Jawabi da Canjin Zamantakewa
الخطاب والتغير الاجتماعي
Nau'ikan
وترجع قوة مدخل بيشوه، وسبب اعتباره مدخلا نقديا، إلى أنه يقرن نظرية ماركسية للخطاب بالمناهج اللغوية للتحليل النصي. ومع ذلك فإن معالجته للنصوص غير مرضية. فكما ذكرت آنفا، يؤدي بناء الكوربوس إلى فرض التجانس على النصوص قبل تحليلها، (كورتين وماراندين، 1981م، 22-23) وتطبيق الإجراءات التحويلية في تحليل النصوص وتقسيمها إلى جمل بسيطة يؤدي إلى طمس المعالم المميزة للتنظيم النصي. أضف إلى ذلك أن هذه الإجراءات تسمح بالتركيز على أجزاء مختارة من النصوص، وهو ما يعني أن التحليل سوف ينصب على الجمل في الواقع لا على النصوص. كما أن النصوص تعامل معاملة النواتج، على نحو ما يعاملها ممارسو اللغويات النقدية، وأما العمليات الخطابية الخاصة بإنتاج النصوص وتفسيرها فلا تكاد تحظى بأي اهتمام. كما يجري تحليلها من زاوية دلالية ضيقة (وهو الانتقاد الذي وجهته أيضا إلى بوتر ووذريل) مع التركيز المحدد سلفا على «الكلمات الأساسية»، وهذا يعني الاهتمام بالأبعاد الفكرية للمعنى فقط، وإهمال أبعاد العلاقات بين الأشخاص وهي التي تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والهويات الاجتماعية، وتجاهل خصائص معنى المقولات المنطوقة في سياقها، في سبيل تحديد المعنى التجريدي للعلاقات. وهكذا فإن هذا المدخل يتجاهل جوانب كثيرة من شكل النصوص وتنظيمها وهي التي تهتم بها المداخل الأخرى، والخلاصة أن المحلل لا يحاول معالجة العناصر المميزة للنص ول «الحادث الخطابي»، بل يتناول النصوص بصفتها أدلة على صحة افتراضات مسبقة عن التشكيلات الخطابية، ونلاحظ وجود اتجاه مماثل في النظرية الألتوسيرية للمبالغة في تأكيد إعادة الإنتاج - بمعنى وصف مواقع الذوات داخل تشكيلات معينة وكيفية ضمان السيطرة الأيديولوجية - على حساب التغيير، أي كيف يمكن للذوات الطعن في السيطرة والتشكيل القائم وإعادة هيكلته تدريجيا من خلال ممارستهم. وسبق لي أن قلت بوجود تأكيد مماثل في اللغويات النقدية، وهكذا فإن مدخل بيشوه يقوم على نظرة من جانب واحد للذات في موقعها، وباعتبارها ناتجا، وتجاهل قدرة الذوات على العمل باعتبارهم قوى فاعلة. وأما نظرية «نقض التماهي» باعتبارها تمثل التغيير الذي يتولد خارج الذات من خلال ممارسة سياسية معينة، فإنها بديل غير محتمل الوقوع لبناء إمكانية تغيير نظرة المرء إلى الخطاب وإلى الذات.
وأما تحليل الخطاب على أيدي «الجيل الثاني» في إطار تقاليد بيشوه، فقد أدى إلى تغيير المنهج بطرائق جوهرية، وكان ذلك راجعا في جانب منه إلى الانتقادات الموجهة إليه، وراجعا في جانب آخر إلى تأثير التغيرات السياسية في فرنسا (مالديديه، 1984م، 11-14)، وأكدت بعض دراسات الخطاب السياسي (مثل كورتين، 1981م) استراتيجيات التحالف الخطابية، ووجود مجموعات من تشكيلات خطابية مختلفة تؤدي إلى جعل الخطاب حافلا بالعناصر المتباينة وغامضا، ولكن هذه الخصائص يصعب استيعابها في الرؤية السابقة التي تقول بأن التشكيلات الخطابية متجانسة صلبة وترتبط بعلاقات تعارض ثابتة ساكنة. وقد وصف الخطاب بعد ذلك بأنه يتميز في تكوينه بالتباين الداخلي (أوتييه، ريفي 1982م)، وأن من مقوماته عناصر «حوارية» و«تناصية» من نوع ينتمي إلى تقاليد نظرية مختلفة (انظر باختين، 1981م، وكريستيفا، 1986م، أ؛ والفصل الثالث في هذا الكتاب)، كما بدأ النظر إلى البحوث السابقة من الزاوية التي انتقدته منها عاليه، أي باعتباره إجراءات ترمي إلى فرض التجانس، وأصبح ينظر إلى المركب الخطابي باعتباره «عملية إعادة هيكلة مستمرة»، حيث يتسم تحديد أي تشكيل خطابي بأنه «غير ثابت أساسا، فليس بالحدود الدائمة التي تفصل ما بين الداخل والخارج، ولكنه جبهة تتلاقى فيها تشكيلات خطابية مختلفة، وهي جبهة حدودية تتغير وفقا لما يدور حوله الصراع