Jawabi da Canjin Zamantakewa
الخطاب والتغير الاجتماعي
Nau'ikan
ويرتبط الاتجاه نحو التخلص من العلامات السافرة للسلطة ارتباطا وثيقا بالاتجاه نحو التخلص من الطابع الرسمي، إذ إن عدم التناظر في السلطة والمكانة يزداد حدة وشدة بازدياد الطابع الرسمي للموقف. ومن الظواهر الرئيسية لازدياد التخلص من الطابع الرسمي أسلوب انتقال خطاب المحادثة، بالأمس واليوم، من مجاله الأولي وهو التفاعلات الشخصية في المجال الخاص، إلى المجال العام، إذ إن المحادثة تستعمر أجهزة الإعلام (كريس، 1986م؛ فاولر، 1988م، ب) وأنماطا مختلفة من الخطاب المهني/العام، والتعليم وهلم جرا، وأنا أعني بذلك أن الخطاب فيها يكتسب طابع المحادثة بصورة متزايدة، ويعتبر هذا جانبا من إعادة ترسيم كبرى للحدود بين المجالين العام والخاص.
ومن أبعاد ظاهرة التخلص من الطابع الرسمي المذكورة تحول معين في العلاقة بين الخطاب المنطوق والخطاب المكتوب، وقد رأينا أمثلة على ذلك من الصحف في الفصل الرابع عاليه؛ فالعينة الأولى تحاكي خطاب المحادثة في تقريب أفعال أصحاب السلطة وأقوالهم إلى قراء الصحيفة، والعنوان الذي يقول إن «قهرمان (رئيس الخدم في منزل) ديانا يستقيل ... لابسا حذاءه الرياضي» لا يستخدم فقط مفردات المحادثة ولكنه يستعين أيضا بحيلة شكلية وهي وضع ثلاث نقاط وسط الجملة لمحاكاة التوقف «الدرامي» (أي المسرحي) وسط الكلام. ولم يعد الفصل بين الكلام المنطوق والكلام المكتوب الفصل الذي يقتضيه المنطق السليم، كما يبدو، وعند التحول من أحدهما إلى الآخر. والتعبير الشائع الذي يصف حديث فرد ما بأنه «يتكلم مثل كتاب» يبين رؤية الناس لمدى تأثير اللغة المكتوبة في الكلام الرسمي، ونحن نجد التحول إلى لغة المحادثة لا في أجهزة الإعلام المطبوعة والإعلانات وحسب، بل أيضا في الأشكال الجديدة للاستمارات الرسمية، مثل استمارات طلب مدفوعات الرعاية الاجتماعية (فيركلف، 1989م، أ، 218-222). ربما يكون زمن تأثر المتحدثين بلغة الكتابة قد ولى، فأما القيم الثقافية المعاصرة فتعلي كثيرا من قيمة التخلص من الطابع الرسمي، والنهج المهيمن للتحول هو الاتجاه إلى أشكال تشبه الكلام المنطوق.
ولكن المحادثة تعتبر نموذجا قوي التأثير في الأنماط الأخرى من الخطاب المنطوق. وهذا يعني أن زيادة طابع المحادثة لا يقتصر على أجهزة الإعلام المطبوعة، بل يمتد إلى الأجهزة المذاعة، مثل الراديو والتليفزيون. وقد رصد تولسون (1990م) عملية اكتساب طابع المحادثة في المقابلات الشخصية الإعلامية. فلقد ازداد كثيرا مقدار المحادثات التي نستمع إليها ونشاهدها في أجهزة الإعلام (مثل برامج «الدردشة» (الشات) وغيرها) وهي كثرة تبين مدى ما تحظى به من تقدير، ولكن المذيعين «يتحادثون» أيضا بكثرة مع جماهير المستمعين والمشاهدين، كأنما يتحادثون مع أفراد في هذه الجماهير، كما أن أنماطا منوعة من المقابلات الشخصية، والمقابلات الأخرى، بين المهنيين و«جماهيرهم» تكتسب المزيد من سمات المحادثة، على نحو ما ذكرت عاليه، وكما هو الحال بالنسبة للتخلص من علامات عدم التناظر في السلطة، ينشأ التساؤل هنا عن مدى صدق الطابع غير الرسمي، أي مدى اتخاذه لأسباب استراتيجية؛ وسوف أعود إلى هذا التساؤل أدناه.
والمجال الأخير لإضفاء الديمقراطية الذي أريد الإشارة إليه هو العلاقات بين الجنسين في اللغة، وهو الذي ظل يمثل أبرز حالة من حالات الصراع المعلن حول الممارسات الخطابية في السنوات الأخيرة. فالدراسات الكثيرة التي تعالج «اللغة بين الجنسين» تتضمن ما يشير إلى عدم التناظر بين المرأة والرجل (وترجيح كفة الرجل) فيما يتصل بمقدار الكلام، ومناقشة الموضوعات، واحتمالات المقاطعة أثناء الكلام، وهلم جرا (كاميرون، 1985م؛ كوتس، 1986م؛ جرادول وسوان، 1989م)، وعلى سبيل المثال، تبين دراسة لمحادثة بين أزواج أمريكيين من ذوي البشرة البيضاء وجميعهم من المهنيين (فيشمان، 1983م) أن النساء أثرن موضوعات أكثر مما أثاره الرجال (47 و29 على الترتيب)، ولكن الموضوعات التي أثارها الرجال أصبحت كلها تقريبا (28) من مجالات المحادثة، في حين أن المحادثة لم تتناول أكثر من ثلث الموضوعات التي أثارتها النساء (17) إلا بقليل. وكان الرجال عندما يقدمون الموضوعات يجدون أن النساء يشرن إلى انتباههن (بردود موجزة مثل «نعم» والغمغمة) ويبدين قبولهن للموضوعات وردودهن عليها. وعلى العكس من ذلك وجدت الدراسة أن الرجال لا يبدون انتباههم عموما أثناء عرض النساء للموضوعات، أي أثناء كلامهن، وأنهم يبدون استجابة محدودة للموضوعات المقترحة (الأمر الذي لا يشجع المتحدثين على مواصلة النظر في الموضوع) عندما تنتهي النساء من الكلام.
