًّا وِرْكيه إلى بطنه بثوبه أو يديه. «لنهيه- ﷺ عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب» لأن هذه الجلسة قد تؤدي إلى النوم.
٨ - ويستحب لمن غلبه النعاس في مكان من المسجد أن يتحول إلى غيره.
٩ - ولا ينبغي للمصلي أن يتخطى الرقاب، فذلك حرام عند بعض العلماء مكروه عند البعض الآخر لكثرة الأحاديث الواردة في النهي عن ذلك.
١٠ - ولا ينبغي للمصلي أن يحضر الجمعة بثياب متسخة أو منفرة، أو رائحة غير زكيّة (١) .
١١ - ولا ينبغي للمصلي أن يتناول طعامًا ذا رائحة تؤذي كالثوم والبصل والفجل وغيرها.
_________
(١) أخرج أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: "الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما يقدر عليه ولو من طيب أهله".
1 / 20
١٢ - وليس له أن يفرق بين اثنين إلا إذا كانت بينهما فرجة كافية لم يسداها.
١٣ - ويندب لمن أتى المسجد - قبل الجمعة - التنفل مع طول القيام ما لم يصعد الخطيب المنبر (١) .
١٤ - وإذا أذن للجمعة فليس للمسلم أن ينشغل بشيء غير السعي إليها فالبيع أو الشراء حال السعي إلى الجمعة حرام عند العلماء.
أما شروط الجمعة فكثيرة أهمها: الخطبة ولها أفردنا هذا الكتاب الذي تجدون فيه تفاصيل أحكامها، وآدابها وكثيرًا مما يتعلق بها مضافًا إلى نماذج من الخطب المختارة.
_________
(١) يقول نافع "كان ابن عمر يغدو إلى المسجد يوم الجمعة، فيصلي ركعات يطيل فيهن القيام، فإذا انصرف الإمام، رجع إلى بيته فصلى ركعتين وقال: هكذا كان يفعل رسول الله ﷺ.
1 / 21
[الفصل الأول خطب مأثورة]
[طرف من خطب النبي ﷺ]
1 / 23