الأيديولوجي» (كورتين، 1981م، 24). ونظرا لتعدد العناصر التي يتكون منها الخطاب، فلا بد أن تظل أقسام معينة من النص تحمل أكثر من وجه للمعنى، وهو ما يواجه المفسر بأسئلة حول التشكيلات الخطابية التي يراها أقرب في نظره إلى تفسيرها، وهكذا، كما قال بيشوه في أحد أبحاثه الأخيرة (1988م)، يكتسب تحليل الخطاب طابع البحث التفسيري لا البحث الوصفي المباشر. ونلاحظ في الوقت نفسه التخلي عن «وهم المؤمن بالنظريات» الذي يقول: إن التحولات الجذرية للمركب الخطابي «يبررها وجود الماركسية/اللينينية» (بيشوه، 1983م، 32). وإزاء التركيز الجديد على «الحادث» الخطابي المعين، نشأت نظرة جدلية إلى الخطاب، وأصبحت إمكانية التحولات راسخة في طبيعة الخطاب المتباينة المتناقضة، ويقول بيشوه: «إن أي خطاب يمكن أن يعتبر علامة على الحركة داخل الانتماءات الاجتماعية التاريخية التي تستند إلى الهوية، وذلك في حدود اعتبار الخطاب، في الوقت نفسه، من ثمار هذه الانتماءات والعمل ... الخاص بالإزاحة داخل ساحتها» (بيشوه 1988م، 648) (والمقصود بالإزاحة أن الخطاب أزاح أحد الانتماءات وحل محلها).
الخاتمة
أود أن أختتم هذا الاستقصاء بالربط بين القضايا الرئيسية التي عرضت لها حتى الآن، في صورة عدد من المقولات التي يمكن اعتبارها «المطلوب» للمدخل النقدي السليم لتحليل الخطاب، وسوف يقدم ذلك صورة أولية للمدخل الذي أشرع في بنائه في الفصل الثالث، ويبين علاقته بما سبقت لي مناقشته، وسوف يساعد في الوقت نفسه على تحديد المجالات التي يظهر فيه ضعف وفجاجة تقاليد تحليل الخطاب ذات التوجه اللغوي التي استعرضتها في هذا الفصل، وهي التي تحتاج إلى التدعيم بالاستفادة من معالجة اللغة والخطاب في النظرية الاجتماعية. (1)
موضوع تحليل النصوص اللغوية، وهي تحلل من زاوية طبيعتها الخاصة (انظر بيشوه). يجب أن تضمن النصوص المختارة لتمثيل مجال معين من مجالات الممارسة تمثيل التنوع في شتى الممارسات (انظر سنكلير وكولتارد) وتجنب فرض التجانس عليها (انظر بيشوه). (2)
بالإضافة إلى كون النصوص «نواتج» لعمليتي إنتاج النصوص وتفسيرها، فإن هذه العمليات نفسها تخضع للتحليل (انظر سنكلير وكولتارد، واللغويات النقدية، وانظر المدخل إلى التحليل النقدي للخطاب في فان دييك (1988م) الذي يبدي اهتماما مفصلا بعمليات الخطاب). ينظر إلى التحليل نفسه باعتباره تفسيرا، ويسعى المحللون إلى إبداء الحساسية لميولهم التفسيرية والأسباب الاجتماعية لها (انظر سنكلير وكولتارد، وتحليل المحادثات، واللغويات النقدية). (3)
قد تتميز النصوص بتعدد عناصرها المتباينة وبالغموض، وقد يتطلب إنتاجها وتفسيرها الاستعانة بمجموعات من أنماط مختلفة من الخطاب (لابوف وفانشيل؛ انظر تحليل المحادثات، ومجموعة بيشوه من «الجيل الأول»). (4)
يدرس الخطاب تاريخيا وديناميا، من حيث تغير المجموعات من أنماط الخطاب في إنتاج الخطاب، ومن حيث ما يتجلى في هذا التغيير من تمثيل وتشكيل لعمليات تغيير اجتماعي أوسع نطاقا («الجيل الثاني» من مجموعة بيشوه، والسيميوطيقا الاجتماعية؛ وانظر لابوف وفانشيل، و«الجيل الأول» من مجموعة بيشوه، واللغويات النقدية). (5)
الخطاب بناء اجتماعيا (اللغويات النقدية، بيشوه، بوتر ووذريل)، إذ إنه يشكل الذوات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية، ونظم المعرفة والعقيدة، كما أن دراسة الخطاب تركز على آثاره الأيديولوجية البناءة (بيشوه، اللغويات النقدية، انظر لابوف وفانشيل). (6)
لا يقتصر اهتمام تحليل النصوص على علاقات السلطة في الخطاب (انظر تحليل المحادثة)، بل يبين أيضا كيف تقوم علاقات السلطة والصراع على السلطة بتشكيل الممارسات الخطابية في مجتمع ما أو مؤسسة ما وتغييرها (الجيل الثاني من مجموعة بيشوه؛ انظر المداخل غير النقدية، واللغويات النقدية). (7)
Shafi da ba'a sani ba