وقد سجل الدارسون حالات كثيرة للتحيز للرجل في اللغة وفي استعمال اللغة (والتحيز مناف للديمقراطية) على نطاق واسع، مثل استعمال ضمير المذكر الغائب (متصلا أو منفصلا) كأنما هو ضمير يشير إلى الإنسان، ومن ثم استخدامه في الإشارة إلى المرأة والرجل جميعا، إلى جانب استخدامه في الصيغ المشهورة مثل «الرئيس» (جرادول وسوان، 1989م، 99-110). ولو كان الضمير المذكور «اسم جنس» حقا، لوجدناه مستعملا في الإشارة إلى مجموعات الأشخاص الذين يضمون الرجال والنساء معا، ومع ذلك فما أقل الحالات التي يستخدم فيها ضمير المؤنث الغائب على نطاق واسع بهذه الطريقة، كالمثال التالي: «إذا بدأت سكرتيرة تشكو من نوبات صداع، فالأرجح أن معدات المكتب التي تستخدمها معيبة.» إن ضمير المؤنث الغائب يستخدم بهذه الطريقة لأن «العضو النمطي» لمجموعة الأفراد التي ينتمي إليها امرأة، أي إن المعتاد أن يقوم بأعمال السكرتارية أو التمريض امرأة، ولكن إذا كان ضمير الغائب المؤنث المستخدم هنا للإشارة غير المخصصة يقوم على مثل هذا النمط المعتاد، أفلا يصدق هذا أيضا على ضمير الغائب المذكر؟ وإذا كانت اللوائح الجامعية تتضمن نصا كالتالي «إذا أراد الطالب قطع دراسته لأسباب شخصية أو صحية، فعليه مناقشة الأمر أولا مع المشرف عليه»، أفلا يكون النمط المفترض للطالب هنا ذكرا؟ لمن يريد أن يرجع إلى حجة تقول بها أن ينظر مارتينا (1978م).
وعلى الرغم من أن معظم النقاش قد ارتكز من جديد على استمرار الممارسات غير الديمقراطية والمنحازة للرجل، فإن سياق النقاش يمثل انفتاحا للعلاقات بين الجنسين وإضفاء الديمقراطية عليها، وهو سياق له جوانبه الخطابية، ونشهد هذه الأيام تدخل الكثيرين - لا من دعاة نصرة المرأة اللاتي يفعلن هذا عن وعي، بل من نساء أخرى كثيرات ورجال كثيرين - تدخلا فعالا للتقليل من ظاهرة الانحياز للرجل في استعمال اللغة، بحظوظ متفاوتة من النجاح. وقد يتخذ التدخل صورا متنوعة؛ منها إصدار خطوط إرشادية لتجنب الانحياز للرجل في المؤسسات؛ ومنها الكتابة والرسم في لافتات إعلانية أو على الجدران لإظهار الخطاب المنحاز للرجل والطعن فيه؛ ومنها الكفاح لتمكين المرأة من الظفر بمواقع وأدوار وممارسات ذات مكانة عالية، ومن الأشكال المهمة للتدخل الانخراط في ضروب كفاح ذوات هيمنة أكبر، ابتغاء تصحيح الممارسات في مؤسسات معينة مثل الاجتماعات النقابية أو مجالس الأقسام العلمية في الجامعات حتى يتيسر للمرأة المشاركة، أو اعتماد طرائق تفاعل تعاونية لا تنافسية وهي التي كثيرا ما تحظى بتقدير من المرأة يفوق تقدير الرجل لها، بل ولا ينبغي أن نغفل «لغة الصمت» باعتبارها من طرائق التدخل، فقد يفسر الناس ويظهرون ردود أفعالهم للخطاب بطرائق تعارضه حتى ولو عبروا تعبيرا صريحا عن معارضتهم. وقد يوجه الرجال تدخلهم أحيانا ضد أبعاد خطابية لمظاهر الذكورة، مثل افتراض أن «كون الرجل رجلا» يمنحه الحق في ممارسات خطابية عدوانية وبذيئة. وأمثال هذه الممارسات «التدخلية» أقرب إلى عادات شرائح معينة من الطبقة المتوسطة وأشد تأثيرا فيها عن غيرها.
ومسائل التدخل تذكرنا في الوقت المناسب بأن الاتجاهات التجريدية، مثل إضفاء الديمقراطية، تمثل جماع الصراعات المتناقضة التي قد تواجه فيها التدخلات لإعادة هيكلة نظم الخطاب مقاومة منوعة الأشكال، وقد تتعرض لاستراتيجيات احتواء مختلفة، بغرض الحفاظ على صور الهيمنة في مجال الخطاب، ومن أمثال هذه الاستراتيجيات استراتيجية التهميش، ومن الأمثلة التي ذاع صيتها قضية اقتران اسم المرأة بالمختصر
Ms (ينطق مز) وكان الهدف من ابتكار هذا اللقب أصلا فرض التناظر بين الجنسين على الألقاب، أي إنه يشترك مع
Mr (مستر) في عدم الإشارة إلى «الحالة الاجتماعية» (وهو التعبير الذي نطلقه على التمييز بين المتزوج والعزب)، ولكننا نرى أن الاستمارات الرسمية تطبع المختصر
Ms
Shafi da ba'a sani ba