Jawabi da Canjin Zamantakewa
الخطاب والتغير الاجتماعي
Nau'ikan
وأما كلمات النص المطبوعة بالبنط الأسود - الجملتان (10) و(11) - فهي أوضح الأجزاء انتماء للنظم التي تقتضي الالتزام بها، ومع ذلك فإن الصياغة تتضمن قدرا كبيرا من تخفيف هذا الإلزام، فالمعنى الذي تعبر عنه الجملة رقم (10) قد يغضب العميل، ولكن يخففه المعنى «الافتراضي» أي صيغة «يمكن أن» وصيغة «يحتمل أن»، كما إن عبارة «يحتمل أن ترفض» مذيلة بكلمة تستخدم في المراوغة وهي «فعلا» (كأنما يمكن أن يكون احتمال الرفض نظريا أو فعليا). أضف إلى هذا أن المبني للمجهول يعني عدم تحديد فاعل الرفض، وإذا كان من اليسير أن يستنبط من السياق أنه البنك، فإن النص لا يبرز ذلك. وفي الجملة رقم (11) نرى أن التزام حامل البطاقة معبر عنه تعبيرا غير شخصي، (فعبارة «من المهم التأكد» كان يمكن أن تكون «لا بد أن تتأكد») وهي تتحول بغرابة إلى ضرورة السيطرة على سقف الائتمان، وهي التي يسيطر عليها البنك، بدلا من أن توصي بعدم تجاوزه.
والمزج بين المعلومات الخاصة بالنظم المالية وبين الإعلان يمكن تفسيره باعتباره صورة من صور رد الفعل إزاء معضلة تواجهها بعض المؤسسات، مثل البنوك، في السوق الحديثة، إذ إن القطاعات الاقتصادية خارج الإنتاج السلعي يزداد أخذها بالنموذج السلعي وإطار النزعة الاستهلاكية، وتتعرض لضغوط معينة حتى تقدم أنشطتها «مجمعة» في صورة سلع، وأن «تبيعها» ل «المستهلكين». ويتسبب هذا في صعوبة خاصة للبنوك، فمحاولات أنشطتها التنافس مع السلع الاستهلاكية يقضي بأن تذعن لسلطة المستهلك، وتجعلها جذابة وبسيطة ومتحررة من القيود إلى أقصى حد، ولكن الطبيعة الخاصة ل «البضائع» التي تعرضها تحتم أن يخضع انتفاع المستهلكين بها لقواعد وضمانات. وليست هذه المعضلة مما ينفرد به العمل المصرفي، فهي تنشأ في صورة مختلفة إلى حد ما في التعليم؛ إذ إن الضغط الرامي إلى «بيع المنتج» يواجهه ضغط لحمايته من الآثار المفسدة للسوق. وتتجلى المعضلة في «نموذج» العلاقة التناصية بين المعلومات المالية والعناصر الإعلانية في النص، وبخاصة الحقيقة المذكورة عاليه، وهي أن النص يتراوح بين الجمل التي تنتمي في المقام الأول إلى أحد الطرفين لا للآخر. ومن شأن هذا أن يوحي بأن نمطي الخطاب يحاولان بصعوبة أن يتعايشا في النص، بدلا من أن يتكاملا تكاملا تاما (انظر بداية القسم الثاني حيث الحديث عن علاقات التناص).
والنصوص التي تجمع بين الإعلام والدعاية أو الإخبار والبيع شائعة في مختلف نظم الخطاب المؤسسية في المجتمع المعاصر. وهي تشهد بحركة استعمار إعلانية منطلقة من مجال تسويق السلع بمعناه الضيق إلى شتى المجالات الأخرى. وللمرء أن يرجع ذلك إلى الموجة العالية الراهنة (التي ترتبط في بريطانيا بثقافة «الأعمال الحرة») في عملية التسليع الطويلة الأجل، ودخول مجالات جديدة في السوق، وانتشار النزعة الاستهلاكية. والمعتقد أن النزعة الاستهلاكية تستتبع انتقالا في السلطة النسبية للمنتج والمستهلك في صالح الأخير، وإن يكن من غير المؤكد إن كان هذا الانتقال حقيقيا أم ظاهريا.
ولظاهرة التسليع وانتشار النزعة الاستهلاكية وخصائص السوق آثار واسعة النطاق في نظم الخطاب، وهي تتراوح ما بين تغلغل ظاهرة إعادة بناء نظم الخطاب المؤسسية تحت تأثير الحركة الاستعمارية لخطاب الإعلان والتسويق والإدارة، وبين «إعادة الوصف» التي نشهدها في كل مكان للجماهير والعملاء وطلاب العلم، وهلم جرا باعتبارهم «مستهلكين» أو «زبائن». وتؤدي هذه الاتجاهات المقاومة إلى الصراع على الهيمنة على بناء نظم الخطاب، وإلى معضلات يواجهها منتجو النصوص ومفسروها الذين يحاولون العثور على طرق للتكيف مع الاستعمار، أو احتوائه، أو القضاء عليه (انظر الفصل السابع أدناه).
التناص السافر
سوف أستعين في عملي في القسم التالي بالتمييز الذي سبق أن أشرت إليه عاليه بين «التناص السافر» و«المركب الخطابي» (التناص المكون). أما التناص السافر فيشير إلى الاستفادة من نصوص أخرى بوضوح وجلاء داخل أحد النصوص، وأما المركب الخطابي فيشير إلى تكوين نمط خطابي من مجموعة عناصر من نظم الخطاب. وكان قد سبق لي أن ناقشت مبدأ التركيب الخطابي فيما يتعلق بنظم الخطاب، وإن لم أناقش المصطلح نفسه، في الفصل الثالث عاليه. ومن المفيد أيضا ألا ننسى التمييز الرمزي بين «طرائق» مختلفة لعلاقات التناص التي ظهرت من قبل في خلال مناقشتي للعينات، فلنا أن نميز بين ما يلي:
التناص التتابعي:
ويعني تتابع ظهور مختلف النصوص أو أنماط الخطاب بالتناوب في أحد النصوص، كما هو الحال في جانب من العينة رقم 2.
التناص المطوي:
ويعني أن أحد النصوص أو الأنماط الخطابية مطوي بوضوح داخل نص أو نمط خطابي آخر. وهذه هي العلاقة بين «الأساليب» التي حددها لابوف وفانشيل في الخطاب العلاجي (انظر المناقشة في الفصل الثاني).
Shafi da ba'a sani ba