ولهذا من كان حالفا على ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم أو الصلاة أو الزكاة أو صوم رمضان أو أداء الأمانة والعدل ونحو ذلك لا يجوز لأحد أن يفتيه بمخالفة ما حلف عليه والحنث فى يمينه ولا يجوز له أن يستفتي فى ذلك ومن أفتى مثل هؤلاء بمخالفة ما حلفوا عليه والحنث فى أيمانهم فهو مفتر على الله الكذب مفت بغير دين الإسلام بل لو أفتى آحاد العامة بأن يفعل خلاف ما حلف عليه من الوفاء فى عقد بيع أو نكاح أو إجارة أوغير ذلك مما يجب عليه الوفاء به من العقود التى يجب الوفاء بها وإن لم يحلف عليها فإذا حلف كان أوكد فمن أفتى مثل هذا بجواز نقض هذه العقود والحنث فى يمينه كان مفتريا على الله الكذب مفتيا بغير دين الإسلام فكيف إذا كان ذلك فى معاقدة ولاة الأمور التى هي أعظم العقود التى أمر الله بالوفاء بها وهذا كما أن جمهور العلماء يقولون يمين المكره بغير حق لا ينعقد سواء كان بالله أو النذر أو الطلاق أو العتاق وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد ثم إذا أكره ولي الأمر الناس على مايجب عليهم من طاعته ومناصحته وحلفهم على ذلك لم يجز لأحد أن يأذن لهم فى ترك ما أمر الله به ورسوله من ذلك ويرخص لهم فى الحنث فى هذه الأيمان لأن ما كان واجبا بدون اليمين فاليمين تقويه لا تضعفه ولو قدر أن صاحبها أكره عليها ومن أراد أن يقول بلزوم المحلوف مطلقا فى بعض الأيمان لأجل تحليف ولاة الأمور أحيانا قيل له وهذا يرد عليك فيما تعتقده فى يمين المكره فإنك تقول لايلزم وإن حلف بها ولاة الأمور ويرد عليك فى أمور كثيرة تفتى بها فى الحيل مع ما فيه من معصية الله تعالى ورسوله وولاة الأمور وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم وقد ثبت فى الصحيح عن بن عمر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند أسته بقدر غدره ( قال وإن من أعظم الغدر يعنى بإمام المسلمين وهذا حدث به عبد الله بن عمر لما قام قوم من أهل المدينة يخرجون عن طاعة ولي أمرهم ينقضون بيعته وفى صحيح مسلم عن نافع قال جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال إنى لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من خلع يدا لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ( وفى الصحيحين عن بن عباس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس يخرج من السلطان شبرا فمات عليه إلامات ميتة جاهلية ( وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية ( وفى لفظ ( ليس من أمتى من خرج على أمتى يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها ولا يوفي لذي عهدها فليس منى ولست منه (
فالأول هو الذي يخرج عن طاعة ولي الأمر ويفارق الجماعة
والثانى هو الذي يقاتل لأجل العصبية والرياسة لا فى سبيل الله كأهل الأهواء مثل قيس ويمن
والثالث مثل الذى يقطع الطريق فيقتل من لقيه من مسلم وذمي ليأخذ ماله وكالحرورية المارقين الذين قاتلهم علي بن أبى طالب الذى قال فيهم النبى صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة (
Shafi 13